كريتر نت – متابعات
قرار الزيادة في أسعار الوقود قدح شرارة التوتّر في مأرب وجعل الثروة النفطية للمحافظة في قلب صراع بين القبائل وجماعة الإخوان المسلمين، ممثلة بحزب التجمّع اليمني للإصلاح المسيطر على السلطة المحلية والمتّهم بسوء التصرف في عوائد تلك الثروة وتجييرها لخدمة مصالح قياداته وتعظيم ثرواتهم وتوسيع نفوذهم وتكريس سيطرتهم على المحافظة ومقدّراتها الكبيرة.
وتشهد محافظة مأرب بشرق اليمن بوادر انتفاضة قَبلية على السلطات المحلّية التي يقودها حزب التجمّع اليمني للإصلاح، الذراع المحلية لجماعة الإخوان المسلمين، وذلك في تجسيد لحالة الاحتقان والغضب السائدة في المحافظة جرّاء سوء إدارة السلطات لثرواتها وكثرة التشكيات من تجاوز قادة الحزب المدنيين والعسكريين على المال العام وابتزازهم للتجار وأصحاب المشاريع عبر استخدام نفوذهم السياسي والأمني.
وقدحت زيادة في أسعار الوقود شرارة مواجهات مسلّحة بين القبائل والقوات المنضوية تحت لواء الجيش اليمني والخاضعة عمليا لإمرة كبار الضباط والقادة العسكريين التابعين لحزب الإصلاح، أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى.
وتشتكي قبائل مأرب منذ إحكام حزب الإصلاح لسيطرته على المحافظة الغنية بالنفط من عدم استفادتها من عوائده وتتّهم قادة الحزب بالاستيلاء على الجزء الأكبر من تلك العوائد تحت يافطة خضوع الثروة النفطية للسلطة المعترف بها دوليا.
وشرعت عناصر قبلية مسلّحة منذ أيام في مهاجمة قوات حزب الإصلاح والتعرّض لشاحنات نقل الخام ومشتقاته، فيما قامت الإثنين بتفجير خط الأنابيب الرئيسي الذي ينقل النفط من حقل ريدان إلى شركة صافر ما أدّى إلى توقّف الإنتاج في الحقل. كما نصب مسلّحون قبليون، الإثنين، كمينا في منطقة الوادي أسفر عن مقتل أربعة جنود من قوات الحزب.
وهددت قبائل مأرب سلطات المحافظة بقيادة العضو البارز في حزب الإصلاح سلطان العرّادة بالمزيد من التصعيد في حال لم يستجب المحافظ لمطالبها بإلغاء الزيادة في أسعار الوقود.
وقالت في بيان إنّها لن تتراجع عن تحركاتها إلى أن تُلغى الزيادة في الأسعار التي وصفتها بـ”الظالمة” دون قيد أو شرط.
جاء ذلك بعد مساعي المحافظ للتهدئة وطلبه وساطة عدد من الوجهاء القبليين، خلال اجتماع عقده بمديرية مأرب الوادي مع عدد من المشايخ والشخصيات الاجتماعية “لمناقشة الوضع العام ومتطلبات المرحلة في ضوء التحديات الماثلة والمتوقعة”.
وألقى العرادة خلال الاجتماع مسؤولية الزيادة في أسعار البنزين على المجلس الرئاسي الذي يشارك في عضويته وقال إنها جزء من “منظومة الإصلاحات الاقتصادية وإصلاح المالية العامة للدولة”.
وطالب أبناء المحافظة بالوقوف “صفا واحدا إلى جانب الدولة والحكومة الشرعية ودعم قراراتها وجهودها للحفاظ على السكينة العامة وترسيخ الأمن والاستقرار”، محذّرا مما سمّاه “المهاترات والمناكفات وكافة الأعمال التي لا تخدم سوى ميليشيات الحوثي التي تتربص بالمحافظة وتسعى إلى زرع الفُرقة وإثارة الخلافات والصراعات داخل المجتمع”.
