كريتر نت – متابعات
لم يكتفِ الحوثيون بحربهم العسكرية المدمرة على اليمنيين، ولكنهم شنوا حربا اقتصادية خلال 2023 على موانئ وموارد الحكومة اليمنية؛ بهدف الانقضاض عليها.
حرب مليشيات الحوثي الاقتصادية كانت مدروسة بعناية لإلحاق أكبر الأثر بالحكومة اليمنية ومواطنيها، خاصة بعد أن عزلت تهديدات وقصف المليشيات أهم موانئ وحرمت البلاد من موارده، حيث بات ميناء عدن المتضرر الأكبر والضحية الأساسية من وراء قيام مليشيات الحوثي بإجراءات وممارسات انعكست على الميناء الحكومي الهام.
الضرر الاقتصادي الذي اقترفه الحوثيون بالحكومة اليمنية خلال 2023 أكدته الحكومة اليمنية عبر تقرير اقتصادي موسع، صادر قبل أيام، أشارت فيه إلى أن التصعيد العسكري للميليشيا الحوثية منذ أواخر العام 2022 “باستهدافها الموانئ النفطية وحربها الاقتصادية على الواردات من المناطق المحررة، خلف ركودا في صادرات النفط وانخفاض العائدات الجمركية بسبب تراجع حركة الملاحة الدولية في ميناء عدن لصالح ميناء الحديدة.
الأمر الذي تسبب في تدهور متسارع للأوضاع الاقتصادية وفرض مزيدا من التحديات على الحكومة الشرعية التي حاولت تجاوزها بتقليل أوجه الإنفاق، وفرضت تحديات أكبر على الحكومة اليمنية بشأن استمرار وتعزيز الخدمات العامة الأساسية.
•• تصاعد الأزمة
ومع حلول العام 2023، تصاعدت حدة الحرب الاقتصادية الحوثية على الحكومة الشرعية، مستفيدة من تخفيف القيود على ميناء الحديدة في إطار الجهود الدولية لإحلال السلام.
وبالتالي تفاقمت الصعوبات المالية للحكومة المعترف بها والتي باتت عاجزة عن الإيفاء بأبسط التزاماتها المتمثلة في دفع مرتبات موظفي القطاع العام، قبل أن تتدخل المملكة العربية السعودية وتقدم لها دعماً ماليا بـ 1.2 مليار دولار لتغطية عجز الموازنة ودفع مرتبات الموظفين، حسب ما ذكره التقرير الاقتصادي الموسع.
ففي شهر فبراير/شباط 2023 تعرض القطاع الاقتصادي في اليمن لأوجه مختلفة من الابتزاز الحوثي والنهب والممارسات غير القانونية، فإلى جانب الازدواج الجمركي، رفعت مليشيا الحوثي سعر الدولار الجمركي في منافذها الجمركية من 500 ريال بالطبعة القديمة إلى 750 ريالا.
وسعت مليشيا الحوثي حينها إلى إلزام التجار الاستيراد عبر ميناء الحديدة، ومنع البضائع المستوردة عبر الموانئ الخاضعة لسيطرة الشرعية، وهي إجراءات عززت الانقسام المالي، وضاعفت معاناة المواطن المتضرر من ارتفاع الأسعار الذي لا يحصل على أدنى حقوقه وخدماته التي تنهبها المليشيات.
خبراء اقتصاديون يمنيون أشاروا إلى أن مليشيات الحوثي دائما ما تضاعف الرسوم الجمركية في مراكزها المستحدثة بشكل متكرر على البضائع القادمة من ميناء عدن، وكافة الإجراءات تأتي بقرارات حوثية غير معلنة.
وقال الخبراء: “عقب قيام الحكومة اليمنية بتحريك الدولار الجمركي في الموانئ، التي تسيطر عليها، اتخذت مليشيات الحوثي خطوة مماثلة، وهي تحريك السعر الجمركي، ورفع الرسوم الجمركية بأرقام مضاعفة على البضائع القادمة من ميناء عدن، لكنها كانت بقرارات غير معلنة”.
