القدس المحتلة – محمد وتد، أحمد حافظ
بعد دخول العدوان على غزة شهره الثالث، تشتكي قوات الاحتياط بالجيش الإسرائيلي من نقص المعدات، مع نقص الملابس والأحذية ووجبات الطعام الذي كان واضحاً منذ اليوم الأول لإعلان حالة الطوارئ والحرب مع بدء معركة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ومنذ بدء العدوان على غزة، تم استدعاء 360 ألف جندي من قوات الاحتياط، حيث امتثل أكثر من 300 ألف منهم للخدمة وهم يشكلون نحو 8% من إجمالي العاملين بالاقتصاد وسوق العمل الذي يضم حوالي 4 ملايين عامل ومستخدم، وفقاً للبيانات الصادرة عن مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي.
وفي مؤشر يعكس عدم جاهزية الجيش لتزويد قوات الاحتياط بالمعدات والمستلزمات الأساسية للمقاتلين، أُطلقت مبادرات لجمعيات يهودية عالمية وحركات إسرائيلية محلية من أجل التبرع لشراء المستلزمات والمعدات للجنود، واعتبرت هذه الحملات في البداية مبادرات للوحدة والتلاحم بين الإسرائيليين.
لكن هذه الحملات كشفت عن حجم النقص بالمستلزمات الأساسية لقوات الاحتياط، وهو الواقع الذي ما تزال تعانيه وتواجهه هذه القوات من مختلف الوحدات بعد مرور 74 يوماً على الحرب.
وأظهرت إفادات لجنود احتياط -وثقتها وسائل إعلام إسرائيلية- النقص المتواصل بالمعدات ووجبات الطعام وأماكن النوم، والاكتظاظ بالغرف المعدة لهم.
ظروف مزرية
كشف التلفزيون الإسرائيلي الرسمي “كان-11” النقاب عن الظروف المعيشية لقوات الاحتياط، والنقص في المستلزمات والمعدات اللازمة في حياتهم اليومية.
ووفقا للشهادات التي وثقها مراسل التلفزيون الإسرائيلي حين بيار، من جنود في الاحتياط يخدمون بموقع على الجبهة الشمالية مع لبنان، يقول المراسل “تكشّفت صورة مثيرة للقلق عن الظروف المعيشية السيئة التي يعيشها جنود الاحتياط على الجبهة الشمالية” ويضيف “نتحدث عن أمور لم نكن نتوقع سماعها هذه الفترة من الحرب”.
ويقول المراسل الإسرائيلي “بدلا من التخفيف على قوات الاحتياط وجد الجنود أنفسهم يعيشون في ظروف صعبة ومزرية، خصوصاً في كل ما يتعلق بأمورهم واحتياجاتهم الأساسية”.
ونقل عن بعضهم قولهم إن “الوضع لا يطاق، يتم الزج بالمئات من جنود الاحتياط في مكان يتسع بالكاد إلى ربع العدد، وبسبب هذه الظروف المزرية للمكان، هذا الأسبوع وصل الأمر إلى نزاع بين ضابطين، وكانا على وشك العراك بالأيادي”.
وعزا الجنود الشجار بين الضابطين إلى أن كلا منهما أراد أن يهتم بتدبير أمور الجنود الذين ينضوون تحت أمرته، وبمكان معقول للنوم، قائلين “هناك بعض الجنود ينامون بالمركبات، بعضهم قام باستئجار غرف في مجمعات سياسية مجاورة، ويسافرون بمركباتهم ذهاباً وإياباً إلى مكان خدمة الاحتياط”.
وفيما يتعلق بمكان تناول جنود الاحتياط لوجبات الطعام، يُستدل من الشهادات أن “هناك قاطرة صغيرة لتناول الطعام، هي بمثابة غرفة الطعام، لذا يتناول الجنود طعامهم وأكلهم بالتناوب، فلكل جندي وقت مخصص بين 5 و7 دقائق، ولذا يسارعون لإنهاء الطعام، بغية أن يتناول الجميع طعامهم خلال الوقت المخصص لذلك”.
مساعدات المتبرعين
عندما تم تجنيد الإسرائيلي عيران بالاحتياط، في وحدة قتالية على الجبهة الشمالية مع لبنان، لم يتوقع أن إحدى العقبات التي ستواجهه ستكون من داخل الجيش. ويقول في إفادته لصحيفة “غلوبس” إن “الشعور هو أننا نشن حرباً ضد حزب الله، وضد حالة الطقس، وضد الجيش بسبب نقص المعدات والمستلزمات”.
ويضيف عيران “إن مشاكل نقص المعدات والخدمات اللوجستية تؤثر على القدرة على القتال.. والمشاكل التي يواجهها جنود الاحتياط تتراوح بين الصيانة والصرف الصحي ونقص معدات الحماية ووسائل القتال”.
وعن محاولات تدبير احتياجاتهم، يقول عيران “في سرية مكونة من 100 إلى 120 جنديا، إذا كان لديك 50 إلى 60 بدلة واقية من البرد فأنت في حالة جيدة، الأمر الأكثر إيلاما الآن هو معدات الشتاء، إذا لم تأت بالمعدات من البيت فمن المحتمل أنك لن تحصل على أي شيء من الجيش”.
وأضاف “هناك نقص في معدات الرؤية الليلية، وفي الأسابيع الثلاثة الأولى لم تكن هناك بطاريات، ثم أصبحت الوسائل المتاحة غير صالحة للاستعمال، نطلب من المانحين والمتبرعين أي معدات عسكرية لديهم..”.
