كريتر نت – متابعات
تتّجه المملكة العربية السعودية نحو إحياء تجربة زراعة القمح محليا والتي كانت قد بدأتها في سنوات سابقة وحققت من خلالها نتائج جيدة من حيث الكم والنوعية، لكنّها تخّلت عنها تحت ضغط شحّ المياه وحفاظا على مخزونات المياه الجوفية التي تعتبر خزينا إستراتيجيا، من التناقص السريع بفعل الاستخدام المفرط في الزراعة. ووافق مجلس الوزراء الذي عقد جلسته الثلاثاء برئاسة الملك سلمان بن عبدالعزيز على السماح للشركات بزراعة القمح والأعلاف الموسمية.
وتتوفّر السعودية على أراض واسعة صالحة لزراعة الحبوب، كما تمتلك الأموال اللاّزمة لإنشاء قطاع زراعي متطوّر يستخدم أحدث التقنيات، لكن مناخها الحار والجاف في أغلب فترات السنة لا يسمح بالزراعة المعتمدة على التساقطات المطرية على غرار بلدان أخرى في المنطقة العربية، الأمر الذي يحتّم الاعتماد على ري المزروعات وهو ما لا تسمح به المخزونات المائية المتوفّرة.
وتقف وراء القرار السعودي بإحياء تجربة زراعة القمح التعقيدات التي طرأت على السوق العالمية لهذه السلعة الإستراتيجية، ليس فقط لجهة غلاء الأسعار، ولكن أيضا بسبب شحّ المعروض والتسابق العالمي على شراء الكميات المتوفّرة، وذلك كنتيجة جانبية للحرب بين روسيا وأكرانيا اللتين تحتلان المراتب الأولى عالميا في إنتاج الحبوب وتصديرها.
وكانت المملكة قد اتّجهت، في وقت سابق في إطار تنويع مصادرها من القمح والحصول على خيارات متعدّدة في مجال الأسعار، نحو التقليص من الاعتماد على دول الاتحاد الأوروبي الذي كان يزوّدها بما معدله ثلاثة ملايين طن منه سنويا، في مقابل زيادة مشترياتها من روسيا وأوكرانيا والبرازيل بأسعار تنافسية للقمح.
◙ السعودية تتوفّر على أراض واسعة صالحة لزراعة الحبوب، كما تمتلك الأموال اللازمة لإنشاء قطاع زراعي متطوّر يستخدم أحدث التقنيات
وتعتبر المملكة التي يبلغ عدد سكانها حوالي سبعة وثلاثين مليون نسمة ويدخل أراضيها كل عام بضعة ملايين من الزوار لأداء مناسك الحجّ والعمرة من كبار مستوردي القمح في العالم العربي حيث تظهر إحصائيات ارتفاع مشترياتها منه بأربعة أضعاف بين سنتي 2020 و2021. وأعلنت الهيئة العامة للأمن الغذائي في السعودية الاثنين أن المملكة اشترت مليونا و353 ألف طن من القمح في مناقصة. وأوضحت أنه من المتوقع أن تصل شحنات القمح إلى المملكة بين فبراير ومايو 2024.
وقال أحمد الفارس محافظ الهيئة في بيان إنه تم تقديم خيارات المصدر في المناقصة وتشمل الاتحاد الأوروبي ومنطقة البحر الأسود وأميركا الشمالية وأميركا الجنوبية وأستراليا، وللبائع حرية اختيار المصدر المفضل. وقال تجار أوروبيون إنهم يتوقعون أن يشكل القمح الروسي جزءا كبيرا من عملية الشراء. وأوضح أحد التجار الأوروبيين أنّه “يمكن توريد القمح الروسي بسهولة بالسعر الذي دفعته السعودية. لكن بما أن عملية الشراء يُسمح فيها باختيار المصدر، فلن نتأكد حتى يتم تحميل السفن”.
واشترت السعودية 624 ألف طن من القمح في آخر مناقصة أُعلنت في يونيو الماضي ويعتقد التجار أن المملكة تستورد القمح من استثماراتها الزراعية في الخارج. وفي خطوة معبّرة عن رغبة السعودية في تحقيق أمنها الغذائي بمعزل عن الطوارئ والمتغيّرات الدولية قامت قبل نحو سنة بتغيير اسم الهيئة من المؤسسة العامة للحبوب إلى الهيئة العامة للأمن الغذائي. وستعمل السعودية في إطار قرارها الجديد على التوفيق بين قضية المياه ومقتضيات ضمان الأمن الغذائي.
وقال وزير الإعلام سلمان بن يوسف الدوسري في بيان أوردته وكالة الأنباء السعودية عقب جلسة مجلس الوزراء إنّ المجلس “أصدر عددا من القرارات خلال اجتماعه الأسبوعي، أبرزها السماح للشركات الزراعية المحلية وكبار المزارعين بزراعة القمح والأعلاف الموسمية وفق ضوابط تضعها وزارة البيئة والمياه والزراعة”. ويُعدّ قرار مجلس الوزراء استجابة لمطالبة خبراء سعوديين منذ سنوات بالعدول عن التخلّي عن زراعة القمح.
ويعتبر أعضاء في اللجنة الزراعية الوطنية بمجلس الغرب السعودية أن “قرار إعادة زراعة القمح هو بمثابة عودة عن قرار خاطئ”، مشيرين إلى أن “المح سلعة إستراتيجية مهمة ترفد الاقتصاد بقيمة مضافة”. ويؤكّدون أن وقف زراعة القمح الذي اتّخذ سابقا بداعي الحفاظ على المخزون المائي “مثّل ضربة قاصمة للقطاع الزراعي ومازالت تداعیاته الاقتصادیة ماثلة عبر الإرباك الذي أصاب صناعة الحبوب بالمملكة بعد أن كانت السعودية سابقا تغطي حاجتھا من القمح وتصدّر الفائض”.