كريتر نت – متابعات
فدائية فلسطينية وأيقونة ثائرة، ولدت عام 1944 في مدينة حيفا، وهجرت إلى مدينة صور اللبنانية مع بداية النكبة، عاشت في مخيمات اللجوء وانضمت إلى المقاومة مبكرا، نفذت عملتي خطف طائرتين، الأولى عام 1969 وانتهت بنجاح وأدت إلى عملية تبادل أسرى، ثم قامت بعمليات تغيير لملامح وجهها حتى لا يعرفها أمن المطارات، ونفذت عمليتها الثانية عام 1970 وانتهت بفشل أدى إلى قتل شريكها بالعملية واعتقالها ما يقارب شهرا ليفرج عنها بصفقة تبادل أسرى.
استمرت ليلى بنضالها وبعملها في الجبهة الشعبية وفي عدة أماكن، فداء لقضيتها، وتنقلت بين عدة بلدان، ولم تعرف الاستقرار إلا بعد زواجها وانتقالها إلى سوريا ومن ثم إلى العاصمة الأردنية عمان عام 1992، حيث اكتفت بالعمل السياسي مع الجبهة هناك.
المولد والنشأة
ولدت ليلى خالد في مدينة حيفا شمال فلسطين يوم 9 أبريل/نيسان 1944، لعائلة مسلمة من الطبقة المتوسطة، امتلك والدها علي خالد مقهى في المدينة، وأخذت والدتها لطوف على عاتقها رعاية أبنائها فتفرغت لتربيتهم والاهتمام بهم.
كانت ليلى السادسة بين إخوتها الخمسة وأخواتها السبعة، أصغرهم أخوها “ناصر” ولد عام 1956، وسمته العائلة على اسم الرئيس المصري السابق “جمال عبد الناصر”.
عاشت عائلتها في حيفا، وربطتها علاقات جيدة بجيرانها في الحي اليهودي هناك، فكانت ليلى في طفولتها على صداقة مع ابنة إحدى العائلات اليهودية في الفترة التي عاشتها العائلة هناك قبل إعلان الأمم المتحدة قرار تقسيم فلسطين بين العرب الفلسطينيين واليهود في نوفمبر/تشرين الثاني 1947. وكان نتيجة القرار تغير حياة العائلة كلها.
فقد لحق القرار رفض عربي ومواجهات وحرب شنتها القوات الإسرائيلية على الفلسطينيين، وشهدت مدينة حيفا مواجهات كثيرة تذكرها ليلى في مذكراتها على الرغم من صغر سنها في تلك الفترة، فتذكر أنها شهدت حظر تجول في حيفا، ولم تكن تدري حينها معنى هذه الكلمة، وسمعت صوت الرصاص، وشاهدت جثث رجال مقتولين في حيهم وأمام منزلهم.
وقد صادف عيد ميلادها الرابع مجزرة دير ياسين، التي حدثت يوم 9 أبريل/نيسان 1948، حين قتل الجيش الإسرائيلي 750 فلسطينيا في البلدة. ومنذ ذلك الحين لم تحتفل ليلى بعيد ميلادها احتراما لذكرى المجزرة كما تروي ذلك في مذكراتها.
ومع استمرار المواجهات والقتال بين المقاومة الفلسطينية والإسرائيليين في جميع المدن الفلسطينية، بما فيها حيفا؛ قررت والدة ليلى النزوح إلى مدينة صور اللبنانية حيث يقطن عمّ العائلة، لكن حكاية نزوحهم لم تكن عادية، ففي يوم 13 أبريل/نيسان 1948 استأجرت الأم سيارة أجرة للسفر، إلا أن العائلة فوجئت بوجود جثة أمام المنزل مباشرة، فاضطرت الأم لتغيير موعد السفر لليوم التالي حتى تتمكن من إبعاد الجثة من أمام البيت.
