أسماء الغول
بين كنيستي دير اللاتين للطائفة الكاثوليكية وكنسية القديس برفيريوس للروم الأرثوذكس مسافة قريبة تقل عن بضع مئات من الأمتار، حيث تقعان في منطقة البلدة القديمة في مدينة غزة.
وعلى قلة هذه الأمتار، فقد أصبح من شبه المستحيل قطعها، بسبب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والمستمر منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، والقصف العنيف، وانتشار القناصة من جنود الاحتلال، لذلك فقد أصبح الاحتفال والمعايدة وحتى المشي بالشارع مستحيلا.
وهذا الاحتفال الذي منعه قمع الاحتلال الوحشي في مدينة غزة، يوازيه عدم احتفال اختياري في مدينة بيت لحم، تضامنا مع غزة التي عادة ما يأتيها المسيحيون من جميع أنحاء العالم، فالمدينة لم تزينها هذا العام شجرة عيد الميلاد، وبدلا من ذلك نُصب عمل فني يمثل الدمار وعائلة فلسطينية تحمل أكفان أطفالها، وألغت بلدتا رام الله وبيت لحم الاحتفالات الصاخبة والزينة والإضاءة، واكتفت البلدتان بمظاهر بسيطة.
وقد كانت هذه المسافة القصيرة بين الكنيستين في غزة تعج كل عام في مثل هذا الوقت بكاميرات الصحافة والعائلات المسيحية والألوان الجذابة لملابس أفرادها الأنيقة وضحكات الأطفال، يروحون هنا وهناك، فبعضهم ينتمي للكاثوليكية، والأغلبية للأرثوذكسية.
سامر وسوزي.. مسيحيان لاجئان في كنائس غزة
الزوجان سامر وسوزي السلفيتي وابنتاهما، عادة ما تمر عليهم هذه الأيام حتى السابع من يناير/كانون الثاني وهم يحتفلون بين الكنيستين، فسامر ينتمي إلى الطائفة الأرثوذكسية، وهي الأكثر عددا في قطاع غزة، وأما زوجته سوزي فهي تنتمي للطائفة الكاثوليكية التي ينتمي إليها حوالي 200 مسيحي فقط من مسيحي قطاع غزة الذين يبلغ غددهم ألف مسيحي ونيفا.
وعادة ما تلتقط الصحافة صورا لعائلة سامر في الكنيستين، فكل واحدة منهما عمّدت إحدى ابنتيه، لكن اليوم لا سعادة في هذه الأعياد، بسبب طعم الخوف والنزوح والبرد، فسامر وسوزي وابنتاهما قضوا الشهرين الماضيين لاجئين إلى الكنيسة مع بقية المسيحيين، في حين أن هناك من استطاعوا السفر إلى عائلاتهم من حملة الجنسيات الأخرى، بينما بقي حوالي 500 منهم في كنيسة دير اللاتين و300 نزحوا إلى الأرثوذكسية، فهي أصغر من الأولى.
وكانت كنيسة القديس برفيريوس الأرثوذكسية تعرضت في 19 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي لقصف إسرائيلي، وفق ما ذكرت البطريركية الأرثوذكسية، وقتل أكثر من 15 من النازحين إليها.
وفي 16 ديسمبر/ كانون الأول الجاري قُتلت امرأتان في كنيسة العائلة المقدسة بمدينة غزة، حين حاولتا التوجه إلى دورة المياه ومشتا في الساحة، فأطلق قناصٌ النارَ عليهما، ويبلغ مجموع الشهداء المسيحيين حوالي 24 مسيحيا حت الآن.
وفي أعوام سابقة قبل أن يبدأ الانقسام الفلسطيني عام 2007 وتسيطر حركة حماس على القطاع، كان هناك ما يزيد عن 5 آلاف مسيحي، بيد أن أعدادهم بدأت تقل على أرض غزة، بسبب الحوادث الأمنية والحروب الإسرائيلية التي يشنها الاحتلال على القطاع، حتى وصلوا حوالي ألف مسيحي، ولم يقلل ذلك من عراقة الجذور المسيحية وأصالتها.
مدينة المسيح.. بيت لحم تكتسي بثوب السواد
قبل هذا العيد الذي يمر أثناء حرب ضروس على قطاع غزة، كانت وسائل التواصل الإعلامي تمتلئ بصور أشجار عيد الميلاد لدى العائلات المسيحية والمسلمة في قطاع غزة، وتنتشر زينة أعياد الميلاد على واجهات المحلات، كما تنتشر مجسمات باب نويل، ومع أن هذه المظاهر ذات شعبية، فإنها لا تزال تعد احتفالا باهتا مقارنة بزمن التسعينيات، حين كانت تزين شجرة عيد ميلاد ضخمة في حديقة الجندي المجهول.
المصدر : الجزيرة نت