كريتر نت – وكالات
كان التوتر سيد الموقف في البحر الأحمر والأسود وبحر الصين الجنوبي ومضيق بنما خلال عام 2023، فكيف أثَّر ذلك على حركة التجارة العالمية؟
وبالكاد تنفَّس الاقتصاد العالمي الصعداء من أزمة تذبذب سلاسل الإمدادات حول العالم خلال عامَي 2021 و2022، حتى جاءت سنة 2023 بأزمات متزامنة لتعيد حالة الطوارئ للتجارة العالمية، وتُلقي بظلالها على اقتصاد الدول ومعيشة الشعوب.
فقد شهدت بحار “الأحمر، والأسود، والصين الجنوبي” إلى جانب مضيق بنما، تطورات خلال العام الذي يلملم أوراقه ويهم بالرحيل، أربكت حركة التجارة العالمية للسلع والطاقة، بحسب تقرير لوكالة الأناضول.
الحرب على غزة والبحر الأحمر
منذ منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2023، يشهد البحر الأحمر اضطرابات كبرى مصدرها جماعة الحوثي اليمنية، التي أعلنت دعم الفلسطينيين في مواجهة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول؛ حيث أعلن الحوثيون عن مهاجمة أية سفن تعبر مضيق باب المندب ترتبط بإسرائيل أو ترسو بموانئها.
كانت إسرائيل قد شنَّت منذ عملية “طوفان الأقصى” العسكرية قصفاً جوياً وبحرياً على قطاع غزة تبعه اجتياح بري، معلنةً عن هدفين رئيسيين هما: تدمير المقاومة، وتحرير الأسرى بالقوة العسكرية.
و”طوفان الأقصى” هو الاسم الذي أطلقته حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على العملية العسكرية الشاملة، التي بدأت فجر السبت 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، رداً على “الجرائم الإسرائيلية المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني”. ففي تمام الساعة السادسة صباحاً بالتوقيت المحلي في فلسطين، شنّت “حماس” اجتياحاً فلسطينياً لمستوطنات الغلاف المحاذية لقطاع غزة المحاصَر، حيث اقتحم مقاتلون من كتائب عز الدين القسام البلدات المتاخمة للقطاع، في ظل غطاء جوي من آلاف الصواريخ التي أُطلقت من غزة باتجاه تل أبيب والقدس ومدن الجنوب.
ووسط حالة الذعر والصدمة التي انتابت الإسرائيليين، وانتشار مقاطع فيديو وصور لدبابات ومدرعات تابعة لجيش الاحتلال، إما محروقة أو تحت سيطرة المقاومين الفلسطينيين، وأسر العشرات من جنود جيش الاحتلال والمستوطنين وسيطرة فلسطينية كاملة على مستوطنات، أعلنت دولة الاحتلال أنها “في حالة حرب”، للمرة الأولى منذ حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973.
وفي 19 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أعلنت الجماعة اليمنية الاستيلاء على سفينة الشحن “غالاكسي ليدر”، المملوكة لرجل أعمال إسرائيلي، في البحر الأحمر، واقتيادها إلى الساحل اليمني.
وتبعت ذلك هجمات بالمسيَّرات طالت سفناً تقول الجماعة إن لها علاقة بإسرائيل، الأمر الذي دفع شركات شحن عملاقة مثل “MSC”، أكبر شركة شحن عالمية، تعليق الملاحة في البحر الأحمر حتى إشعار آخر.
وهناك في واشنطن، أعلن وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، في 18 ديسمبر/كانون الأول الجاي، مبادرة لتشكيل قوات متعددة الجنسيات من 10 دول باسم “حارس الازدهار”، بهدف ردع الهجمات بالبحر الأحمر، لكن الفكرة لم تجد حماساً من جانب غالبية دول العالم.
وبسبب هذه التوترات، ارتفعت أسعار النفط الخام بأكثر من 3٪ إلى متوسط 79 دولاراً لبرميل برنت، كما صعدت عقود الذهب الفورية بنسبة 3٪ إلى 2084 دولاراً.
وإن كان تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني عنوانه “لماذا لا تفزع أسواق النفط من هجمات الحوثيين في البحر الأحمر؟”، رصد كيف أن سوق النفط تبدو هادئةً هدوءاً نسبياً حتى في الوقت الذي تنتشر فيه صواريخ الحوثيين وطائراتهم المُسيرة في أرجاء البحر الأحمر، ما يحير بعض الخبراء الذين توقعوا زيادة أكبر في أسعار الطاقة.
تقول الولايات المتحدة إن الحوثيين في اليمن شنوا أكثر من 100 هجوم بالصواريخ والمُسيرات على 10 سفن تجارية في البحر الأحمر. وقد تصاعدت وتيرة الهجمات في الأيام الأخيرة، ولم ترتفع أسعار النفط كثيراً.
وأشارت وكالة بلومبرغ، الأسبوع الماضي، إلى تحويل أكثر من 120 سفينة مسارها إلى رأس الرجاء الصالح جنوبي دولة جنوب أفريقيا، ما يعني تأثر مداخيل قناة السويس من رسوم عبور السفن بالقناة.
والخميس 28 ديسمبر/كانون الأول، أعلن الأردن حظر تصدير وإعادة تصدير سلع غذائية أساسية، وسط ارتفاع شهدته كلفة الشحن الوارد للسوق الأردنية، بفعل أزمة البحر الأحمر.
وذكر بيان صادر عن وزير الصناعة والتجارة والتموين الأردني، يوسف الشمالي، قوله، إن بلاده منعت تصدير وإعادة تصدير مجموعة من السلع، بعد توصية من مجلس الأمن الغذائي، بسبب ارتفاع تكاليف الشحن الناتج عن التوترات في البحر الأحمر.
