كريتر نت – متابعات
يقول المتعاقد الأمني الأوغندي إنوسنت أودار (37 عاما) الخبير في تدريب الكلاب البوليسية إنه طرد من العراق في أواخر سبتمبر/أيلول بعد أن اشتكى هو و5 من زملائه للشرطة من ظروف عملهم وحاولوا إخبارها بأن أكبر مطار في عاصمة بلاد الرافدين في خطر.
في العام الماضي تعاقد العراق مع شركة “بزنس إنتل” الكندية التي جلبت أودار إلى العراق لتأمين مطار بغداد الدولي الذي يتعامل مع حوالي مليوني مسافر سنويا.
ومنذ ذلك الحين -كما قال أودار وأكثر من 10 من الموظفين السابقين والحاليين- لم تدفع الشركة رواتب الموظفين، أي منذ 5 أشهر على الأقل.
وقارن الصحفيون العاملون مع “مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد العابر للحدود” المعروف باسم “أو سي سي آر” مزاعم الموظفين مع وثائق سربها لهم موظفون سابقون وحاليون تضمنت جدول رواتب الموظفين وإشعارات استلام الرواتب وعقود العمال، إضافة إلى أوراق طلبت الشركة من موظفيها التوقيع عليها للتنازل عن حقهم بالمطالبة برواتبهم التي لم تدفع.
وافق مشروع الإبلاغ عن الفساد والجريمة العابرة للحدود (أو سي سي آر بي) على عدم كشف أسماء الموظفين الموجودين في العراق أو من يخشون من ردة فعل الشركة لكي توفر لهم الحماية.
وقال الموظفون في رسالتهم إلى الشرطة العراقية -والتي أرسلت في 11 سبتمبر/أيلول- إن “عدم دفع رواتب الموظفين يعد خرقا أمنيا”، مضيفين “لقد أصبحنا ضعفاء ومحبطين”.
وأضافوا أنهم لم يعودوا قادرين على التركيز في العمل، مشيرين إلى أن تحركاتهم كانت مراقبة من قبل الشركة التي زعموا أن لديها “اتصالات في كل مكان”.
ولغاية الآن لم يتضح نوع ردة فعل الشرطة العراقية على فحوى الرسالة، وعما إذا تم اتخاذ أي قرار من قبلها.
وفي الأسبوع التالي ادعى أودار أن ضابطا مناوبا في شركة “بزنس إنتل” رافقه من المطار وأعاده إلى أوغندا دون دفع 3 أشهر من راتبه، علما بأن هذه المزاعم مثبتة في الجداول المسربة وفي مطالبة مكتوبة وقّع عليها عند مغادرته الشركة.
وقال 3 موظفين لصحفيي “أو سي سي آر بي” إنهم وزملاءهم يخشون من فقدان منازلهم لأنهم لم يعودوا قادرين على دفع أقساط ديونها في بلادهم.
وقال أحدهم “أشعر بالضياع وكأني أمشي في الهواء”، مضيفا أن الأزمة التي تمر بها الشركة أثرت بشكل كبير على معيشتهم وتشكل تهديدا لأمن المطار.
من جهته، علق آندي هيغنز -وهو خبير طيران بريطاني عمل في “بزنس إنتل” لأكثر من 6 أشهر- قائلا إنه “بمجرد أن تتوقف عن دفع رواتب موظفيك فإنهم يصبحون عرضة للرشوة والضغوطات”، مضيفا أن “الأمر بسيط للغاية، هذه تهديدات مباشرة للطيران”.
أقر مدير فرع “بزنس إنتل” في العراق فراس هاشم العزاوي بحصول تأخير في دفع الرواتب، لكنه نفى أن يكون التأخير استمر لشهور، وألقى باللائمة على بعض الموظفين ممن اقترضوا أموالا من البنوك
وقال موظفان من “بزنس إنتل” لـ”أو سي سي آر بي” إن سلطة الطيران المدني العراقية (آي سي إيه إيه) دفعت للشركة في أواخر عام 2022 ثم لم تدفع لمدة 9 أشهر من عام 2023.
بدوره، قال رئيس سلطة الطيران المدني العراقي عماد عبد الرزاق الأسدي لـ”أو سي سي آر بي” في أكتوبر/تشرين الأول من العام الحالي إن “جميع القضايا المطروحة من جنابكم قد تم حلها”.
وأضاف الأسدي أن مجلس الوزراء العراقي أصدر للتو قرارا بتزويد شركة “بزنس إنتل” بالترخيص الأمني والموافقة على طلب سلطة الطيران المدني العراقي لتزويدهم بجميع مستحقاتهم.
