واشنطن – محمد المنشاوي
بعد مرور شهر على عملية طوفان الأقصى وما تبعها من عدوان إسرائيلي مستمر على قطاع غزة نتج عنه حتى الآن استشهاد ما يزيد عن 10 آلاف فلسطيني، وإصابة أكثر من 30 ألفا آخرين، ليس من السهل على متابعي الشأن الأميركي فهم المنطق وراء الدعم الكامل من الرئيس جو بايدن لهذا العدوان.
ومع استمرار القصف وغلق وحصار إسرائيل للقطاع، وتدمير كامل للبنية التحتية والخدمية بما فيها من مدارس ومستشفيات ومحطات كهرباء، يزداد الغضب الشعبي الأميركي على موقف الرئيس بايدن الداعم، بلا أي قيود أو شروط، للعدوان الإسرائيلي.
في هذا السياق، حاورت الجزيرة نت السيدة لارا فريدمان، رئيسة مؤسسة “سلام الشرق الأوسط” (FMEP)، حول موقف بايدن ومسوغاته لتقديم هذا السند “الشيك” على بياض لإسرائيل لتفعل ما تريد بقطاع غزة وسكانه، دون اكتراث لأي أبعاد قانونية أو أخلاقية أو إنسانية.
وتترأس فريدمان مؤسسة سلام الشرق الأوسط التي أسست في 1979، و”تعمل على ضمان مستقبل عادل وآمن وسلمي للفلسطينيين والإسرائيليين”. وسبق وعملت السيدة فريدمان في وزارة الخارجية، وخدمت في مناصب دبلوماسية بالقدس، وواشنطن، وتونس، وبيروت. كما شغلت سابقا منصب مديرة السياسة والعلاقات الحكومية في منظمة “أميركيون من أجل السلام الآن”.
وتموّل المنظمة برامج ومشروعات ومبادرات تخدم أولويات عدة؛ من أهمها: تعزيز احترام القانون الدولي والمعايير الديمقراطية وحقوق الإنسان والكرامة في السياق الإسرائيلي الفلسطيني.
وكذلك “دعم واستدامة قطاع مناهضة الاحتلال، وتمكين الفلسطينيين من البقاء في وطنهم”، إضافة إلى “العمل على توسيع مساحة انتقاد السياسات والإجراءات الإسرائيلية، ودعم الأصوات الفلسطينية، بما في ذلك داخل الجامعات، وفي وسائل الإعلام، وفي الخطاب النقاش العام”. وتصدر المؤسسة تقريرا أسبوعيا عن النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية.
وإلى نص الحديث
كيف تقيمين موقف بايدن وسياسته تجاه الأزمة الحالية؟
أعتقد أن استجابة إدارة بايدن لهجمات حماس يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي “مفهومة، وموقفه الداعم لإسرائيل حينذاك مفهوم وصحيح ومتوقع بعد تعرضها لهذه الهجمات الإرهابية الضخمة”.
لكن ومنذ ذلك الحين أصبح موقف بايدن إشكاليا بصورة كبيرة، فدعم إسرائيل لا يعني أعطاءها سندا “شيكا” على بياض لتفعل ما تريد، وكيفما تريد بـ 2.3 مليون فلسطيني هم كل سكان قطاع غزة، وهذا بالضبط ما يفعله بايدن وإدارته حيال هذه الأزمة.
وكيف تفسرين اتخاذ بايدن لهذا الموقف؟
لا أعرف ما يدور داخل رأس الرئيس بايدن، لكن من ناحية تحليلية، يظهر أنه تبنى التأطير الإسرائيلي الذي يقول، إن لدينا الحق في الدفاع عن النفس، وهذا يعني بالنسبة إليهم أن لدينا حقا مطلقا في فعل أي شيء، ونحن نفعل ما نراه مناسبا لملاحقة حماس في غزة في هذا السياق.
ومرة أخرى، يبدو أن هذا هو ما دافعت عنه إدارة بايدن في هذا السياق. وعليه، فأي مدنيين يقتلون في غزة، لا يُعد خطأ لإسرائيل، بل يُلقى اللوم على حركة حماس.
وتقول إسرائيل، ويوافق بايدن، على أن حماس بدأت هذه المعركة، وأن حماس تستخدم المدنيين دروعا بشرية، أو أنه خطأ المدنيين أنفسهم لعدم الابتعاد عن مناطق القصف التي يُحذرون من البقاء فيها، أو أنه خطأ المدنيين لعدم اقتلاع حركة حماس قبل كل هذا. لذلك يبدو أن إدارة بايدن تبنت الرواية الإسرائيلية بنسبة 100%.
