كريتر نت – متابعات
إسرائيل وحزب الله يلتزمان إلى حد الآن بقواعد الاشتباك الجاري منذ التوتر بعد هجوم السابع من أكتوبر، لكن من غير المستبعد أن توسع إسرائيل هجماتها على حزب الله حتى لا تتحول الجبهة الشمالية إلى حرب استنزاف وتسمح للحزب بالاستمرار في تهديد أمن سكان المدن والقرى الحدودية، فأشكال التصعيد قد تحتد وتتسع، لكنها تظل دون انخراط في حرب شبيهة بحرب 2006.
لندن- من غير المرجح أن يشهد لبنان غزوا واسع النطاق، لكن إسرائيل ستدرس في الأسابيع المقبلة خيارات تدابير تصعيدية تشمل ردودا أقوى ضد حزب الله. ويزيد هذا من خطر نشوب حرب متعددة الجبهات وطويلة الأمد، حيث تتصاعد الهجمات المتبادلة على الحدود الإسرائيلية اللبنانية، ويهدد السياسيون الإسرائيليون بعمل عسكري واسع النطاق ضد حزب الله اللبناني.
وقال قائد الجيش الإسرائيلي الجنرال هرتسي هاليفي في 10 يناير لقواته إن الحكومة ستضعكم في الأماكن الضرورية لتأمين الحدود الشمالية.
وطلبت وزارة الصحة الإسرائيلية المستشفيات الشمالية الاستعداد لاستقبال عدد كبير من الضحايا والتخطيط لاضطرابات محتملة في الإمدادات الطبية إن وقع هجوم واسع النطاق. وتتبع هذه التعليقات والتحذيرات تصعيدات بين إسرائيل وحزب الله شهدت استهداف تل أبيب لقادة عسكريين بارزين في حزب الله في بيروت ورد حزب الله بمحاولة ضرب أهداف عسكرية إسرائيلية إستراتيجية.
وتندرج هذه الحوادث ضمن نمط أوسع من التصعيد المتواصل بين الجانبين حيث يتهيأ حزب الله لشن هجمات تضامنية مع حماس، بينما تهدف إسرائيل إلى إنشاء نموذج إستراتيجي جديد يبطئ قدرة المسلحين على عبور الحدود بعد هجوم حماس السريعة في 7 أكتوبر.
واعتمدت إسرائيل وحزب الله عقيدة الردع المعتدل منذ حرب 2006. وتواجه الجانبان في اشتباكات رمزية أو اقتصر انتقامهما على مرتفعات الجولان. وكان هذا بعد أن خلصت القيادات السياسية من الجانبين إلى أن نتائج حرب 2006 غير الحاسمة فرضت تكلفة اقتصادية وعسكرية باهظة.
◙ الإستراتيجية العسكرية الإسرائيلية تقوم على اعتماد التصعيد المستمر للضغط على حزب الله حتى يتراجع عن الحدود
واقتصر القتال مع حزب الله على الحدود، مما تطلّب عمليات إجلاء على كلا الجانبين. وفر حوالي 80 ألف إسرائيل من الحدود الشمالية خشية مواجهة هجوم على نمط 7 أكتوبر من حزب الله أو المسلحين الفلسطينيين المتمركزين في لبنان، ويقول قادة الجيش الإسرائيلي إنهم لن يدعموا العودة إلى الديار حتى ينشئوا حاجزا رادعا لحزب الله.
وتتواجد بالفعل منطقة عازلة تابعة للأمم المتحدة من المفترض أن تراقبها قوات حفظ السلام التابعة للمنظمة، في إطار قوتها المؤقتة في لبنان وأن تفرضها القوات المسلحة اللبنانية بموجب قرار الأمم المتحدة رقم 1701 لسنة 2006. لكن هذا القرار لم ينفذ قط، ويتمتع حزب الله بحرية العمل في جنوب البلاد.
وأشار حزب الله إلى أنه لن يحقق أية مصلحة في التصعيد إلى حرب كبرى، لكن هذه الإشارات لا تلقى آذانا صاغية في إسرائيل، حيث أعاد السياسيون والمدنيون والمؤسسة العسكرية صياغة وجهات نظرهم حول المخاطر على حدود إسرائيل بعد 7 أكتوبر.
وتعمل حماس نفسها على بناء قواعد في جنوب لبنان إلى جانب جماعات مسلحة أخرى، مما يحفز إسرائيل على اتخاذ إجراءات هناك.
تتمثل الإستراتيجية العسكرية الإسرائيلية المستمرة في اعتماد التصعيد المستهدف للضغط على حزب الله حتى يتراجع عن الحدود.