وفي الموعد الثاني حين أرادت العائلة السفر وحضرت سيارة الأجرة اكتشفت الأم أن ليلى غير موجودة، وبعد بحث عنها وجدوها تحت الدرج مختبئة، لكن سائق سيارة الأجرة لم يحتمل تأخير العائلة فغادر حاملا معه مسافرين آخرين، ومع استمرار الاشتباكات في الحي سقطت قنبلة على سيارة الأجرة التي كان من المقرر أن تسافر العائلة فيها، وأصيب عدد من الأفراد الذين كانوا في السيارة، ونجت عائلة ليلى من الضرر.
تكررت محاولة الأم مغادرة حيفا، على الرغم من أن الجارة اليهودية عرضت عليهم البقاء في منزلها إلى حين عودة الهدوء، لكن الأم أصرّت على الرحيل، فقد كانت أخبار مذبحة دير ياسين تثير الرعب في النفوس.
وتصف ليلى مشهد مغادرة المنزل بأنه مشهد بكائي غاب عنه الفرح، على عكس المرات السابقة التي كانت تسافر فيها العائلة إلى صور، وفي طريق السفر شاهدت ليلى كثيرا من اللاجئين يخرجون من المدينة سيرا على الأقدام، حاملين أمتعتهم وأولادهم.
وصلت العائلة إلى بيت العم في مدينة صور من دون والدهم، فقد بقي في المدينة لحراسة منزله ومقهاه إلى حين عودة الهدوء في حيفا، إلا أن قوات الاحتلال احتلت البيت والمقهى يوم 22 أبريل/نيسان 1948، فالتحق بالمقاومة الفلسطينية وأُرسل إلى غزة ومصر، لكن بعد هزيمة عام 1948 انضم إلى عائلته في لبنان.
عانت عائلة ليلى في تلك الفترة مثل كل اللاجئين الفلسطينيين، وعاشت ذل طلب المساعدات من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وتذكر ليلى في مذكراتها أنها وإخوتها عاشوا ظروفا صعبة وحياة تعيسة، فقد كانت والدتهم تجابه كل طلباتهم بالرفض وترد بعبارة واحدة وهي “لسنا في فلسطين”.
كانت ليلى في صغرها طفلة ذكية، إلا أن الظروف التي عاشتها حولتها إلى طفلة عدوانية، مما دفع عائلتها لإلحاقها بحضانة.
بعد 6 سنوات من العيش في منزل عمها في صور انتقلت العائلة إلى شقة منفصلة بعد تحسن أوضاعهم المادية، وغاب عنهم حينها شبح الجوع والحاجة.
سافرت فيما بعد إلى الكويت لتأمين لقمة عيشها، ووجدت فرصة عمل في منطقة الجهراء، وبقيت هناك تعمل لإعالة عائلتها، لا سيما بعد وفاة والدها عام 1966 وترحيل أخيها وعائلته من الكويت.
في عام 1970 وقبل تنفيذها عملية اختطاف الطائرة تقدم لخطبتها قائدها المباشر في معسكرات التدريب وهو شاب عراقي يدعى باسم، وأُعلنت خطوبتهما في شهر فبراير/شباط 1970 من دون استشارة عائلتيهما، ثم تزوجا بعد نحو شهرين من خروج ليلى من السجن في بريطانيا، وقيل بعد شهر من تلك الحادثة.
ولم ترافق الزواج أي مظاهر احتفالية، وإنما كان يتوجب على الزوج الحصول على موافقة من قيادة الجبهة لإتمام الزواج. وبعد أسبوع عاشاه سويا، عاد كل منهما إلى قاعدته العسكرية لإكمال مهامه، ليلى في لبنان، وباسم في الأردن.
واستمرا على هذه الحال عدة شهور ظهرت خلالها خلافات كثيرة وتباين في الآراء، وغيابات مستمرة بسبب المهمات الطويلة، إلى أن بدأت إٍسرائيل استهداف عناصر الجبهة بعمليات اغتيال عام 1972، ففرضت إجراءات أمنية مشددة على ليلى، ورفض باسم مرافقتها في مخبئها وأدى ذلك إلى انفصالهما.