وحث الأسدي الموظفين الأجانب الذين “تعرضوا لضغوط أو واجهوا معاملة خاطئة على إرسال رسالة إلى مكتبه”.
امتناع عن الرد
لكن الأسدي رفض إعطاء المزيد من التوضيحات والرد على أسئلة متابعة طرحها عليه الصحفيون العاملون على التحقيق قبيل نشره.
بدوره، رفض مكتب رئيس الوزراء الرد على طلب الصحفيين الحصول على توضيحات، ورفضت وزارة النقل كذلك الرد على الصحفيين بحجة أن أمور أمن مطار بغداد من مسؤولية سلطة الطيران المدني العراقي.
“بزنس إنتل” تقصي “جي فور إس”
تولت شركة “بزنس إنتل” عقد الأمن والسلامة في المطار في أكتوبر/تشرين الأول 2022 بعد أن أقصت سلطة الطيران المدني العراقية شركة الأمن البريطانية “جي فور إس”.
وكان إقصاء هذه الشركة مثيرا للجدل، إذ تعد واحدة من أكبر شركات الأمن في العالم وحرست المطار لمدة 12 عاما.
وكانت شركة “بزنس إنتل” وقت التعاقد معها مسجلة في ولاية أونتاريو وفقا لسجلات الأعمال الكندية، وأدرجتها مواقع بحث تابعة لجهات ثالثة كشركة سياحية أو شركة إلكترونيات.
ويتضمن سجل عمل الرئيس التنفيذي للشركة الأفغاني حفيظ أوكي بيع شراشف أسرّة ومناشف للفنادق وإدارة منظمة مدنية متخصصة في توفير الأطراف الصناعية في مدينة قندهار الأفغانية في التسعينيات من القرن الماضي.
أما بخصوص أصداء إرساء عطاء حماية المطار على هذه الشركة داخل العراق ففي أغسطس/آب أشارت عضوة البرلمان العراقي علياء ناصيف عن تكتل دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي إلى سلسلة من التحديات التي شابت عملية منح العطاء لشركة “بزنس إنتل”.
وطالبت هيئة النزاهة الاتحادية بأن تحقق في الطريقة التي منح فيها عطاء “بزنس إنتل”، فالشركة -بحسب ما قالت- لم توفر إثباتا لأصولها أو ملاءتها المالية وخبرتها في أمن وسلامة الطيران وعملها الماضي في مجال الأمن، كما لم يكن لديها أكثر من موظفين اثنين.
وقالت إن الشركة لم تكن لديها رخصة أمنية رسمية صادرة عن وزارة الداخلية في العراق عندما فازت بالعقد، وهي مزاعم تداولها الإعلام في العراق على نطاق واسع.
كما زعمت ناصيف في رسالتها أن رئيس سلطة الطيران المدني العراقي وقتها مارس ضغوطا لا مبرر لها على موظفيه للموافقة على العقد.
وقال مدير فرع الشركة في العراق فراس هاشم العزاوي في رده على أسئلة طرحتها عليه “أو سي سي آر بي” إن الشركة كانت ملزمة بالحصول على رخصة أمنية خلال الأشهر الثلاثة الأولى بعد فوزها بالعطاء، وهو ما فعلته، مشيرا إلى أن الشركة حصلت على الرخصة.
وعندما انتشرت تقارير تفيد بأن الشركة لم تحصل على ترخيص أمني قام أوكي بتوزيع رسالة مع خطة لتطوير مستدام للمطار ولمناطق أخرى على مسؤولين عراقيين، بمن فيهم رئيس الوزراء، بحسب الموظف السابق البريطاني هيغنز.
وتشير الخطة التي حصل الصحفيون على نسخة عنها إلى أن شركة “بزنس إنتل” تتمتع بخبرة حول العالم، وأنها “لعبت دورا أمنيا” محوريا في 4 مطارات بأفغانستان.
لكن 4 من موظفي الشركة -بمن فيهم هيغنز الذي أمضى سنوات في قطاع توفير الأمن بمطارات أفغانستان- قالوا إنهم لم يسمعوا بعمل أوكي أو “بزنس إنتل” في أفغانستان.
وقال مسؤول من هيئة الطيران المدني الأفغانية للصحفيين إنه ليس لديهم سجل بأن شركة “بزنس إنتل” لديها عقد مع مطاراتها الأربعة.
وعلى الرغم من التحديات تم تمديد عقد شركة “بزنس إنتل” لمدة 6 أشهر أخرى في أكتوبر/تشرين الأول 2023.
معايير التراخي
وظفت شركة “بزنس إنتل” ما يقارب 100 متخصص في الأمن من جميع أنحاء العالم لتزويد المطار بالموظفين.