من ناحية أخرى، وكما تعلمون، أعتقد أن هناك بُعدا نفسيا لفهم موقف بايدن. أعني أن الرئيس مخلص بشدة لإسرائيل، وهذا مثبت بالقول والفعل، وهذا شيء يكرره بفخر واعتزاز.
وحتى هناك بعض الإسرائيليين ممن يقولون، إن التفاني العميق لإسرائيل ليس مرادفا لعدم وضع أي قيود على ما يمكن أن تفعله إسرائيل، يمكن القول، إن هذا ليس جيدا لإسرائيل.
وهناك بالطبع الحسابات السياسية الخاصة ببايدن، وهناك ضغوط هائلة، وهذا يأتي من الكونغرس، ومن المنظمات المختلفة التي تتعامل مع إدارة بايدن، وتفرض ضغوطا هائلة لدعم إسرائيل.
وهناك ضغوط هائلة لتأطير أي روايات مضادة، أي رواية تقول، إن إسرائيل تفعل شيئا خاطئا، أو لا ينبغي لإسرائيل أن تفعل شيئا ما، تجعله مرادفا لمعادة إسرائيل أو “معادٍ للسامية”، أو تُتهم بتأييد حماس، وهذه هي الحسابات السياسية. وكل ما سبق يدخل ضمن حسابات بايدن فيما يجري من أحداث في غزة.
وماذا يعني تبني بايدن للتأطير الإسرائيلي للحرب؟
ينتج عن تبني إدارة بايدن للتأطير الإسرائيلي إعفاء إسرائيل بشكل أساسي من أي مسؤولية عما تفعله على الأرض ضد المدنيين، ووضع المسؤولية كلها على حماس، حتى لو كانت إسرائيل تسقط قنابل ضخمة على مناطق وأحياء مكتظة بالسكان المدنيين الأبرياء.
وما أهم ما تفعله منظمتك مع استمرار العدوان على قطاع غزة؟
منظمتنا هي مؤسسة غير ربحية، وليست مجموعة ضغط، ولسنا مجموعة مناصرة. نحن نعمل وننسق مع عدد من المنظمات غير الحكومية لنستمر في دعم المنظمات الفلسطينية وبعض المنظمات الإسرائيلية، لا سيما في سياق دعم غزة وسكان غزة.
حاليا، نعمل على تقديم منح للعديد من المؤسسات والمبادرات الفلسطينية ليتمكنوا من القيام بنشاطات ومشروعات خدمية ومعرفية ذات جدوى.
وهل تصنفين ما يجري الآن في غزة على أنه “تطهير عرقي” أو “جريمة حرب”؟
لست خبيرة قانون دولي، وهذا سؤال يردّ عليه الخبراء القانونيون، وأعلم أن المحامين الدوليين يناقشون ذلك، وأن هناك نقاشا كاملا يدور الآن حول هذا التصنيف.
لكن في نظري كوني محللة سياسية هنا ومراقبة للموقف الأميركي، هل يفي ما يجري بالتعريف القانوني للإبادة الجماعية؟ هل يفي ما يجري بالتعريف القانوني لجرائم الحرب؟ وبصفتي غير المحامية، أعتقد أنه كذلك.
لكن، أود أن أقول، إنه في هذه المرحلة، الجدال حول الكلمات والمصطلحات يبدو رفاهية يتمتع بها الناس خارج غزة، حيث يمكننا الجدال حول الكلمات التي يجب استخدامها.
أفضّل أن يركز الناس على ما يحدث بالفعل، سواء كنت تريد تسميته “إبادة جماعية” أو لا. النية الواضحة لكثيرين في الحكومة الإسرائيلية، وفي الجيش الإسرائيلي، وهم يعبرون عن نياتهم في محو الحياة الفلسطينية في كل أو معظم أرجاء قطاع غزة.
هناك نية واضحة يعبر عنها كثيرون في محاولة دفع الفلسطينيين قدر الإمكان إلى الخروج من غزة إلى سيناء أو أبعد من ذلك. وبعيدا عن هذه النية، انظر إلى الأفعال على الأرض، إنهم يقتلون آلاف المدنيين، بمن فيهم آلاف الأطفال، ولا يبدو أنهم يتوقفون، بل يبدو أنهم يسرعون ذلك.