ثم التقت أثناء دراستها في موسكو أحد طلاب الطب، وكان عضوا في الجبهة الشعبية، وهو الطالب فايز رشيد، وجمعتهما معرفة دامت ثلاث سنوات قبل أن يتزوجا في بداية الثمانينيات من القرن العشرين في لبنان، وعاشا سويا فترة الحرب هناك، إذ قضاها زوجها في المستشفيات، وقضتها ليلى مرافقة لأمها في بيت في الجبل، بالإضافة إلى عملها في مساعدة اللاجئين على الرغم من حملها وتعبها.
ثم تركا لبنان سفرا بالباخرة إلى سوريا، وهناك أنجبت ابنها الأول بدر، وانتقلت ليلى للعيش في مخيم اليرموك مع زوجها وابنها، ثم سافر زوجها ليكمل اختصاصه في الطب وأنجبت حينها ابنها الثاني بشار. وفي عام 1991 فقدت ليلى اثنين من إخوتها مما عاد عليها بالحزن والأسى.
وفي عام 1992 قرر الزوجان الانتقال إلى الأردن، حيث افتتح زوجها عيادته الخاصة هناك، واستقرا في عمّان منذ ذلك الحين.
الدراسة والتكوين العلمي
بدأت ليلى دراستها في السادسة من عمرها في مدرسة الكنيسة الإنجيلية الخيرية، والتي كانت عبارة عن خيمة كبيرة أقيمت في المخيم لتعليم الفلسطينيين، وانتقلت إلى مدرسة صيدا لإتمام شهادة البكالوريا (الثانوية العامة) التي حصلت عليها عام 1962م.
غير أنها لم تحصل على منحة لتكمل دراستها الجامعية، فأقنعت أخاها الذي يعيش في دولة الكويت بالتكفل بدراستها في الجامعة الأميركية في بيروت، لكن بعد إكمالها عامها الأول في الجامعة أخبرها أخوها بعدم قدرته على إرسال النفقات. فتوقفت ليلى عن الدراسة.
وانقطعت إلى عام 1978 حين تعرفت على إحدى عضوات اللجنة الفدرالية النسائية الديمقراطية في موسكو أثناء انعقاد أحد المؤتمرات، وطلبت منها تقديم أوراقها لاستكمال دراستها في إحدى الجامعات السوفياتية، وبدأت ليلى دراستها هناك في فرع التاريخ بعد دراسة اللغة الروسية، لكنها لم تكمل دراستها، إذ استدعتها الجبهة بعد سوء الأوضاع في لبنان عام 1981. ولم تكمل ليلى دراستها بعد ذلك.
الحياة النضالية
كان دخول ليلى الحياة السياسية والنضالية بسبب الجو العائلي، إذ انتمى 6 من إخوتها إلى حركة القوميين العرب التي أسسها جورج حبش ووديع حداد، فقد كانت في الثامنة من عمرها حين كانت تجذبها نقاشات أخيها الأكبر مع والدها، ومنها بدأت تفهم سبب خروجهم من فلسطين وما يتوجب عليهم فعله.
وفي عمر الـ14 كانت ليلى منتظمة في حركة القوميين العرب ولم تكن مهمتها توزيع منشورات أو إلقاء خطابات أو الخروج في مظاهرات فحسب؛ بل طُلب منها ومن رفيقاتها إيصال الطعام إلى خطوط المقاومين الأمامية، وبعد الحرب الأهلية في لبنان أصبحت ليلى عضوا فاعلا في الحركة.
وخلال المرحلة الجامعية انضمت ليلى إلى الاتحاد العام لطلبة فلسطين، مع بقائها في حركة القوميين العرب، وبعد سفرها إلى الكويت للعمل تابعت عملها بالحركة سرًا في الإجازات من دون الإفصاح لأحد عن انتمائها إلى الحركة إذ كان محظورا على المدرسين بالكويت الانتماء للحركة.
وبعد ظهور منظمة التحرير الفلسطينية عملت ليلى على دعمها لافتتاح فروع لها في الكويت، وعملت مع فرع حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) ما بين عامي 1967 و1968، فقد كانت فتح المنظمة الفلسطينية الوحيدة المصرح لها بالعمل في الكويت.
