منير أديب
ترتكز منظومة الإخوان المسلمين الإعلامية على قاعدتين مهمتين؛ إحداهما ترتبط برصد الواقع وتقديم قراءة تخدم أهداف التنظيم، إلا أنه غالباً ما يكون هذا الرصد في غير محله، وتضل هذه القراءة طريقها.
أما القاعدة الثانية التي تُبنى عليها ماكينة الإخوان الإعلامية فترتبط باغتيال الخصوم والمختلفين مع التنظيم، وقد يصل هذا الاغتيال إلى الوطن أرضاً وشعباً وقيادةً؛ وهذا سر حملة إعلام الإخوان، الرسمية وغير الرسمية على الأنظمة السياسية العربية وعلى حكامها وكل من يُمثلها.
هناك مُحددات تحكم عمليات الاغتيال المعنوي التي تقوم بها ماكينة الإخوان للمختلفين معها أو المواجهين لتصوراتها؛ أولها أن يكون الخصم مؤثرًا؛ فكلما ازداد تأثيره كان هناك هدف لتحقيق عملية الاغتيال عبر كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، سواء من خلال أيادي الإخوان وأقلامهم، أو من خلال دوائر الجماعة القريبة، التي تتأثر بما يقوله الإخوان، أو أنها ربطت مصيرها بما تتخذه الجماعة من قرارات حتى ولو لم تكن معلنة.
ويسيطر الإخوان على القرار في بعض المنصات الإعلامية التي يعمل فيها أفراد إما أنهم محسوبون على التنظيم أو على أفكاره؛ ويُسخرونها لأهداف الجماعة وتنفيذ عمليات الاغتيال المعنوي، ثم يقومون من خلال إعلامهم غير الرسمي في تسويق هذه المواد عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهنا يُحاولون إظهار حيادية هذه الوسائل التي يُحركونها من خلال أتباعهم.
ليس هذا فحسب، بل إن الجماعة تُوظف بعض الرموز الإسلامية الأكثر تطرفًا التي لا يجمعها علاقة بالتنظيم من أجل تبني أفكاره ومعاركه! فهؤلاء بمثابة لسان سليط يُهاجم ويغتال كل من يقترب من تنظيم الإخوان وأفكاره وقادته. وهنا تُحاول أن تظهر وكأنها لا علاقة لها بهذا النوع من العمليات القذرة في تشويه الخصوم.
ثاني المحددات التي تحكم عمليات الاغتيال المعنوي التي تُقوم بها الجماعة، أن ينتقد الخصم، القيادات أو أن يسعى إلى تفكيك خطابهم، هذا الثالوث كفيل بإطلاق أبواب التنظيم الإعلامية عليه، سواء من خلال الأبواب المرئية أو المكتوبة أو حتى المسموعة، كما أنّ الجماعة لجأت مؤخراً إلى مواقع التواصل الاجتماعي لتحقيق هذا الغرض.
هناك لجان إلكترونية تابعة للإخوان ويشرف عليها بعض قادة التنظيم الدولي، بعضها في لندن والأخرى في ماليزيا، هدفها تحقيق متطلبات الجماعة من تسويق أفكارها وإحراز أهداف في مرمى الخصوم من خلال عمليات الاغتيال، وردع من يُريد أن يشتبك مع أفكار الجماعة؛ هذه اللجان يتم الإنفاق عليها ببذخ شديد من أجل تحقيق أهدافها.
الأخطر أنّ الجماعة جنّدت كل أعضائها للقيام بمهمة اللجان الإلكترونية، حيث يُساقون إلى تحقيق الأهداف السابق ذكرها دون أن يشعروا بذلك، وهنا نجحت الجماعة في تجنيد أشخاص وشخصيات لا علاقة لها بالجماعة، فينطقون باسمها ويتبنون مواقفها، وهذا يدل على قدرة الماكينة الإعلامية على تزييف الواقع أو نقل صورة غير واقعية عنه. هنا نتحدث عن قدرة هذه الماكينة وليس عن نجاحها.
