كتب .. د. عمــر العــــودي
يمكن تعريف الذاكرة الوطنية في انها تمثل مجموعة من الأحداث وادبيات الحركات الوطنية التي تجسد الأفكار والمشاعر التي تربط بين أفراد الأمة الواحدة، وتخلق لديهم إحساسًا بالانتماء المشترك والوحدة الوطنية.
وتتشكل الذاكرة الوطنية من خلال مجموعة من المصادر، مثل النقوش والاثار التاريخية و تاريخ وادبيات وبرامج الحركة الوطنية وسيرة رجالها واسهاماتهم في النضال ضد الظلم والاستبداد من اجل المشروع الوطني الجامع الذي يحقق العدالة والديمقراطية ودولة النظام والقانون والمواطنة المتساوية و يحافظ على الهوية الوطنية والسيادة الوطنية على الارض، اضافة الى انها تستمد طبيعتها من الأدب والفن والتراث الشعبي.
*اهمية الذاكرة الوطنية
للذاكرة الوطنية أهمية كبيرة في حياة الشعوب ، فهي تساعد على:
* تعزيز الوحدة الوطنية وخلق شعور بالانتماء المشترك بين أفراد الأمة بعيد عن العصبيات المذهبية والطائفية والمناطقية والنضال ضد الظلم والاستبداد من اجل العدالة الاجتماعية.
* الحفاظ على الهوية الوطنية و التراث الوطني الثقافي للأمة ونقل قيمها وأخلاقها، وسيرة الشخصيات الوطنية واهم المنعطفات في حياتهم وظروف استشهادهم او تعرضهم لبطش الانظمة الاستبدادية إلى الأجيال القادمة لتاخذ منها الدروس والعبر وتكون بمثابة شعلة مضيئة تنير درب النضال للاجيال القادمة لمواصلة المشوار الذي بدأه الاباء والاجداد المناضلين الشرفاء.
* بناء الهوية الوطنية وتعزيز الشعور بالفخر بالوطن.
*الفترة الزمنية المستهدفة من بداية القرن العشرين وما قبلها
تستهدف الذاكرة الوطنية في اليمن الأحداث المتتالية و منعطفات الحركة الوطنية اليمنية والأفكار وادبيات الحركات الوطنية التحررية التي حدثت في اليمن منذ بداية القرن العشرين وحتى يومنا هذا. وتشمل هذه الفترة مجموعة من الأحداث المهمة التي تركت أثرا بشكل كبير على تاريخ اليمن الحاضر و وبالتالي ستكون لها تاثيرات على تاريخ اليمن في المستقبل ، مثل:
*الحركات التحررية ضد الاحتلال الحبشي والفارسي لليمن قبل الاسلام.
*الحركات المقاومة للاستعمار في القرون السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر
* ثورة 1948 و1955 وثورتي 26 سبتمبر و 14 اكتوبر التي أطاحت بالحكم الإمامي في الشمال والاستعمار البريطاني في الجنوب وتحقيق الاستقلال الناجز في 30 نوفمبر 1967.
*نضال القوى الوطنية ضد الظلم واستبداد السلطة في الفترة منذ حصار السبعين حتى تحقيق الوحدة اليمنية عام 1990م
* الوحدة اليمنية في عام 1990 وجرائم النظام في حرب 94 القذرة.
*الثورة الشبابية السلمية عام 2011 وما حققته من التوافقات التي انقلبت عليها رموز الدولة العميقة المعادية لاي مشروع للدولة المدنية الحديثة.
* الحرب الأهلية اليمنية وحرب الاقليم على اليمن وعودة الامامة بلباس الجمهورية التي بدأت عامي 2014 و 2015.
التحديات التي تواجهها الذاكرة الوطنية
تواجه الذاكرة الوطنية في اليمن عددًا من التحديات، منها:
* عدم وجود توافق على الأحداث التاريخية التي يجب حفظها نتيجة انعدام الدراسة الفاحصة والمنهجية والقراءة الموضوعية للاحداث بسبب انعكاس حالات التعصب القبلي والطائفي والمناطقي في الكتابات التي تعتبر مصادر للذاكرة الوطنية
* غياب الاهتمام بالتراث الثقافي اليمني.
* الصراعات السياسية والحروب الداخلية المتكررة التي تؤثر على سرد الأحداث التاريخية.
ورغم هذه التحديات، إلا أن هناك جهودًا يمكن ان تبذل لتعزيز الذاكرة الوطنية في اليمن، مثل:
* إنشاء المتاحف واثراءها اضافة الى المراكز الثقافية التي تهتم بالتاريخ اليمني.
* نشر الكتب والدراسات التي تتناول التاريخ اليمني وتاريخ الحركة الوطنية .
* تنظيم الفعاليات الثقافية التي تسلط الضوء على الحركة الوطنية اليمنية و التراث اليمني( ندوات، احياء. ذكرى المناضلين و رواد الذاكرة الوطنية)
*جعل الذاكرة الوطنية. ومحتواها متاحا لكافة الشباب ولا تظل حبيسة الادراج من خلال استخدام وسائل التقنيات الحديثة ، وعمل منصات لنشر محتوى الذاكرة الوطنية بسهولة لكل الشباب والباحثين والمهتمين.
وفي حالة تجاهل العمل على بناء الذاكرة الوطنية بشكل موضوعي وعلمي ممنهج فان انعكاسات ذلك سيكون توسع المشاريع الطائفية والمناطقية على حساب اي تراجع للذاكرة الوطنية التي تستطيع ان تتغلب على المشاريع اللاوطنية .
ومن المتوقع أن تستمر الذاكرة الوطنية في اليمن في التطور والازدهار في المستقبل، اذا ما تآزرت جهود الجميع من ابناء اليمن الشرفاء من اجل بقاء الذاكرة الوطنية منتعشة لتقف ضدا على كافة المحاولات لطمسها واستبدالها بملئ ذاكرة الشباب بالفكر الطائفي والتعصب الديني والمناطقي الذي ينتج عنه ضرب الهوية الوطنية والنسيج الوطني والاجتماعي في الصميم وتراجع بناء الدولة المدنية الحديثة.