في تلك الفترة وجدت ليلى بعض الملصقات للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في إحدى المكتبات الكويتية، فتواصلت مع خلية محلية للجبهة وانضمت إلى أحد برامجهم المكثفة، وبعد هزيمة 1967 انضمت إلى الجناح العسكري للجبهة.
وقد عارضت عائلتها انضمامها إلى معسكرات التدريب، إلا أن ليلى خالفت عائلتها والتحقت بمعسكر التدريب شمالي العاصمة الأردنية عمان مع اثنين من إخوتها.
وبعد انتهاء فترة التدريب الأولى في المعسكر، وقع الاختيار عليها لتكون في فريق العمليات الخاصة، ثم اختارها قائدها للانضمام إلى فريق العمليات الخارجية في لبنان، والذي كان بقيادة الدكتور وديع حداد، حينها أُرسلت لتدريب خاص تمهيدا للقيام بأولى عملياتها، وهي خطف طائرة “تي دبليو أي بوينغ 707” أثناء الرحلة من روما إلى أثينا ثم تل أبيب.
عملية خطف الطائرة الأولى
أرسلت ليلى إلى روما تحضيرا للعملية ولدراسة تفاصيلها كافة، وحفظ الشوارع والأماكن التي سترتادها، واختيرت ملابسها لتكون كسائحة متجولة، فقضت أياما هناك تتأكد من التفاصيل كافة، وتزور الشوارع مرارا إلى أن حفظت كل شيء.
ثم سافرت مرة أخرى إلى روما في أغسطس/آب 1969 لتنفيذ العملية، وهناك قابلت شريكها في العملية سليم العيساوي، وحجزا مقعدين في الدرجة الأولى في الطائرة المختارة ليكونا قريبين من قمرة القيادة، وكانا مسلحين، إذ استطاعا إدخال أسلحتهما إلى الطائرة من دون أن يشعر أحد بذلك.
وبدأت العملية أثناء توزيع الطعام على الركاب، إذ استغل العيساوي انشغال طاقم المضيفين وانتقل إلى قمرة القيادة، آمرًا قائد الطائرة ومساعديه بتنفيذ أوامر القيادة الجديدة للطائرة. ثم أخبر جميع من في الطائرة أنهم الآن تحت إمرة القائدة “شادية أبو غزال” أول شهيدة في الجبهة الشعبية.
أمسكت ليلى القنبلة بيدها ولحقت العيساوي إلى قمرة القيادة، وهناك أمرا المضيفين وكافة ركاب الدرجة الأولى بالتوجه إلى الدرجة السياحية، ليكون الجميع بعيدين عما يحدث في غرفة القيادة.
وكان دور ليلى في العملية هو التواصل مع قائد الطائرة وبرج المراقبة والسيطرة على قمرة القيادة، وقد ألقت ليلى خطابا سياسيا باللغة الإنجليزية عرفت فيه بالجبهة الشعبية والقضية الفلسطينية، وترجمت إحدى المضيفات الخطاب إلى الفرنسية لأن كثيرا من الركاب كانوا لا يتقنون الإنجليزية.
وطلبت ليلى من قائد الطائرة التوجه إلى مطار اللد، وبمجرد دخول المجال الجوي الإسرائيلي أحاطت بالطائرة المختطفة 3 طائرات مقاتلة إسرائيلية، وكان الاحتلال حينها يخاف من تفجير الطائرة فوق المطار أو فوق إحدى المدن الإسرائيلية.
وطلبت من الطيار أن يحلق على علوّ منخفض من مدينة حيفا إذ كانت تطمح لرؤية وطنها الذي غادرته وهي ابنة 4 سنوات.
ثم أمرته بالتوجه إلى دمشق، وطوال الرحلة تحلت ليلى بالهدوء، وركزت على تنفيذ مهمتها بنجاح، محافظة على سلامة الركاب وطاقم الطائرة، فلم يكن الهدف إلحاق الأذى بأحد، وإنما بهدف تبادل الأسرى وتعريف العالم بالقضية الفلسطينية.
