علي حمادة
يكشف الصدام الأميركي – الإسرائيلي الذي انفجر بعد ملاحظات الرئيس الأميركي جو بايدن الأخيرة عن هوة سحيقة بين الطرفين، لا سيما بعدما اتهم بايدن الحكومة الإسرائيلية الحالية بالتشدد (التطرف)، معتبراً أن إسرائيل تفقد يوماً بعد يوم الدعم الدولي بسبب القصف العشوائي الذي تقوم به في غزة، داعياً إلى تغيير الحكومة الإسرائيلية الحالية.
هذه الهوة لا تقلل من قوة التقاطع حول هدف تقويض حكم حركة حماس في قطاع غزة. فهما متفقان على تحقيق هذا الهدف. الخلاف يقع حول نقطتين: الأولى، استهداف إسرائيل المدنيين في غزة منهجياً بهدف التغيير الديموغرافي.
والثانية رفض حكومة بنيامين نتنياهو صراحة حل الدولتين، واتفاقات أوسلو، إحياء السلطة الوطنية الفلسطينية لكي تشكل رافعة الحل العربي والدولي بعد الحرب.
من الصعب تصور حصول تقاطع بين الإدارة الأميركية الحالية وحكومة نتنياهو في ما يتعلق باليوم التالي، وخصوصاً أن اليوم التالي الذي نتحدث عنه يقوم أساساً على الحل السياسي. وحكومة نتنياهو لا تريد حلاً سياسياً، بل تريد كسباً ريثما يتم تغيير الواقع على الأرض في الضفة الغربية، والآن في قطاع غزة المنكوب.
بعد انتهاء الحرب الشاملة في غزة بحلول منتصف شهر كانون الثاني (يناير) يمكن أن تحصل أمور عدة، يمكن أن يخرج بنيامين نتنياهو من الحكم.
ويمكن أن يقاوم مع التوليفة اليمينية المتطرفة التي يترأسها، وأن يحدد موعداً لانتخابات تشريعية مبكرة في نهاية الربيع أو نهاية الصيف المقبل. في الأثناء، ستغرق أميركا في حمى الحملات الانتخابية، وفي تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل قد يعود دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ما سيشكل تحولاً دراماتيكياً على مستوى الإدارة الأميركية لأربع سنوات مقبلة. تطورات كثيرة قد تحدث في الأشهر المقبلة.
وإذا ما أضفنا إلى العوامل التي أشرنا إليها آنفاً، عنصر الخلاف الفلسطيني الداخلي، وغياب التصور العربي المشترك لتوحيد الصف الفلسطيني لقطع الطريق على الاختراق الإيراني الكبير، فسنجد أنفسنا بعد سنة من الآن في المربع الأول بعد الحرب.
بمعنى أنه لن تكون هناك مسارات سياسية جديدة وخلاقة. ولن تكون هناك تسوية.
ولن تكون هناك بارقة أمل في حياة المواطن الفلسطيني المنكوب في غزة والضفة الغربية.
في ما يتعلق بالخلاف الفلسطيني الداخلي، ثمة جديد يمكن استخلاصه من مواقف أخيرة لعدد من قيادات حركة حماس في الخارج كرئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية وعضو المكتب السياسي موسى أبو مرزوق. الأول يقول في تصريح له مؤخراً، إن حركة حماس منفتحة على أي مبادرات لترتيب البيت الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة. والثاني يعلن أن حماس تسعى لأن تكون جزءاً من منظمة التحرير الفلسطينية تحترم التزاماتها.
طبعاً لا يمكن البناء على هذه المواقف في خضم الحرب الدائرة اليوم. فقد تكون مجرد مناورة ينفذه الجناح السياسي لحماس لإرسال إشارات إلى الأميركيين والاعتدال العربي للقول إن حماس قررت أن تغير سلوكها في مرحلة ما بعد الحرب.
وبالتالي يمكن البناء على الإشارات للتعجيل في وقف الحرب، وسحب هدف إخراج حماس من غزة من التداول.
من هنا من الصعب ومن المبكر إدراج مواقف هنية وأبو مرزوق ضمن سياق تغيير جوهري في مواقف حركة حماس من منظمة التحرير الفلسطينية، أو من حل الدولتين. لذلك يجب انتظار كلام من القائد الفعلي لحماس في غزة يحيى السنوار ومجموعته بهذا الخصوص.
مع ذلك ليست المواقف التي بدأنا نسمعها من قيادات في حماس بالأمر البسيط. إنها تعكس في مكان ما نقاشاً داخلياً محموماً في مرحلة الخطر الشديد الذي يحدق بقطاع غزة وحركة حماس.
نقلاً عن “النهار” العربي