وإزاء حالة التصعيد المتزايدة أصدرت اللجنة الأمنية والعسكرية بمأرب بيانا وصفت فيه تحركات القبائل بالأعمال التخريبية، متعهّدة بـ”حماية المصالح العامة وتأمين الطرقات وحفظ الأمن والاستقرار والتعامل بكل قوة وحزم مع كل من تسول له نفسه المساس باستقرار المحافظة”.
وجاء في البيان أنّ اللجنة “تتابع التطورات الجارية بمديرية مأرب الوادي وما تقوم به العناصر التخريبية من جرائم قتل وقطع الطرقات وتعطيل المصالح العامة وآخرها جريمة القتل العمْد لثلاثة من أبناء القوات المسلحة داخل سيارتهم أثناء مرورهم بالطريق العام بالقرب من محطة بن معيلي”.
كما أشارت إلى مقتل سائق ناقلة وإحراق شاحنة وتفجير أنبوب النفط بين ريدان وصافر “وما يرافق ذلك من تحريض تتخادم فيه عدة جهات معادية لأمن واستقرار محافظة مأرب”.
ولفتت إلى بيان القبائل معتبرة أنّه صادر عن “عناصر تحضّ على العنف وتهيئ للأعمال الإرهابية ضد المنشآت النفطية السيادية تحت غطاء قضايا مطلبية والوقوف ضد قرار الحكومة بالزيادة السعرية لمادة البنزين والإصلاحات الاقتصادية”.
ومأرب هي المحافظة الوحيدة من محافظات شمال اليمن الواقعة ضمن السلطة التي يقودها رئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي، وذلك بعد أن تمكّنت قوات حزب الإصلاح من الصمود في وجه الحملات العسكرية الكبيرة التي شنّتها جماعة الحوثي للسيطرة عليها بفعل ما تلقته تلك القوات من دعم كبير من قبل التحالف العسكري بقيادة المملكة العربية السعودية لمنع سقوط المحافظة الغنية وذات الموقع الإستراتيجي بيد الجماعة الموالية لإيران.
وكانت سلسلة الهزائم التي منيت بها قوات الحزب التي تعتبر النواة الصلبة للجيش التابع للسلطة اليمنية المعترف بها دوليا وراء سقوط باقي مناطق الشمال اليمني بأيدي الحوثيين.
ومنذ انتهاء الحملات الحوثية على مأرب سادت المحافظة حالة من الاستقرار والازدهار النسبي للحركة الاقتصادية والنشاط التجاري. وتقول مصادر محلّية إن حزب الإصلاح استغل ذلك في تركيز نفوذه في المحافظة، وإنّه كثّف جهوده بالتوازي مع التقدّم الملحوظ في عملية السلام باليمن لتحويل المحافظة إلى ما يشبه الإقليم الخاص به والمستقل ماليا.
لكن قضايا فساد واستغلال للسلطة ما فتئت تتفجّر في وجه العديد من القيادات الحزبية القابضة على أهم مراكز السلطة ودوائر القرار السياسي والأمني والاقتصادي في المحافظة.
وطفت مؤخّرا على السطح قضية ابتزاز شخصيات نافذة في السلطة المحلية بمأرب لأصحاب المشاريع ورؤوس الأموال في المحافظة، وذلك من خلال دعوى قضائية أقامتها مؤسسة تجارية عاملة في مجال الطباعة ضد قيادي في حزب الإصلاح طالبته من خلالها بتسديد ديون مترتّبة عليه تبلغ قيمتها حوالي مئة ألف دولار، وتعرّضت بسبب ذلك لوقف نشاطها في المحافظة بشكل تعسّفي أضرّ بوضعها المالي وانعكس على الوضع الاجتماعي للعاملين فيها، الأمر الذي استدعى تدخّل هيئات حقوقية وتوجيهها نداء للمحافظ وعضو المجلس الرئاسي سلطان العرادة لوقف هذا التعسف معتبرة أنّ “عمليات الاستقواء بالسلطات ردا على مطالبات قانونية بسداد ديون تعكس صورة مسيئة عن حال العدالة في محافظة مأرب”.