حين هبطت الطائرة في مطار دمشق بدأت مهمة العيساوي، فبعد إفراغ الطائرة من الركاب، فخّخ سليم غرفة القيادة وفجرها، ثم رافق الخاطفان المسافرين إلى مبنى المطار.
اعتقلت السلطات السورية ليلى والعيساوي واحتجزتهما في غرفتين منفصلتين، وخضعا لجلسات استجواب عدائية في اليوم الأول، وتحولت جلسة الاستجواب إلى نقاش وعتب في اليوم الثاني، وتقول بعض المصادر إن سبب التغير في موقف السلطات السورية هو اعتقادهم أن الخاطفين مصريان، لكن حين تأكدوا من أن الخاطفين من الجبهة الشعبية تغيرت معاملتهما، إلا أن السلطات السورية أبقت على الخاطفين 6 أسابيع أضربا فيها عن الطعام عدة مرات.
وبررت السلطات السورية احتجاز الخاطفين بحجة الانتهاء من المفاوضات مع السلطات الإسرائيلية حول المسافرين، إذ جرت صفقة تبادل تضمنت الإفراج عن طيارين سوريين وأسرى فلسطينيين مقابل الإفراج عن المسافرين الإسرائيليين.
أدت العملية إلى إثارة انتباه الرأي العام العالمي إلى القضية الفلسطينية، وتغيير النظرة التي روج لها الإعلام الإسرائيلي بأن الفلسطينيين فلاحون لاجئون، فرأتهم بعض وسائل الإعلام الغربية ثوريين فيما رأتهم وكالات إعلام أخرى “إرهابيين” ورأتهم جهات ثالثة “ضحايا إرهاب دولي”.
استخدمت الجبهة الشعبية الاهتمام الإعلامي بليلى وسيلة للتعريف بالقضية، فأرسلتها لإجراء جولة مكثفة في الشرق الأوسط استمرت 3 أشهر، زارت خلالها دول الخليج العربي والعراق، وكان من نتائج الزيارة أن تلقت الجبهة دعما ماليا كبيرا من العائلة الحاكمة في أبو ظبي.
عقب هذه العملية والثورة الإعلامية التي خلفتها، أصبحت ليلى على قائمة المطلوبين في إسرائيل للقتل أو الاختطاف، وأدركت أن هذه الشهرة ستقيد حريتها في اختيار العمليات وتنفيذها، لكن قيادة الجبهة رأت أن الاهتمام بالإعلام يعود بالنفع على الجبهة والقضية.
عمليات تجميلية لتغيير الوجه
عادت ليلى إلى الأردن عام 1970 لكن بقي حلم القيام بعملية أخرى كبيرة يراودها، فقررت تغيير ملامح وجهها حتى لا تتعرف أجهزة أمن المطار عليها، وبحثت عن جراح تجميلي يجري لها هذه العمليات، فوجدت جراحًا يعمل في بيروت، فذهبت إليه وأخبرته بنيتها تغيير ملامح وجهها بحجة أنها تريد السفر إلى أوروبا للزواج من خطيبها وتخاف أن يقبض الإنتربول (الشرطة الدولية) عليها، لكن الطبيب لم يقتنع بقصتها وبقي خائفا منها بسبب السمعة القتالية التي سبقتها، فوافق على إجراء العمليات بشرط أن توقع ليلى على تعهد يفيد بأن الطبيب قام بالعمليات تحت تهديد السلاح.
احتاجت ليلى عدة عمليات تجميلية متلاحقة لتغيير شكل الأنف والوجنتين والفم، وتم ما طلبته فقد تغيرت ملامحها على نحو يصعب التعرف عليها، وظلت ليلى تعاني صداعا لعدة عقود نتيجة هذه العمليات وتغيير شكل الأنف.
