عبدالرحمن الكناني
كاتب جزائري
الأصوليون الإسلاميون المتمركزون في خارطة الشرق الأوسط الكبير، رمز فرقة، هي انعكاس لفرقة الملل والمذاهب، العاجزة عن التوحد في إطار اجتماعي متماسك، وهم يسعون لإسقاط كل مشروع وطني، أصابوا الولايات المتحدة بخيبة أمل كبرى حين فشلوا في تفعيل دورهم المناط بهم، وإيجاد شركاء فاعلين ومصادر تيسر لهم بناء استراتيجيات تكتيكية، تبسط الأرض لتنفيذ المخطط الوارد من حاضنتهم الكبرى رغم إطلاقهم لخطاب الحداثة الديني المدني.
اللاعبون في نزال سياسي بأدوات إسلاموية لا تقرها في الأساس مبادئهم الأصولية الفقهية، المركونة تجاوبا مع قانون مدني يحاصر النزعات الأصولية والمذهبية والعرقية والعصبية من أجل الحفاظ على وحدة مجتمع متماسك، ألقوا بعمامة التزهد، وأوقفوا طقوس العبادة في محراب ناسك متعبد، وتفرغوا لتجميع ما اختزنوا من فنون اللعب على إثارة العواطف القادرة على اجتذاب كما بشريا ضعيفا لا يفقه جوهر الحكمة، ولا يدرك قدرة استكشاف سوء النوايا التي تهد أركان مجتمع مدني معاصر حسم نزالات التحدي وأرسى دعائم الاستقرار برؤية لا تمت إلى التعصب الأصولي بشيء.
لكن الأصوليين المتلحفين بلباس ديني فضفاض تموقعوا في دائرة ما أسمته الإستراتيجية الأميركية الراهنة بـ”الإسلام المدني الديمقراطي” فهم الغطاء الفكري والأداة التنفيذية لسياسة حاضنتهم الكبرى الحزب الديمقراطي في مجابهة ما يعرف بـ”التطرف الإسلامي” حسب ما هو وارد في الخطاب الغربي الراهن.
فالديمقراطية المصطنعة على مقاس أصولي متطرف استثنائي، فتحت الباب على مصراعيه لولوج قوى غير مؤهلة حضاريا في بناء مجتمع مدني متطور، رسمت الإدارة الأميركية لها أدوارها، وضبطت لها أسلوب أداء أدوارها في بث الفوضى الموصوفة نفاقا بـ”الخلاقة”.
حالتان متناقضتان لا يجمعهما قانون طبيعي، حداثة بمضامين أصولية كخطين متوازيين لن يلتقيا أبدا، في إنشاء مؤسسات ليبرالية – دينية بديلة لواقع مدني حضاري، تتيح للمفكر الأميركي فرصة صياغة الفكر الإسلامي عبر شبكة قنوات إعلامية تعليمية دينية تبث في خارطة العالم الإسلامي بكل مذاهبة وأطيافه، لتؤثر في الفئات الأكثر ضعفا ماديا ومعنويا.
وفي واقع الأمر، لا شيء تبدل، سوى الإخلال بصدق النوايا، فالتمظهر الديني “السياسي” لم يكن سوى ليبرالية عبثية أنتجها الفكر الأميركي، أطلقت على نفسها مصطلح “الإسلام الديمقراطي المدني” بغية التجاوب عبثا مع استحقاقات التقاليد الديمقراطية الحديثة، والتناغم مع الغرب الديمقراطيّ الليبراليّ، متناسين أن عالم اليوم هو عالم نظم اتصالية، وليس عالم مبادئ عقائدية لها شكل بلا مضمون.
“الإسلام السياسي” المنعزل بذاته، المنتعش في زمن الفوضى الخلافة، أداة خراب تشتت المجتمع الواحد، بجعله مجالا مغلقا بقوانين عزلتهم، لن يكون بديلا عن الأمة أو وجها زائفا لها.
نقلاً عن “ميدل إيست أونلاين”