محمد الزبيدي
كاتب أردني
يتعامل فكر الإخوان المسلمين وأدبياتهم مع العرب، من مسلمين وغير مسلمين، على أنّهم أمّة تابعة لهم، من ممتلكاتهم الخاصة، التي يريدون استردادها من الحكومات والأحزاب، القومية واليسارية والعلمانية العربية. واعتقادهم هذا أفضى إلى استخدامهم العنف أحياناً كثيرة، لتحقيق هدفهم في إقامة دكتاتورية دينية، تحلّ محلّ الدولة العربية الحديثة.
والإخوان المسلمون لا يعترفون، منذ ظهورهم قبل 90 عاماً في مصر، بأيّ تطوّر سياسي، أو أدبي، أو فنّي، أو فكريّ عربي، يولد خارج حظيرة الأصولية الدينية، أو خارج أسوار العقلية السلفية؛ ما أنتج مواجهات وصراعات، كانت عاقبتها تراجع الحياة السياسية والاجتماعية والعلمية والفكرية العربية، وخسارة الأمة العربية فرصاً كثيرة في اللحاق بالأمم المتحضّرة؛ ذلك لأنّ الإخوان المسلمين استخدموا نفوذهم الشعبي، في إجهاض أيّ تقدم نحو الأخذ بما هو ناجح، ومفيد عند الأمم الأخرى.
ومن آثار ظهور الإخوان في العصر العربي الحديث:
الإخوان والعنف السياسي
ادّعاء الإخوان دائماً أنّ العنف ليس وسيلة من وسائلهم في الصعود السياسي، تفنده حقائق تاريخية كثيرة، منها:
اغتيال الإخوان رئيس الوزراء المصري محمود باشا النقراشي، عام 1949، الذي كانوا يختلفون معه سياسياً. ففي موسوعتهم “إخوان ويكي”، أثنى الإخوان وترحّموا على أعضاء “النظام الخاص” للجماعة، الذين نفذّوا عملية اغتيال النقراشي، وطلبوا من الله أن يرحم منفّذ العملية، الإخواني “عبد المجيد أحمد حسن” رحمة واسعة، وهذا إن دلّ على شيء، فإنّه يدلّ على أنّ الإخوان يحلّون لأنفسهم، قتل منافسيهم السياسيين؛ بل ويعطون فتوى شرعية لأتباعهم بالقيام بذلك.
وقد أسّس ذلك لظاهرة العنف السياسي، المصبوغ بصبغة دينية إسلامية، وترك أثراً مدمّراً في الحياة السياسية العربية الهشة، التي كانت تتلمّس طريقها لتلتحق بالأمم المتقدمة سياسياً وحضارياً.
الإخوان والانقلابات والعسكر
يتذمّر الإخوان المسلمون دائماً، ويشتكون من تضييق الحكومات العسكرية العربية عليهم، ويشكّكون بشرعية تلك الحكومات؛ لأنّها جاءت بالانقلابات، ويتناسون أنّهم أوّل من خطّط ودعم العساكر من الضباط الأحرار في مصر، للانقلاب على الملك فاروق في 1952.
فهم من أول من استعان بالجنود للخلاص من السياسيين المعارضين لهم، وعندما انتصروا مع الضباط في ثورتهم، بارك سيد قطب قمع العسكريين للعمال المصريين في مدينة كفر الدوار، في بداية الثورة عام 1952. لكن دائماً يرتدّ عليهم مكرهم هذا، ويذيقهم العسكريون الذين استقووا بهم، صنوف العذاب والتضييق، وقد أصبحت ثورة 23 يوليو المصرية، التي كانت بالأساس مخططاً إخوانياً، نهجاً يتبعه كثير من العسكريين العرب، بعد ذلك، لإقصاء خصومهم السياسيين، ممّا أدّى إلى تحوّل أغلب البلاد العربية إلى حكومات بوليسية، هدفها الأول، والأخير، بقاء الزعيم في منصبه.
وهنا أقول، إنّ ثورة 1952 الإخوانية، مهّدت لظهور الدكتاتوريات العسكرية، في كثير من الدول العربية.
بذرة التكفير والحاكمية
غرس الإخوان المسلمون بذور التكفير، وعقيدة الولاء والبراء، في كثير من أبنائهم، أثناء مكوثهم في السجون المصرية، وعندما خرج هؤلاء الشباب الذي تغذوا على تلك العقائد التكفيرية، أصبحوا من ألدّ الأعداء للدولة العربية الحديثة، ومن أشدّ المقاومين لخطط الحكومات ومشروعاتها، لتطوير قطاعات التعليم والثقافة والفنون والتكنولوجيا، للّحاق بالأمم المتقدمة، علمياً وصناعياً، وبذل الإخوان جهوداً كبيرة، عبر منابر كثيرة، لتنفير العرب من الحضارة العالمية، وكانوا أشدّ المعارضين لتعلّم العرب من الأمم الأخرى، ومثال ذلك: أنّ وزير التربية الأردني من حركة الإخوان في سبعينيات القرن العشرين، الدكتور إسحاق الفرحان، كان قد ألغى مقرَّر الفلسفة من المناهج الأردنية، ومنع تدريس الموسيقى للناشئة، ممّا ساهم في انحطاط ملكات التفكير والإبداع لأجيال لاحقة.