عملية خطف الطائرة الثانية
بدأت ليلى تخطط مع قائد العمليات الخارجية وديع حداد للقيام بمهمة أخرى كبيرة، وكانت تسافر باستمرار للاجتماع به في منزله في بيروت والتخطيط للعمليات، وفي إحدى ليالي شهر مايو/أيار 1970 أثناء اجتماعهما ليلا ضربت 6 صواريخ إسرائيلية المنزل، فأصيبت زوجة وديع وابنه ونجا هو وليلى، وأكملا اجتماعهما في المستشفى بعد الاطمئنان على الجرحى، إذ قررا في ذلك الاجتماع في المستشفى اختطاف 3 طائرات قادمة من تل أبيب إلى نيويورك عبر أوروبا.
كان دور ليلى في العملية سريا ولم يعرفه أحد، حتى الأعضاء المشاركون، إذ ظن الجميع أن دورها تدريب المقاتلات المشاركات فحسب، لكن دورها الحقيقي السري كان المشاركة في خطف طائرة العال الإسرائيلية.
سافرت ليلى إلى أوروبا في بداية سبتمبر/أيلول 1970 استعدادا لإتمام المهمة، وقابلت شريكها بالعملية باتريك أرغويلو، وتوجها إلى المطار يوم 6 سبتمبر/أيلول لتنفيذ عملية خطف طائرة بوينع 707 التابعة لشركة العال الإسرائيلية، وكان من المخطط وجود 4 خاطفين على الطائرة ذاتها، إلا أن الشريكين الآخرين منعا من الصعود إلى الطائرة حين شكّ بهما رجال الأمن، وقيل لهما إن مقاعد الطائرة ممتلئة ولا مكان لهما.
وأثناء الانتظار في قاعدة الترانزيت تعرّف باتريك ملامح ليلى وأشار إلى أنه يعرف هذا الوجه سابقا، ولم يكن باتريك وحده من استطاع معرفة ملامح ليلى فقد تعرّف ملامحها ضابط إسرائيلي كان يجلس في الصفوف الأخيرة خلف ليلى ويحدق بها، مما دفعها للبدء بتنفيذ العملية قبل الوقت المتفق عليه خوفا من أي تصرف يقوم به الضابط إذا ما تأكد من ملامحها، وكانت الطائرة قد غادرت المجال الهولندي حديثا.
ركضت ليلى من المقاعد السياحية حيث تجلس باتجاه غرفة القيادة؛ إلا أنها كانت بعيدة فاستطاع قائد الطائرة إغلاق باب القمرة فلم تستطع الدخول، مما دفعها لإخراج قنبلتين لتستخدمهما بالتهديد، لكن الضابط الإسرائيلي أطلق النار عليها.
تدخل أرغويلو على نحو عاجل ليحمي ليلى فتبادل إطلاق النار مع الضابط الإسرائيلي، وأصابا بعضهما، في تلك الأثناء هاجم رجلان من رجال الأمن وأحد المسافرين ليلى ليأخذوا منها القنابل وضربوها بشدة حتى انكسرت أضلعها وأغمي عليها نتيجة الضرب العنيف، حين بدأت باستعادة وعيها شاهدت الضابط الإسرائيلي يقترب من أرغويلو المصاب والمقيد ويطلق عليه 4 طلقات في ظهره مباشرة مما تسبب في موته.
هبط الطيار في لندن اضطراريا للحفاظ على حياة الضابط المصاب، الذي استلمته قوات أمن إسرائيلية كانت مغادرة على متن طائرة إسرائيلية أخرى، حتى لا يقع أسيرا لدى بريطانيا بتهمة قتل الخاطف. أما ليلى فقد تنازع عليها الأمن البريطاني والأمن الإسرائيلي، ونقلت بسيارة إسعاف للعلاج، فقد كانت غارقة بدمائها من الضرب الذي تعرضت له.
في الوقت ذاته كان شريكا ليلى وباتريك اللذين منعا من الصعود إلى الطائرة قد اختطفا طائرة “بان أم”، وأجبراها على الهبوط في مطار بيروت، وهناك تلقيا تعليمات من قيادة الجبهة بالتوجه إلى القاهرة وتفجير الطائرة، أما الطائرتان الأخريان اللتان كان من المخطط اختطافهما في الوقت ذاته مع طائرة العال فقد تمت عمليتا اختطافهما بنجاح وهبطتا في مطار حربي قديم شمال الأردن يسمى مطار دوسون، كان الثوار يستخدمونه ويطلقون عليه اسم مطار الثورة.