إذا كنت لا تريد أن تسميها تطهيرا عرقيا، فلا بأس. لكن دعونا نتحدث عن حقيقة أن هناك ما يزيد عن مليون شخص اضطروا إلى النزوح بالفعل من منازلهم، بسبب القصف المستمر في الجنوب. هذه إجراءات وأفعال لتهجيرهم لأبعد وأبعد، وهذا لا يخفيه الإسرائيليون، هم يريدون لهم أن يتحركوا لخارج الحدود.
لذلك أشعر أن النقاش حول “التطهير العرقي” و”الإبادة الجماعية” مهم، ولكن بالنسبة إلى الأشخاص الذين يريدون الجدال حول هذا الأمر، أود أن أقول، إن الأهم هو الحديث عما يحدث على الأرض، دعونا نتحدث عن المسؤولين الإسرائيليين الذين يعلنون ما يحاولون تحقيقه.
هل تعتقدين أن إدارة بايدن وضعت خطوطا حمراء للإسرائيليين، سواء فيما يتعلق بعدد الضحايا أو بسقف زمني للهجمات العسكرية، أو أنه منحهم ضوءا أخضر؟
هذا سؤال شديد الأهمية، وأعني بداية مما رأيناه حتى الآن، لم تحدد إدارة بايدن أي خطوط حمراء. إذا كانت لديهم خطوط حمراء، فسنعرف ذلك فورا.
ربما تكتشف إدارة بايدن في مرحلة أكثر خطورة لاحقا، وتتحدث عن مشكلة عدم وجود أي خطوط حمراء، لكن حتى الآن، فقد تجاوزت إسرائيل بالفعل كثيرا من الخطوط الحمراء المتعلقة بالقانون الدولي، والمتعلقة بالقانون الإنساني الدولي، وبقوانين الحرب، ويمكن القول، إن الخطوط الحمراء تم تجاوزها في نظر الرأي العام العالمي.
ولا أدري متى تقول إدارة بايدن لإسرائيل كفى، لقد قتلتِ أعدادا كافية من الفلسطينيين، أو جرحت أعدادا ضخمة. ولا ننسى أن آثار كل ذلك على الفلسطينيين لا تزال مروعة. أعني أعداد القتلى والجرحى، ثم إن هناك مبانٍ ومناطق دمرت من المؤكد أنه لن يعاد بناؤها أبدا.
ما تأثير هذا القتل والدمار في الجيش الإسرائيلي باعتقادك؟
من المهم الإشارة إلى تأثير ما يفعله الجيش الإسرائيلي على العقائد القتالية حول العالم. هذه هي المرة الأولى التي يمكن فيها لجيش القيام بما يريد دون رادع أو حدود تمنعه من التصرف بهذا الشكل الفظيع.
نعم هذه ليست المرة الأولى التي تتصرف فيها الجيوش والدول على نحو فظيع في الحرب، بما في ذلك الولايات المتحدة، انظر إلى العراق وأفغانستان.
حرب غزة أتت بعقيدة قتالية عسكرية جديدة مفادها أنه لا توجد خطوط حمراء إطلاقا. وهذه يسمح للحكومة الإسرائيلية أن تفعل كل هذا، في الوقت التي تعدّ فيه إدارة بايدن أن إسرائيل لا تزال الضحية الطيبة، وأنها تحترم القانون الدولي.
وماذا تقولين للقراء العرب عن تفاعلات حرب غزة داخل واشنطن؟
بصراحة، لا أعتقد أن لدي أي شيء أقوله أكثر مما قلته. أعني أن أفعال وسياسات وقيم واشنطن تتحدث عن نفسها في هذا الصراع، ومن الصعب جدا تخيل كيف يبدو المستقبل. لقد اتخذت الولايات المتحدة إجراءات وأفعالا لا يمكن الدفاع عنها بالقدر نفسه في السابق مثل حالة غزو العراق.
واليوم، وحتى لو كان الدافع هو الالتفاف ودعم التضامن مع الشعب الإسرائيلي المصدوم بشكل لا يصدق عقب هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وحق إسرائيل في الدفاع عن النفس. لكن ما نشهده أبعد من ذلك بكثير، حتى لو كنت تعتقد أن المهمة الوحيدة لإسرائيل هنا هي خلع حماس، ولو كنت تصدق ذلك فعلا، فمن الصعب تخيل إطلاق يد إسرائيل لتفعل أي شيء حرفيا، لكل رجل وامرأة وطفل في قطاع غزة.
لا أستطيع تخيل أن ذلك يتفق مع قيم أميركا أو قيم الأميركيين الذين انتخبوا جو بايدن، لا يمكن شرح أو تسويغ ما يجري اليوم من عدوان على مواطني قطاع غزة الأبرياء.
نقلاً عن الجزيرة نت