المنظومة الإعلامية للإخوان مهترئة ولا يعمل فيها إلا المتردية والنطيحة وما أكل السبع، ولا يوجد أي كوادر فاعلة أو مفكرون أو ملهمون على مستوى الأفكار داخل المنظومة؛ فأغلب منصاتهم الإعلامية تعتمد على تشويه الصورة الواقعية أو نقل التفاصيل المشوهة لها، كما أنها تعتمد طريقة “الردح” في اللغة الشعبية المصرية، وهي أميل إلى السب والقذف منها إلى نقل الحقيقة أو فتح نقاش هادف.
تعتمد الآلة الإعلامية للإخوان على نقل الصورة المبتورة للخبر، أو ذكر نصف الحقيقة، فتبدو للبعض على أنها آلة إعلامية صادقة أو منحازة إلى قواعد الإعلام المتعارف عليها. والحقيقة أنه نالها ما نال التنظيم من فساد، ولو صح إعلام التنظيم لصدقه النّاس أو لغيروا وجهة نظرهم تجاهه، فجزء من فساد التنظيم هو فساد منظومته الإعلامية.
يمتلك الإخوان عدداً هائلاً من المنصات الإعلامية لكنها بلا تأثير؛ فهي لا تُخاطب إلا أعضاء التنظيم فقط، لأنهم فقدوا مصداقيتهم بسبب كثرة انحيازاتهم، ولأن هذه الوظيفة تقوم على توظيف المواهب والقدرات الإعلامية، فهذا سببٌ جديدٌ من أسباب فساد المنظومة التي يقل فيها وجود الكوادر المؤهلة؛ فخطاب الجماعة الإعلامي وخطاب أفراده يميل إلى السب والقذف وهو يُعبر بصورة أكبر عن الانحطاط القيمي والأخلاقي والمهني، فحجم القضايا التي يتم نقاشها في إطار من الحرية يكاد يكون منعدماً أمام ما يطلبه هذا الإعلام من حرية!
أصدر الإخوان عبر الماكينة الإعلامية عشرات الصحف والمجلات؛ بدأها المؤسس الأول حسن البنا في عام 1933 وانتهت بإصدارات محلية وإقليمية في عدد من الدول، وكلها افتقدت أي دور على التأثير، فقد كان أغلب محتواها مواد فقهية وشرعية وقصصاً، وغاب عن جميعها الإبداع أو النقاش، فباتت أشبه بمجلات الحائط، وما زالت منصات الإخوان الإعلامية أشبه بنشرات داخلية، الإخوان يتحاورون مع أنفسهم عبرها، حتى إنّ نقاشاتهم تكشف وجهاً جديداً من السطحية.
آلة الإخوان الإعلامية تعتمد على مجموعة من غير الموهوبين؛ فكما أن هذه التنظيمات تفتقد وجود المبدعين من الفنانين والمثقفين والشعراء على سبيل المثال، فإنها تفتقد -أيضا- وجود أشخاص لديهم ملكات خاصة، ولذلك يبدو الإعلاميون والمنصات الإعلامية التابعة للإخوان تقليدية للغاية وغير مؤثرة، فتُحاول أنّ تستر الجزء الذي تفتقده عبر تقديم محتوى تقليدي أقرب إلى مهاجمة الخصوم والحط منهم؛ فماكينة الإخوان الإعلامية ليس لديها ما تستطيع أن تناقشه أو أن تصل من خلاله إلى أهدافها إلا عبر الخطاب المتشنج من خلال الاغتيال المعنوي للخصوم.
الإخوان لديهم ماكينة إعلام كبيرة لكنها غير ناجحة وبالتالي ليست مؤثرة، فهم يعتمدون بصورة أكبر على الخطابات الشعبوية، كما أنهم يميلون إلى اغتيال خصومهم عبر دغدغة مشاعر الأتباع من أنّ هناك من يُحارب الفكرة الإسلامية، التي يُصورون للنّاس والأتباع أنهم يُمثلونها وبالتالي يوجهون كل السهام لهؤلاء الأتباع عبر الآلة الإعلامية المسمومة للجماعة.
نقلاً عن “العين” الإخبارية