محاولات سد النقص
يقول مراسل صحيفة “غلوبس” أساف زغريزاك إن “الأوضاع التي يصفها عيران تُسمع بشكل متكرر في العديد من المحادثات مع جنود الاحتياط، ويحاول المتطوعون سد النقص بالخيام والمواقد وأكياس النوم والملابس الداخلية والبدلات الواقية من البرد، والزي العسكري الرسمي والخوذات التكتيكية والمعدات المنقذة للحياة. الجيش الإسرائيلي لا يوفر ولا يعطي كل هذه الأشياء للجنود”.
كما أن “نقص العتاد، والفجوة بين توقعات الجنود وما وجدوه لدى الجيش، ليست قضية جديدة، فالأمر رافق العمليات والحروب في العقود الأخيرة، وكان من أبرز مظاهرها في حرب لبنان الثانية عام 2006” حسب قول زغريزاك الذي لفت إلى أنه تم تناول الموضوع أيضا في تقرير لجنة “فينوغراد” لتقصي الحقائق التي كشفت عن النقص الشديد، وإقدام الجنود على شراء معدات ومستلزمات على حسابهم الخاص.
وأوضح المراسل أن النقص بالمعدات ظهر مرة أخرى خلال العلمية العسكرية على غزة عام 2014، ضمن تقرير مراقب الدولة، الذي تضمن أيضاً إشارة إلى مسألة الثغرات الكبيرة في نظام الصيانة بأقسام قوات الاحتياط.
وكشف المراقب النقاب أيضاً عن انخفاض عدد الموظفين النظاميين بالجيش لمتابعة مدى استعدادات الاحتياط، إضافة إلى ثغرات في الكفاءة المهنية بالإشراف على هذه القوات، وهو ما يحول دون جاهزيتها في حالة الطوارئ والحرب.
ويضيف زغريزاك “في نهاية القتال، سيكون من الضروري إعادة النظر في مدى جاهزية قوات الاحتياط، في ظل الظروف الأمنية الجديدة، ووضع مخازن الطوارئ للاحتياط كأولوية، لتجنب أي نقص حتى بالمستلزمات الأساسية للجنود، لتحفيزهم على مواصلة القتال والحفاظ على حياتهم في ميدان المعركة”.
تخبط مستمر
ولا يقتصر الأمر على النقص في المعدات العسكرية والمستلزمات اليومية، إذ يرى الخبير العسكري بمركز “راسام” للدراسات الإستراتيجية حاتم الفلاحي أن الجيش الإسرائيلي يعاني من مشاكل كثيرة، سواء على مستوى القيادات العسكرية في التخطيط أو على المستوى الإستراتيجي، أو على المستويين العملياتي والتكتيكي.
وبالتالي -يقول الفلاحي- فإن هذا الأمر انعكس على أداء الجيش في ساحة القتال “لذلك نرى أن هناك تخبطاً كبيراً جداً، وهناك ارتفاع في الخسائر”.
وأضاف في تصريح للجزيرة نت “عندما نتكلم عن الخطط التي وضعت من قبل الجيش الصهيوني للهجوم على قطاع غزة، سنجد أنها كانت متسرعة جداً ولم تأخذ الوقت الكافي في مسألة وضع الخطط والإعداد والتهيئة والتحضيرات”.
وذكر الخبير العسكري أن “القيادة الجنوبية التي كانت مسؤولة عن قطاع غزة تم تدميرها في 7 أكتوبر/تشرين الأول، من قبل قيادة القسام وفصائل المقاومة الأخرى، وهذا أدى لجلب قطاعات جديدة إلى المنطقة، ليست لديها معرفة بالأرض ولا تملك معلومات استخباراتية كاملة يمكن أن تستخدمها في الهجوم على قطاع غزة، يضاف إلى ذلك الرغبة في الانتقام من غزة، عبر استخدام القصف والتدمير، وكان هذا واضحاً”.
ويوضح الفلاحي بقوله “إن العمليات العسكرية تُبنى على تحليل تقدير موقف الاستخبارات وتقدير الموقف التعبوي، فعندما تكون لديك معلومات غير كافية عن الأرض والمعلومات الاستخباراتية، فإن ذلك ينعكس على القدرات العسكرية”.
وعن معرفة القوات الإسرائيلية بالقدرات الدفاعية والإمكانيات التي تمتلكها فصائل المقاومة داخل قطاع غزة، يقول الفلاحي “من الواضح أن هناك عدم دراية، وهذا انعكس بشكل كبير على وضع الخطة التعبوية للجيش بالقتال، رغم الدعم الأميركي المفتوح والجسر الجوي و10 آلاف طن من الأسلحة، بالإضافة لدعم بريطاني وفرنسي وألماني، إلا أن الجيش الإسرائيلي فشل في تحقيق شيء”.
ويقول الخبير العسكري “يمكن أن نقول إن هناك توغلاً ولكن ليست هناك سيطرة، وهناك إمكانية لفصائل المقاومة على إطالة أمد الصراع، لذلك توجه جيش الاحتلال إلى الهجوم على خان يونس”.
ويضيف “هناك جزء رئيسي آخر أصبح بالجنوب، وهذا يعني تجزئة القوى المقاتلة، من أجل ما تم أخذه من القطاعات (الوحدات) باتجاه شمال غزة ثم انتقل إلى الجنوب، وهذا يعني أنه ذهب بقطاعات قد تكون أقل قدرة أو كفاءة من شمال القطاع، الأمر الذي أدى لزيادة أعداد خسائر الجيش الإسرائيلي على عدة مستويات”.
المصدر : الجزيرة نت