رسول آل حائي
لم يعد اغتيال العلماء النوويين والقادة العسكريين بجديد على الرأي العام الإيراني إلا أن اغتيال الجنرال “رضي موسوي” المسؤول عن وحدة إسناد ما يعرف بمحور المقاومة في سوريا، الاثنين الماضي، كان بمثابة “ثالث لدغة من جحر واحد تتجرع طهران سمومها منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي”، كما يصفها الإيرانيون.
وكان وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت قد ألمح، أمس الثلاثاء، إلى أن تل أبيب نفذت عمليات في دول عدة تزامنا مع الحرب على قطاع غزة، لكنه لم يوضح طبيعة تلك الإجراءات وأين وقعت تحديدا.
وفي كلمة ألقاها في اجتماع لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست (البرلمان)، قال غالانت “نحن في حرب متعددة الجبهات ونتعرض للهجوم من 7 جبهات: غزة ولبنان وسوريا والضفة الغربية، والعراق، واليمن، وإيران. قمنا بالرد بالفعل واتخذنا إجراءات في 6 منها”.
غضب شعبي
ورغم أن الجنرال موسوي لم يكن من الشخصيات الشهيرة داخل إيران بسبب عضويته في فيلق القدس -الوحدة الموكلة بالعمليات الخارجية في الحرس الثوري الإيراني وإقامته منذ أكثر من عقدين في لبنان وسوريا- إلا أن نبأ اغتياله كان صادما لشريحة كبيرة جدا من الشعب الإيراني.
وعقب التقارير التي نعتت موسوي بأنه ثاني أعلى رتبة عسكرية يُقتل خارج البلاد بعد الجنرال قاسم سليماني -الذي قضى في غارة أميركية قرب مطار بغداد الدولي مطلع 2020- تجمع حشد كبير من الإيرانيين ليلا مقابل بوابة المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني مطالبين “بالرد الفوري والمباشر ضد الكيان الصهيوني باعتباره المتهم الرئيس وراء الاغتيال”، على حد قولهم.
الغضب الشعبي الإيراني في الشارع ووسائل الإعلام الفارسية، يضع السلطة في موقف حرج بشأن الثأر للجنرال موسوي، حيث أفرط مسؤولو طهران في التهديد وتوعدوا “بجعل الكيان الصهيوني يدفع ثمن جريمة الاغتيال”.
وتأتي هذه التهديدات الجديدة بعد مضي شهر واحد من إعلان الحرس الثوري مقتل اثنين من عناصره كانا يعملان مستشارين عسكريين في سوريا جراء هجمات جوية إسرائيلية، وحذرت حينها طهران “من مغبة تكرار الكيان الصهيوني حماقة جديدة عبر استهداف عناصرها في سوريا” وتوعدت بأن الرد سيكون قاسيا.
وعلمت الجزيرة نت من مصدر مقرب من الجنرال رضي موسوي -اشترط عدم الكشف عن هويته- أن السلطات الإيرانية “اتخذت قرارا بالانتقام، وستعمل على تنفيذه قريبا، إلى جانب إحكامها حزام النار على إسرائيل أكثر فأكثر وتعيين شخصية أخری خلفا لموسوي في سوريا ستجعل تل أبيب تندم على ما ارتكبته بحق سلفه”.
وبينما كتب وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان على منصة “إكس” أنه “يتعين على تل أبيب أن تنتظر عدا تنازليا صعبا” بعد مقتل موسوي، أعلنت وزارة الدفاع الإيرانية أن “الرد على هذه الجريمة سيكون صارما ومؤثرا في الوقت والمكان المناسبين وبالطريقة التي نراها ملائمة”، مستدركة أن ردها لن يوفر المجال لأي استغلالات إسرائيلية.
محاولة فاشلة
ويندرج استدراك وزارة الدفاع الإيرانية في سياق التقديرات التي ترى الاغتيال الأخير محاولة إسرائيلية لاستدراج طهران إلى المعركة المتواصلة في غزة واستغلال الحضور الأميركي والغربي في المنطقة للزج به في مواجهة مع الجمهورية الإسلامية.
