كريتر نت .. متابعات
يتحسّر المزارع اليمني، عمار فضل، على حجم جهده وماله الذي أنفقه في شراء الأسمدة الكيميائية طوال الفترة الماضية، أملًا في إنتاج محصول لائق من الحبوب والخضروات، يغطي نفقاته ويساعده في تسديد إيجار مزارعه في مناطق مختلفة من محافظة لحج، جنوبي البلاد.
وتشهد أسعار الأسمدة الكيميائية والعضوية ارتفاعًا متزايدًا خلال السنوات الأخيرة، مقابل شُحّ استيرادها إلى اليمن، بالتزامن مع تفاقم تداعيات التغيرات المناخية وتأثيراتها المباشرة على القطاع الزراعي في البلد.
ومع استمرار عجزه المالي، قرر المزارع الخمسيني عمار البدء في الاعتماد على السماد العضوي كما كان يفعل أجداده، مستهلًا تجربته بتسميد الأرض الزراعية بمخلفات الدواجن، قبل أن يجد فرصة، في تشرين الأول/ أكتوبر من العام 2022، للالتحاق بدورة تدريبية في تصنيع السماد العضوي المتحلل “الكمبوست الهوائي” التي تنظمها “الجمعية الوطنية للبحث العلمي”، ضمن مشروع وزارة الزراعة والريّ والثروة السمكية للتخلص تدريجيًا من السماد الكيميائي.
بعد فترة وجيزة، بات بإمكان المزارع اليمني استعمال السماد العضوي الذي يقوم بصناعته بعناية من مخلفات نباتية وحيوانية وبجهود ذاتية، مع استخدام مُخفّف للسماد الكيميائي، واستطاع زراعة محاصيل مختلفة على ذات التربة، دون حدوث التأثيرات التي تعقب استخدام الأسمدة الكيميائية، كارتفاع نسبة الملوحة في التربة، الذي يجبر الكثير من المزارعين على إراحتها لعام واحد على الأقل، وهو الأمر الذي حسّن من إنتاج محاصيله الزراعية وعزّز من وضعه المادي.
يقول عمار، إن نتائج استخدامه السماد العضوي “كانت مبهرة في فترة وجيزة، تغيّر خلالها لون النباتات إلى الأخضر الداكن، وأصبحت أوراقها كثيفة حتى نهاية المحصول، وكُبر حجم الثمار الزراعية وازدادت المحاصيل، وكل ذلك قلل من التكاليف المالية التي تنهك المزارعين اليمنيين”.
وذكر أنه منذ أن بدأ باستخدام الكمبوست، حصد البطيخ مرتين، ثم زرع الخيار البلدي، وأخيرًا أنتج الأعلاف، وزرع مؤخرًا الأرض التي استخدم لها مخلفات الدواجن كسماد بالبطيخ، بعد ارتوائها بمياه السيول أواخر أكتوبر/ تشرين الثاني المنصرم، دون استخدام الريّ الارتوازي، وبدون سماد كيميائي، وهي عملية قال إنها “حوّلت حقله هذا إلى تجربة بحثية من قبل الجمعية الوطنية للبحث العلمي والتنمية المستدامة”.
زراعة نظيفة
وقال أستاذ الفاكهة المساعد بكلية “ناصر” للعلوم الزراعية في جامعة لحج، الدكتور أحمد بطم بن هيفاء، إن “الكمبوست” هو سماد عضوي صناعي، يتم إنتاجه عبر التخمير الهوائي للبقايا النباتية، كالأوراق والسيقان والتبن والقش والحطب وغيرها، وخلطها مع مخلفات الحيوانات، ورشّها بالماء وتقليبها من حين إلى آخر، حتى تتحلل بفعل الميكروبات.
ويشير بن هيفاء، إلى أهمية سماد “الكمبوست” في تحسين خواصّ التربة الزراعية، وتزويد النباتات بالعناصر الغذائية التي تحتاجها، إضافة إلى إسهامه في التخلص من مخلفات المزارع التي قد تسبب تلوثها.
ويواجه القطاع الزراعي في اليمن تحديات أفرزتها الحرب على مدى 9 سنوات، تضاعفت مؤخرًا مع بدء ظهور تداعيات التغيرات المناخية وانعكاسها على شح الموارد المائية وارتفاع نسبة التصحّر، ما دفع البلد إلى المرتبة الثالثة عالميًا في قائمة أكثر البلدان عرضة لتغير المناخ وأقلها استعدادًا لصدماته، وفق الأمم المتحدة.
وأكد مدير عام الغابات ومكافحة التصحّر في وزارة الزراعة والريّ والثروة السمكية، المهندس فاروق طالب، في تصريح سابق لـ”إرم نيوز”، أن نسبة التصحّر في اليمن حتى العام 2023 وصلت إلى 17.5%، بزيادة تصل إلى ضعف إنتاجية الأرض، بعد أن بلغت نسبتها خلال العام 2015 إلى 8.87%، وذلك نتيجة لظروف الحرب وارتفاع المدخلات الزراعية.
تصالح مع البيئة
ويقول الخبير الزراعي، المهندس عبدالقادر السميطي، عضو الجمعية الوطنية للبحث العلمي والتنمية المستدامة، إن شكاوى الاختصاصيين الزراعيين ازدادت مؤخرًا من أضرار الاستعمال العشوائي للأسمدة الكيميائية وتلويثها للأراضي الزراعية، التي تمتص معادن السماد بشكل سريع ومفرط، على عكس الأسمدة العضوية التي لها القدرة على التفكك ببطء من طرف البكتيريا المنشطة، ما يسمح للتربة بامتصاص العناصر الغذائية على نحو تدريجي وبطريقة سهلة وميسرة، تحتفظ بتوازنها ولا تلحق ضررًا بتركيبة التربة، بل تحسّن من خصائصها الكيميائية والفيزيائية.
ويشير، إلى أن الجمعية الوطنية للبحث العلمي والتنمية المستدامة أشرفت خلال الفترة الماضية على تدريب أكثر من 220 مزارعا ومزارعة ومهندسا ومرشدا، في محافظتي أبين ولحج، على كيفية إنتاج الأسمدة العضوية واستخدامها في مزارعهم وحقولهم، ولديها برامج توعوية بشأن أهمية السماد العضوي في إنتاج غذاء صحي، إلى جانب الدور الكبير الذي قامت به منظمة “كير” الدولية في تدريب أكثر من 650 مزارعا في المحافظتين.
وأعرب السميطي عن أمله في أن تقوم الجهات الحكومية المختصة والمنظمات الدولية بدعم مشاريع إنتاج هذا النوع من السماد، نظرًا لأهميته في مواجهة التحدّيات الماثلة أمام القطاع الزراعي والحدّ منها، ودوره الحيوي في الحفاظ على البيئة وتصالحه معها، وتعويض ما أحدثته المواد الكيميائية من أضرار.