وبحسب القرار الحكومي، يشمل المنع كلاً من سلع الأرز والسكر والزيوت النباتية (زيت الذرة، زيت دوَّار الشمس، وزيت النخيل، وزيت الصويا)، دون تحديد موعد لوقف العمل بالقرار.
مضيق بنما
وفي السياق ذاته، تراجعت حركة الملاحة في مضيق بنما بين الأمريكيتين بأكثر من 15٪ خلال العام الجاري، بسبب ما تعرف بظاهرة النينو، والتي تسببت بتراجع منسوب المياه في القناة المائية، والجفاف في المناطق البرية.
وظاهرة النينو، تحدث عندما يكون هناك انخفاض في كمية المياه الباردة التي ترتفع إلى سطح البحر بالقرب من أمريكا الجنوبية؛ يؤدي ذلك إلى زيادة درجات حرارة سطح البحر عبر المحيط الهادئ، ما يؤدي بعد ذلك إلى ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي فوقه، وتؤثر على درجات الحرارة فوق تلك المنطقة، ووجهة الرياح.
أدى الجفاف في بنما إلى ارتفاع الرسوم وحركة المرور في القناة بعد انخفاض المنسوب؛ ما أجبر ناقلات الوقود وشاحنات الحبوب على اتخاذ طرق أطول لتجنب الازدحام.
وهناك طريق بديل تأخذه السفن عبر ساحل المحيط الأطلسي بأكمله في أمريكا الجنوبية، ويعبر مضيق ماجلان عند الطرف الجنوبي الجليدي للقارة ويتجه عائداً إلى مسارات ساحل المحيط الهادئ.
وبحسب بيانات منظمة التجارة العالمية، تشكل قناة بنما ما نسبته 5٪ من حركة التجارة المنقولة بحراً، وترتفع في شهور الذروة (الصيف) إلى 7٪ من إجمالي التجارة العالمية.
وبحسب تقرير لمعهد التصدير والتجارة الدولية، فإنه وبدون عمل قناة بنما بسلاسة، إلى جانب التطورات الأمنية والعسكرية على مضيق باب المندب، فإن تأثير الدومينو للأضرار وتعطيل سلاسل التوريد الناجم عن تأخر السفن وفي الأماكن الخاطئة، سيكون كبيراً.
منذ الصيف الماضي حتى أواخر عام 2023، ارتفعت أسعار شحن البضائع بين الصين والولايات المتحدة بنسبة 36٪ كنتيجة مباشرة؛ دون احتساب الخسائر الناتجة عن تأخير نقل البضائع. وفي نهاية أغسطس/آب الماضي، كانت 135 سفينة مصطفة في الطابور، أي أكثر بنسبة 50٪ من المعتاد لهذا الوقت من العام.
أزمة تايوان.. بحر الصين الجنوبي
أدت مطالبات الصين الإقليمية والتوسع البحري في بحر الصين الجنوبي إلى إشعال التوترات مع جيرانها، بما في ذلك الفلبين وفيتنام وتايوان وماليزيا وبروناي. وبحر الصين الجنوبي متفرع من المحيط الهادي، وتنبع أهميته الاستراتيجية من عبور ثلث الشحنات البحرية العالمية من مياهه.
وتدعي بكين أن 80٪ من بحر الصين الجنوبي يقع ضمن مياهها الإقليمية، فيما تتهمها الولايات المتحدة الأمريكية بـ”عسكرة المنطقة”، وهو ما أثر منذ عام 2022 على حركة التجارة جزئياً في تلك المنطقة.
وحظي بحر الصين الجنوبي باهتمام كبير؛ وقد أثار التركيز العالي للسلع التجارية التي تتدفق عبر مضيق ملقا الضيّق نسبياً المخاوفَ بشأن ضعفه باعتباره نقطة تفتيش استراتيجية.
وفق تقرير لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “أونكتاد”، فإن ما قيمته 5.3 تريليون دولار من البضائع تمر عبر بحر الصين الجنوبي سنوياً، مع 1.2 تريليون دولار من هذا المبلغ الإجمالي للتجارة مع الولايات المتحدة.
حرب أوكرانيا.. البحر الأسود
أصبح البحر الأسود بعد الحرب الروسية- الأوكرانية أحد أهم ممرات الحبوب، سواء لأوكرانيا أو روسيا، باعتبار البلدين من أكبر منتجي الحبوب عالمياً، ويشكلان معاً أكثر من 30٪ من إنتاج الحبوب.
من جهتها، تخلت بعض شركات الشحن الكبرى عن تجارة الحبوب في البحر الأسود، بعد أن فرضت روسيا قيوداً على حركة الملاحة في يوليو/تموز الماضي. وتأثرت الصادرات الأوكرانية منذ انسحاب روسيا في يوليو/تموز من اتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود الذي دعمته الأمم المتحدة بجهود تركية.
وبحسب بيانات أوكرانية رسمية، قفزت تكلفة أقساط التأمين على السفن ضد مخاطر الحروب في البحر الأسود، بأكثر من ضعفين، وفق نوع السفينة، فيما يتعين تجديد أقساط التأمين كل 7 أيام.
اقتصادياً، يشكل البحر الأسود أهمية كبيرة لروسيا؛ حيث تصدر من موانئه جُل ما تنتجه من حبوب وأسمدة وسلع أخرى، فيما تزايدت أهميته منذ الحرب كطريق تجاري، يتيح للسفن التجارية الروسية الوصول إلى بلدان لم تنضم إلى العقوبات الغربية ضد روسيا.