فقد هبطت الطائرة الأولى يوم 7 سبتمبر/أيلول 1970 والثانية يوم 9 سبتمبر/أيلول من السنة ذاتها، ثم لحقت بهما طائرة بريطانية أقلعت من البحرين، اختطفها شاب فلسطيني لا ينتمي للجبهة ولم ينسق معها، وإنما كان رد فعل منه على عملية سجن ليلى للضغط على بريطانيا لإطلاق سراحها.
احتجزت الجبهة الرهائن في المنطقة الصحراوية حيث المطار في ظروف صعبة، ثم أطلق سراح مجموعة منهم ونقلوا إلى أحد الفنادق، فيما نقل بقية الرهائن إلى المخيمات وأماكن متفرقة من العاصمة الأردنية، وتم تفجير الطائرات المختطفة جميعها يوم 12 سبتمبر/أيلول.
في تلك الأثناء نقلت ليلى إلى مركز شرطة إيلنغ في لندن، ورفضت التجاوب مع الشرطة والاستجواب، وطالبت أن تعامل بصفتها مقاتلة وأسيرة حرب، وبقيت على هذه الحال أسبوعا كاملا رافضة الحديث إلى أن قبل أحد الضباط معاملتها أسيرة حرب، فبدأت الحديث معه، إذ أخبرها باختطاف الطائرات الأخرى، واستجابت ليلى للحديث معه.
وقد توطدت علاقتها ببعض الحراس في ذلك السجن إذ كانت تتجاذب معهم أطراف الحديث، وكان يسمح لها بممارسة الرياضة وقراءة الصحف اليومية وببعض الأنشطة، وقد عُرض عليها أن تستخدم حق اللجوء السياسي في بريطانيا لكنها رفضت.
وحازت ليلى في سجنها على اهتمام الصحافة البريطانية، فكانت الصحف تنشر عنها باستمرار وتتحدث عن حياتها في السجن من تصريحات كان يعطيها الضابط المسؤول عنها.
أفرجت القوات البريطانية عن ليلى يوم 30 سبتمبر/أيلول 1970، فطلب منها ارتداء زي شرطة نسائي، والاستلقاء على أرضية العربة حتى لا تتمكن الصحافة من تصويرها، ورافقتها عدد من العربات المصفحة والدراجات النارية.
كانت محطتها الأولى قاعدة نورث هولت، ومن ثم نقلت بطائرة هليكوبتر إلى قاعدة لينهام الجوية الملكية، وهناك حملتها طائرة تابعة لسلاح الجو الملكية إلى ميونخ وزيورخ لنقل السجناء الفلسطينيين الذين تم الإفراج عنهم في صفقة التبادل مع ألمانيا وسويسرا، مقابل الرهائن الألمان والسويسريين، ثم نقلت إلى القاهرة، حيث تم إطلاق سراحها مع بقية الأسرى يوم 1 أكتوبر/تشرين الأول 1970.
العودة إلى بيروت
عادت ليلى لتمارس عملها عضوا في وحدة العمليات الخارجية للجبهة الشعبية، وهي الوحدة التي كان يقودها وديع حداد، وقضت الوقت هناك متنقلة من مكان إلى آخر بسبب تهديدات مسؤولين إسرائيليين باستهدافها في بيروت.
وفي عام 1973 انخرطت ليلى خالد في الحركة النسائية الفلسطينية، وبقيت في عملها بعد اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975، وكانت حينها إحدى ممثلات الجبهة في الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية.
وفي ظروف الحرب الأهلية وما تلاها من أحداث، ودخول القوات السورية لفض الاشتباكات، طلبت الجبهة الشعبية من ممثليها عدم البقاء في منازلهم خوفا من العمليات الانتقامية والاغتيال، وكانت ليلى بطبيعة الحال لا تبقى في منزلها، لكنها حين قدمت صباح أحد الأيام إلى منزلها وجدت أختها وخطيبها مقتولين في الشقة.