ورفعت لمليشيات الأعباء الجمركية والرسوم غير القانونية بشكل متزايد، لكنه بشكل سري، دون أن يكون هناك أية قرارات معلنة من هذا النوع، وهناك عشرات الشاحنات إن لم يكن المئات في المراكز الجمركية المستحدثة لمليشيات الحوثي، وهي أكثر من 8 مراكز، ما يضطر التجار إلى صرف النظر عن استيراد بضائعهم عبر ميناء عدن، أو في المنافذ التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية.
الخبراء الاقتصاديون أكدوا أن “هذه الرسوم الجمركية وغير القانونية تزيد الأعباء على المستهلك، وتفاقم من مشكلة الأمن الغذائي، وتدهور الوضع المعيشي لليمنيين”.
وأوضحوا أن “أكثر من 50% من نسبة ارتفاع أسعار السلع في الوقت الحالي تعود إلى هذه الجبايات، وما تفرضه المليشيات من رسوم متعددة غير قانونية، وجبايات على كافة السلع التي تصل إلى مناطق سيطرتها”.
أما في شهر يونيو/حزيران، طالبت اليمن المجتمع الدولي بإلزام الانقلابيين الحوثيين برفع القيود التي فرضوها على وصول السلع الأساسية بين المحافظات المحررة وتلك الواقعة تحت سيطرتهم، وذلك بعد احتجازهم شاحنات نقل البضائع في منطقة الراهدة (وسط اليمن).
دعوات الحكومة جاءت على لسان وزير الإعلام معمر الإرياني، الذي طالب الأمم المتحدة والمبعوثين الأممي والأمريكي إلى ممارسة ضغوط حقيقية على الانقلابيين الحوثيين لرفع كافة القيود على تدفق السلع وحركة البضائع بين المحافظات.
كما طالب بإدانة هذه الممارسات التي تنذر بتداعيات اقتصادية كارثية على القطاع الخاص، وتفاقم المعاناة الإنسانية في البلاد.
وذكر الإرياني أن الانقلابيين الحوثيين يحتجزون مئات الشاحنات القادمة من ميناء عدن محملة بالدقيق، في منفذ الراهدة، ومنعوها من العبور إلى المناطق الخاضعة لسيطرتهم، في محاولة لحصر الاستيراد عبر ميناء الحديدة؛ مما تسبب بخسائر فادحة للتجار، وارتفاع أسعار هذه السلعة الأساسية في الأسواق المحلية في مناطق سيطرتهم.
واتهم الوزير اليمني الانقلابيين الحوثيين بالسعي إلى تحقيق مكاسب مادية من خلال هذه الإجراءات، وفرض مزيد من القيود على التجار، واحتكار استيراد السلع الأساسية عبر شركات استيراد وتجار تابعين لها، والاستمرار في سياسة التجويع والإفقار التي تنتهجها بحق المواطنين في المناطق الخاضعة لسيطرتها، وتأكيد مسؤوليتها عن تردي الأوضاع الإنسانية.
مصادر تجارية في العاصمة صنعاء أفادت بأن المليشيات الحوثية تسعى إلى إجبار مجموعة شركات هائل سعيد التجارية، وهي أكبر مجموعة تجارية يمنية؛ على إيقاف عمليات طحن الحبوب في عدن والمحافظات المحررة، وتحويل عمليات الطحن إلى مطاحن في مدينة الحديدة تحت سيطرة المليشيات.
ووفق المصادر، فإن المليشيات حددت أسعار الدقيق عبر مكاتب القطاع التجاري، الذي تسيطر عليه، وأبلغت بها الشركات التجارية، وعلى رأسها مجموعة هائل سعيد، غير أن هذه الشركات ردت بأن ما تطلبه المليشيات مجحف ويتسبب لها بخسائر كبيرة، خصوصاً مع تكلفة النقل عبر البحر إلى ميناء الحديدة، وأن الأسعار المحددة ستعود عليها بالخسائر.