في السياق، يرى السفير الإيراني السابق في لبنان والأردن أحمد دستمالجيان، أن تل أبيب فشلت في استدراج طهران إلى المعركة إلى جانب الهزائم التي تتكبدها في غزة، مؤكدا أن بلاده أذكى من أن تضبط ساعتها على “التوقيت الصهيوني” وأنها لن تسمح لحكومة اليمين الإسرائيلي بتمرير مشاريعها الرامية إلى توسيع رقعة المعركة.
وفي حديثه للجزيرة نت، اعتبر دستمالجيان اغتيال الجنرال موسوي مؤشرا إلى شدة إيلام الضربات التي تتلقاها إسرائيل منذ نحو 3 أشهر على أكثر من جبهة، مضيفا أن تل أبيب أرادت الانتقام من طهران باعتبارها عدوها الرئيس الذي حشرها في طريق مسدود، على حد وصفه، وأن الاحتلال لن يتمكن من تقليص دعم طهران لمحور المقاومة.
وخلص المتحدث ذاته إلى أن بلاده “تمتلك أدوات عديدة للانتقام من العدو الإسرائيلي كما فعلت حتى الآن وردّت بالفعل على الاغتيالات الإسرائيلية على أكثر من جبهة بشكل مباشر أو غير مباشر، وهذا ما تعرفه تل أبيب خير معرفة وتجرعت مرارته عدة مرات”.
في المقابل، يدعو طيف من الإيرانيين إلى ضرورة الرد المباشر على تل أبيب التي اغتالت عدة شخصيات إيرانية وتلّوح بتبني تلك العمليات، وتلقي الأوساط الإيرانية باللوم على السلطات لعدم قدرتها على وضع حد للهجمات الإسرائيلية على مصالحها في سوريا.
دعوة للانتقام
وتساءل بعض المغردين الإيرانيين على منصات التواصل الاجتماعي عن مصير الدفاعات الجوية التي قالت طهران -العام الماضي- إنها ستنقلها إلى سوريا، في حين ألقى آخرون باللوم على إيران لعدم تغيير مقراتها في المنطقة الزينبية وريف دمشق باستمرار لأنها أمست مكشوفة للجانب الإسرائيلي.
كما اتهم مغردون إيرانيون آخرون بعض الدول الأجنبية -التي تربطها علاقات جيدة بالنظام السوري- بتسريب تقارير ومعطيات أمنية لإسرائيل عن الأهداف الإيرانية في سوريا.
من ناحيته، يرى الباحث السياسي حسن بهشتي بور، أن الانتقام الفوري والمباشر على اغتيال الجنرال موسوي أضحى ضرورة ملحة للحيلولة دون تكرار مثل هذه الأحداث، مؤكدا أن الحادث الأخير لا يقل أهمية عن اغتيال إسرائيل العالم النووي محسن فخري زاده أواخر عام 2020 قرب طهران.
وفي حديث للجزيرة نت، استبعد بهشتي بور توسعة رقعة الحرب الدائرة على غزة وانجرار بلاده إليها، داعيا طهران إلى تكثيف مساعيها لمعالجة الاختراق الأمني والكشف عن الجواسيس الذين يعملون لصالح إسرائيل في سوريا منذ أعوام.
وقال إن الدعم الأميركي المطلق لإسرائيل يجعلها لا تخشى تداعيات مغامراتها، معتبرا أن الرد القاطع والقاسي ضدها سيمنعها من التفكير في تنفيذ الاغتيالات بحق الشخصيات الإيرانية، محذرا من أن تل أبيب ستمضي في تنفيذ سياسة الاغتيالات طالما لم تُقابل برد قوي وقاطع.
وسواء عجلت طهران في الانتقام للجنرال موسوي أو انتظرت الوقت والمكان المناسبين، فإن بيانات نعي حركات المقاومة الإسلامية التي تخوض هذه الأيام حربا مع إسرائيل على عدة جبهات، لا تدع مجالا للشك أنها ستصعّد من عملياتها ضد تل أبيب انتقاما لحليفتها طهران.
المصدر : الجزيرة نت