وقال الخبير الأمني الأوغندي أودار إنه انتقل من فريق “جي 4 إس” في مطار بغداد إلى شركة “بزنس إنتل”، فيما سافر خبير الطيران البريطاني هيغنز إلى بغداد للعمل في الشركة بعد أن حاول كثيرا خلال 18 شهرا من أجل العثور على عمل.
تمت عملية التوظيف عبر تطبيق واتساب حسب قول هيغنز الذي أضاف أن 3 من المرشحين لم يطلب منهم الخضوع لفحوصات طبية أو تقديم إثبات لمؤهلاتهم، وهي من البديهيات الروتينية.
وقال مدير كبير في شركة “بزنس إنتل” لـ”أو سي سي آر بي” إن الشركة وقعت على تأمين على الحياة والحوادث لموظفيها لكنها فقدت البوليصة بعد بضعة أشهر من العقد بعد فشلها في الدفع لشركة التأمين.
وأكدت شركة “غيت” للتأمين للصحفيين أن “بزنس إنتل” لم تدفع مستحقات التأمين على موظفيها، وأنه بعد مرور الوقت اضطرت إلى إبلاغ الشركة أنها ستلغي عقد التأمين.
وقال موظفون حاليون وسابقون إنهم عندما وصلوا إلى مطار بغداد لأول مرة وجدوا أن الشركة لا تتكون سوى من أوكي وابنه -وهو في سن الجامعة- والعزاوي.
وسلطت وثيقة أخرى -والتي قال هيغنز إنها قدمت أيضا إلى رئيس الوزراء العراقي- الضوء على السيرة الذاتية لـ10 متخصصين في مجال الأمن زعمت أنهم “الفريق الإداري” لشركة “بزنس إنتل”.
تواصل مشروع الإبلاغ عن الفساد والجريمة العابرة للحدود” (أو سي سي آر بي) مع 5 من الأسماء المدرجة في القائمة وفقا لقاعدة بياناتها التي حصل عليها صحفيو المشروع، لكن أولئك الذين تم الوصول إليهم لم يرغبوا في التعليق.
وتحدث 5 موظفين حاليين أو سابقين -بمن في ذلك هيغنز- عن قلة خبرة أوكي في أمور أمن المطار لدرجة أنه كان يعطي أوامره للموظفين بناء على ما يتابع على الإنترنت من معلومات.
قال الخبير الكندي أرنو ماسو لـ”أو سي سي آر بي” إن خبرة أوكي جاءت “من تصفح الإنترنت”، مضيفا أنه كان يقول لهم “هذه طريقة عمل الشيء.. هذه طريقة الإدارة”
وقال هيغنز في وصف أسلوب عمل أوكي وطريقة إصداره أوامره “كل شيء جاء من غوغل”.
وقال أيضا عن الموظفين إن أمورهم ازدادت سوءا كل شهر، وصاروا يخشون على أمن المطار.
أما أولئك الذين عملوا مع وحدة الكلاب البوليسية في الشركة -بمن في ذلك الخبير الأوغندي أودار- فقالوا إن الشركة ليس لديها ما يكفي من الكلاب لاكتشاف المتفجرات، وإن الكلاب المتوفرة كبيرة السن ومريضة.
خبير : 4 ثغرات في أمن مطار بغداد
وقال رولاندو هارو -وهو خبير أمني من البيرو يعمل مدربا أرضيا في المطار- إنه راجع أمن المطار بناء على طلب الإدارة وكتب تقريرا في بداية العام.
وأضاف لـ”أو سي سي آر بي” أنه “يمكنك الدخول إلى داخل المطار، إلى وسط المطار دون أي تفتيش أمني، هناك 3 أو 4 ثغرات كبيرة”.
لكن مدير شركة “بزنس إنتل” في العراق فراس العزاوي قال إن أوكي استقطب الأشخاص من أصحاب الخبرة في القطاعات، في حين فضل أوكي التزام الصمت رغم المحاولات المتعددة للتواصل معه.
تحديات المدفوعات
وقال الموظفون هارو وماسو وليوبو كوتليسا إن رواتبهم تأخرت منذ الأشهر الأولى لمباشرتهم عملهم.
وأشار الموظفون الثلاثة إلى أن بعض المال وصلهم في وقت مبكر من هذا العام، لكنهم قالوا أيضا إن أوكي اخترع أسبابا لخصم الأجور، فقد فرض رسوما على الموظفين مقابل تذاكر الطائرة التي كان من المفترض أن تغطيها الشركة، أو ببساطة دفع رواتب أقل مما نصت عليه عقودهم، وفي أواخر الربيع أخبر الموظفون الصحفيين أن الرواتب توقفت تماما.