إلا أن المليشيات أصرت على موقفها، وضاعفت من الجبايات التي تفرضها على الشركات التجارية التي تنقل بضائعها من ميناء عدن برا، ووعدت الشركات والتجار الذين يستوردون عبر ميناء الحديدة بتخفيض الجبايات المفروضة عليهم.
وخلال تلك الفترة احتجزت ميليشيات الحوثي أكثر من 300 شاحنة القمح القادمة من ميناء العاصمة المؤقتة عدن في منطقة الراهدة (224 كلم جنوب العاصمة صنعاء)، حيث استحدث الحوثيين منفذا جمركيا غير قانوني للحصول على جبايات من التجار والشركات على البضائع والسلع التي تعبر البلدة قادمة من المناطق والمحافظات المحررة.
ومن شأن هذه الإجراءات أن تؤدي إلى نقص المعروض من الدقيق والقمح في المناطق الخاضعة لسيطرة المليشيات، وبالتالي ارتفاع أسعاره، نظرا لاحتجاز هذه الكميات الكبيرة في منفذ الراهدة، واحتمالية تعرضها للتلف وارتفاع أجور نقلها بسبب زيادة المصاريف الشخصية للسائقين مع مكوثهم في المنفذ لوقت طويل.
•• استهداف ميناء عدن
لم تتوقف ممارسات المليشيات الاقتصادية المضرة بالاقتصاد اليمني، ففي شهر أغسطس/آب اتخذت مليشيات الحوثي إجراء جديدا مستهدفة من خلاله نشاط الاستيراد عبر ميناء عدن.
وقالت مصادر محلية إن مليشيات الحوثي رفعت جمارك البضائع القادمة من ميناء عدن إلى المناطق الخاضعة لسيطرتها بنسبة 100%.
وذكرت المصادر أن الحوثيين ضاعفوا الجمارك بالإضافة إلى الجبايات بشكل كبير وغير مسبوق ضد الشاحنات القادمة من ميناء عدن، فيما رفضوا السماح للعديد من الشاحنات المحملة بالبضائع إلا بمضاعفة الجمارك عكس ما كانت عليه سابقًا.
وبينت المصادر أن الحوثيين اشترطوا على التجار وسائقي الشاحنات التجارية دفع الجمارك المضاعفة أو العودة والدخول عبر ميناء الحديدة الخاضع لسيطرتهم، وبحسب مراقبين فإن مليشيات الحوثي تسعى من خلال رفع الجمارك واستمرار الجبايات ضد الشاحنات القادمة من ميناء عدن دفع التجار نحو التحول إلى ميناء الحديدة التابع لهم.
ويرى مراقبون أن هذه الإجراءات الحوثية شكلت خطرًا كبيرًا على نشاط الاستيراد في ميناء عدن الذي بات يشهد تراجعًا كبيرًا وقد أظهرت الأسابيع الماضية أنه بات خاليا بالفعل من السفن.
وبحسب آخر تقرير لخبراء الأمم المتحدة المعني باليمن فقد أدى “تحويل الواردات من عدن إلى الحديدة إلى خسارة فادحة في الإيرادات قدرها 637,36 مليار ريال يمني لحكومة اليمن خلال الفترة من نيسان/أبريل 2022 إلى حزيران/يونيو 2023 مع تحقيق الحوثيين لمكسب كبير”.
وفي قطاع النفط تخسر اليمن نحو 1,2 مليار دولار من الإيرادات كل عام، ومع تكلفة اصلاح واستبدال المرافق في ميناء الضبي النفطي الذي قصفه الحوثيون سترتفع خسارة الحكومة اليمنية إلى حوالي ملياري دولار أمريكي، وفقا للتقرير.