وكان لهذه الحادثة أثر سيء على ليلى إذ طلبت التوقف عن العمل، والكشف عن العميل المزدوج الذي قتل أختها، وسافرت في تلك الفترة إلى الخليج ثم عادت لتعيش مع أمها في صور، وحين اجتاحت القوات الإسرائيلية الجنوب اللبناني انتقلت ليلى إلى بيروت وعادت إلى عملها في الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، وحاولت حينها الانضمام للعمل المسلح مجددا ولم يُسمح لها بسبب وضعها النفسي.
وبعد اجتياح لبنان عام 1981 مُنعت ليلى كذلك من العودة للعمل المسلح بسبب حملها، وسُمح لها فقط بمساعدة المهجرين والعناية بالجرحى.
السفر إلى دمشق
بعد انتقال ليلى وزوجها إلى دمشق وإنجاب ابنها الأول كانت مهمتها مع رفيقاتها إعادة بناء هيكل الجبهة في دمشق، وحينها بدأت الجبهة تنشئ حضانات للأمهات ترعى أبناءهن أثناء قيامهن بمهامهن النضالية.
وأصبح دور ليلى سياسيا في تلك الفترة، إذ انتخبت عام 1981 لتكون عضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية، بالإضافة إلى عملها عضوا قياديا في الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية حتى عام 1985، وفي عام 1986 تأسست منظمة المرأة الفلسطينية وانتخبت ليلى سكرتيرة أولى لها، وكان دورها تعبئة النساء ومساعدتهن للدفاع عن حقوقهن وحقوق الشعب الفلسطيني، وقد زادت أعباء عملها بعد اندلاع الانتفاضة الأولى عام 1987.
الانتقال إلى عمان
حين قررت عائلة ليلى الانتقال للسكن في عمان مع بداية التسعينيات كان عليها التخلي عن منصبها في قيادة الجبهة فرع سوريا، مع بقائها عضوا في اللجنة المركزية للحزب، وأصبحت ليلى بعد ذلك عضوا في المجلس الوطني، مما أتاح لها زيارة فلسطين عام 1996 عندما انعقد اجتماع للمجلس في غزة في تلك السنة. وفي عام 2005 انتخبت عضوا في المكتب السياسي للجبهة.
وكانت الجبهة تعارض قيام السلطة الفلسطينية لأنها ترى فيها حل الدولتين الذي ترفضه، كما عارضت ليلى اتفاقيات أوسلو، وكانت باستمرار تدعو باسم الجبهة الفصائل الفلسطينية إلى وضع الخلاف جانبا والوصول إلى حلول مشتركة تصب في صالح الشعب الفلسطيني.
وتصر ليلى على استمرار عملها وترفض التقاعد حتى تعود إلى حيفا. وتعرب في كل المقابلات التي تجريها عن إصرارها على ما فعلته وعدم ندمها على شيء.
أعمال عن ليلى خالد
تناولت كثير من الصحف حياة ليلى وتفاصيلها اليومية، لا سيما في فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين، كما كُتبت عنها عدة كتب عربية وأجنبية، منها:
“ليلى خالد أيقونة التحرر الفلسطيني” وهو كتاب من تأليف سارة إرفنج وترجمة عبلة عوده، وقد صدر في بيروت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2013.
“شعبي سيحيا: مذكرات خاطفة الطائرات؛ كتبها كما روتها له جورج حجار”، وهو كتاب يضم مذكرات ليلى التي روتها للحجار، وقد صدر في بيروت عن دار النهار للنشر عام 1973.
كما كتب عنها زوجها فايز رشيد كتابا بعنوان “ليلى خالد في عيون بعض حرائر وأحرار العالم”، وقد صدر في بيروت عام 2021.
بالإضافة إلى عدد من الأفلام العربية والأجنبية التي تناولت قصتها، ومنها فيلم للمخرجة الفلسطينية لينا مفتول بعنوان “ليلى خالد الخاطفة”.