في مارس/آذار الماضي استقال ماسو (62عاما)، وقال إن له مستحقات 3 أشهر على الشركة، وقرر بعدها البقاء في سكن الشركة في المطار، والمعروف باسم “كامب سميث”، واستمر بمطالبته يوميا بما يقارب 12 ألف دولار مستحقة له.
وقد تأكد صحفيو “أو سي سي آر بي” من حجم مطالبته من خلال رسالة أرسلها لهم ماسو، إلى جانب التحقق من الجدول المسرب.
وزود ماسو صحفيي مشروع الإبلاغ عن الفساد والجريمة العابرة للحدود (أو سي سي آر بي) بنسخة عن شكوى قدمها للسلطات الكندية تتعلق بمستحقاته.
بالمقابل، رفض متحدث باسم الحكومة الكندية التعليق على عمليات “بزنس إنتل” في العراق، لكنه أضاف أنه من المتوقع أن تلتزم الشركات الكندية التي تعمل في الخارج “بكافة القوانين السائدة، وأن تطبق أفضل المعايير وأيضا التعليمات الدولية المتعلقة بالسلوك التجاري المقبول”.
وقال ماسو إنه وبعد الانتظار لـ4 أشهر في “كامب سميث” قرر أن يرضخ للأمر الواقع ويغادر العراق دون مستحقاته.
وقال موظفون آخرون في “بزنس إنتل” إنهم فعلوا الأمر نفسه، ففي مايو/أيار قال المستشار هارو من البيرو إن مدير الشركة أوكي طلب منه المغادرة قبل أن يصبح سلوكه عدوانيا ما إن طالبه بدفع مستحقاته.
وغادر هارو العراق وله مستحقات على الشركة تبلغ قيمتها 9500 دولار، أما أوكي ففضل عدم الرد على أسئلة الصحفيين حيال هذه الحادثة.
ادعاءات غير صحيحة
وقال ليوبو كوتليسا -الذي كان يعمل سابقا مع القوات الخاصة الكرواتية في أفغانستان- إنه قرر وموظفين آخرين اللجوء إلى الإضراب مرتين هذا الصيف، وكذلك فعل الأوغندي أودار.
وحصلت “أو سي سي آر بي” على شريط فيديو يظهر فيه أوكي وهو يحث الموظفين على العمل ويخبرهم أنهم يرتكبون “عملا من أعمال العنف” ضد الأصول الإستراتيجية للعراق، ووعد الموظفين بأن المال سيأتي، لكن الموظفين قالوا إن ذلك لم يحدث.
وبعد 3 أيام من إضراب أغسطس/آب استدعت الشرطة العراقية واقتادته إلى مركز بالقرب من المطار حسب رواية كوتليسا، وقال إن أوكي كان ينتظره هناك إلى جانب ضابط شرطة يعتقد كوتليسا أنه صديق أوكي.
وأضاف أن أوكي والضابط اتهماه بحرق وثائق سرية وتعريض الأصول الإستراتيجية للعراق للخطر ومنع الناس من العمل، وتم وضعه في زنزانة واحتجز لعدة ساعات.
وأكدت القنصلية الكرواتية في العراق -التي تدخلت في هذه القضية- لـ”أو سي سي آر بي” أن كوتليسا تعرض للسجن لفترة وجيزة بتهم كاذبة ثم أطلق سراحه.
وفي ديسمبر/كانون الأول الحالي قال 4 موظفين ما زالوا يعملون إن رواتبهم لم تصلهم مع أن آخرين تركوا البلاد بعد أن استطاعوا التباحث بشأن دفع بعض مستحقاتهم.
أما الأوغندي أودار فقال بعد أن عاد إلى وطنه في شمال البلاد إن “بزنس إنتل” كانت نهاية مسيرة عمله حول العالم.
وأضاف أنه عمل في الخارج لعدة سنوات، في الصومال وأفغانستان، وكذلك العراق، وجمع ما يكفي من المال لشراء عقار لعائلته، لكنه أشار إلى أنه اضطر إلى بيع بعض من ممتلكاته بعد خسائره مع شركة “بزنس إنتل”.
وقال أيضا إنه لن يقبل وظيفة خارج بلاده مرة أخرى لأن التجربة مع إدارة “بزنس إنتل” أرهقته ودمرته.
وختم قائلا “تضررت تماما على المستويين النفسي والروحي”.
أنجز هذا التحقيق من قبل مشروع “الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد العابر للحدود (أو سي سي آر بي) وينشر بالاتفاق مع الجزيرة نت.