اختراع الإعجاز العلمي
خرج الإخوان المسلمون من السجون، في بداية عقد السبعينيات من القرن العشرين، ليجدوا الأجيال العربية الجديدة تفكّر، وتحلّل الظواهر، وتنتقد بعقليات علمية وفلسفية، ما دفعهم إلى البحث عن طريقة تجذب الشباب العربي إلى حركتهم، أو إلى التديّن الساذج الذي يدور في فلكهم، وهنا تمّ ابتكار مصطلح “الإعجاز العلمي بالقرآن والسنة”.
الإخوانيّان؛ زغلول النجار، وعبد المجيد الزنداني، كان لهما دور كبير في ترسيخ تفسيرات الإعجاز العلمي، في عقول أجيال عريضة من العرب، مما ولَّد شعوراً كاذباً، وغير صادق، في أنّ أيّ شيء يكتشفه علماء الغرب والشرق، مذكور في القرآن الكريم والسنة النبوية، وهذا الزعم غير صحيح، والغاية منه ترك حالة من الزهو والخيلاء في نفس الإنسان العربي البسيط، وبأنّنا لسنا في حاجة إلى دراسة العلوم والفيزياء والكيمياء والهندسة، لأنّنا نمتلكها كلّها منذ أربعة عشر قرناً، وهدف الإخوان من ذلك، إعادة الناس إلى حظيرتهم، حتى لو كان بترويج الوهم والخرافات.
اختراع شعار “الإسلام هو الحل”
شعار “الإسلام هو الحل”، اختراع مسجّل باسم الإخوان المسلمين، وهذا الشعار يقول لجميع المرشحين والناخبين، والسياسيين من المسلمين العرب المنافسين للإخوان، أنّ درجة ومستوى الإسلام في جينات الإخوان، أعلى وأنقى من جيناتكم، وأنّكم لستم مسلمين بحقّ، وأنّنا ندعوكم للدخول في حلقة الإسلام الإخواني، وتنقية أنفسكم من الجاهلية والكفر الذي أنتم عليه.
وهذا الشعار يعني أنّك تستخدم إيمان الناس وتقواهم وعقيدتهم، كلعبة سياسية، تستعملها لهزيمة أيّ مرشح، قومي أو يساري، أو مرشح قوائم مدنية علمانية، وكان لهذا الشعار الإخواني أثر كبير في إحجام الحكومات والقوى الحزبية العربية، عن إجراء انتخابات وطنية حرّة؛ لأنّ استخدام الإخوان إيمان الناس وعقيدتهم سلاحاً في المعركة الانتخابية، كان دائماً ينتهي بوضع الكرة في ملعبهم؛ لأنّ البسطاء من عامة الناس كانوا يعتقدون بأنّهم إذا لم يصوتوا لمرشّح “الإسلام هو الحل”، فقد خانوا الأمانة الدينية، وحادوا عن طريق الإسلام، وكان لهذه الخديعة أثر فعّال في تعاطف الناس مع الإخوان المسلمين.
لكنّ معظم السياسيين العرب لم يقبلوا بذلك الغشّ السياسي، ما أدّى إلى إلقاء الإخوان المسلمين في السجون، أو تشريدهم في الأرض.
قيود الإخوان كبّلت الأمة العربية
تسبّب ظهور حركة الإخوان المسلمين، ونشاطاتهم الاجتماعية والسياسية، خلال 90 عاماً مضت من عمر العرب، بانكفاء الأمّة على ذاتها، وانطوائها، وتقوقعها على تراث الماضي البعيد، طلباً لحلول لا تناسب عصر “النانوتكنولوجي”، والجينوم، والذكاء الاصطناعي، والثورة الهائلة في حقوق الإنسان.
فقد تمسّك الإخوان بتلابيب الأمة العربية، ومنعها من التقدم والتطور، في حين انفتحت كلّ الأمم على بعضها، طلباً للتفاهم والتواصل والثراء الحضاري والاقتصادي، وانطلقت في الفتوحات البحثية والعلمية والتكنولوجية، لرفع مستوى شعوبها، وتأمينها بأعلى مستويات الصحة، والسلامة، والأمان، ورفاهية العيش. في وقت بقيت فيه أمة العرب تراوح مكانها؛ بل وتتراجع متقهقرة في الآونة الأخيرة، بسبب السلاسل الثقال التي قيّدها الإخوان المسلمون بها من جهة، والاستبداد من جهة أخرى.
نقلاً عن حفريات