وتعتمد هذه الإستراتيجية على التصعيد المطرد للهجمات المستهدفة على قادة حزب الله العسكريين، واغتيال قادة حماس في عمق لبنان للإشارة إلى التهديدات الوجودية للقادة وإقناعهم بقبول مواقع أضعف على الحدود الإسرائيلية دون شن عمليات برية كبرى.
وتتطلب هذه الاستراتيجية موارد عسكرية إسرائيلية أقل وتسمح بإبقاء الحدود الشمالية في حماية جنود الاحتياط، مع ترك الوحدات القتالية على الخطوط الأمامية لعملياتها في قطاع غزة.
لكن هذه الإستراتيجية تخلق حوافز سياسية جديدة تشجّع حماس وحزب الله على الانتقام مباشرة من إسرائيل بسبب عملياتها المستهدفة، وخاصة إثر اغتيالها كبار القادة والمسؤولين. ويضاعف هذا الانتقام الضرورة الإستراتيجية التي تراها إسرائيل في دفع المسلحين بعيدا عن الحدود للحد من فعالية هجمات خصومها.
اغتال الجيش الإسرائيلي عددا من قادة حزب الله وحماس البارزين منذ أكتوبر 2023، وكان منهم نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري الذي قُتل في بيروت ضمن حملة للإشارة إلى التهديد الوجودي الذي يواجهه هؤلاء المسؤولون بسبب تحرّك الجماعات العسكري.
وزاد حزب الله من نطاق هجماته على شمال إسرائيل انتقاما للاغتيالات، واستهدف مقر القيادة الشمالية للجيش الإسرائيلي في مدينة صفد.
◙ حزب الله زاد من نطاق هجماته على شمال إسرائيل انتقاما للاغتيالات، واستهدف مقر القيادة الشمالية للجيش الإسرائيلي في مدينة صفد
وإذا فشلت الإستراتيجية العسكرية الإسرائيلية الحالية في فرض منطقة عازلة، فمن المرجح أن تصعّد تل أبيب بشنّ هجمات أكبر على بنية حزب الله التحتية العسكرية لزيادة الضغط المسلّط على الجماعة المسلحة، بما في ذلك باعتماد الغارات البرية المستمرة وتوجيه ضربات أعمق خارج المنطقة الحدودية الجنوبية.
ومن المرجح أن يشمل سيناريو التصعيد هذا المزيد من المدفعية والدبابات والقوة الجوية ضد مواقع حزب الله الراسخة، مع احتمال شن قوات العمليات الخاصة غارات محدودة على المدى القصير، ولكنه لن يشمل إرسال قوات حاشدة داخل الأراضي اللبنانية.
ويهدف هذا التصعيد إلى جعل حزب الله ولبنان يدركان أن إسرائيل تستعد لتوغلات برية واسعة النطاق يمكن أن تشعل حربا واسعة النطاق.
ويمكن أن تبدأ هذه الحملة حتى قبل أن ينهي الجيش الإسرائيلي عملياته في غزة وتعود الوحدات القتالية في الخطوط الأمامية إلى الشمال، لأنه سيعتمد على سلاح الجو الإسرائيلي وألوية الاحتياط المنتشرة في المنطقة بالفعل.
لكن هذه الإستراتيجية قد تتسبب في مقتل المزيد من المدنيين بما يحفز المسلحين على تصعيد عملياتهم الانتقامية ضد إسرائيل، في الوقت الذي يسعى فيه حزب الله إلى إظهار قدرته على الصمود في وجه الهجمات وتعزيز شرعيته باعتباره مدافعا عن لبنان.
وحصّن حزب الله جزءا كبيرا من جنوب لبنان بالمخابئ وغيرها من البنى التحتية المصممة للتخفيف من القصف المدفعي والجوي الإسرائيلي، مما يبقي طبيعة الضرر الذي يمكن أن يسببه الجيش الإسرائيلي مع هذا النوع من التصعيد غامضة، ويمنح الجماعة القدرة على مقاومة هذه الجهود.
قد تخلّف الحملة الجوية والمدفعية المتصاعدة المزيد من الضحايا المدنيين، مما يزيد من عزلة إسرائيل دبلوماسيا ويدفع الحكومة اللبنانية إلى الاقتراب من دعم حزب الله بدلا من الضغط عليه للانسحاب.
وتسيطر وحدات احتياطية على الجبهة الشمالية حاليا، بينما تنتشر ألوية القيادة الشمالية، مثل لواء غولاني، في الخطوط الأمامية في غزة.
وستلتجئ إسرائيل إلى التوغلات البرية على مستوى الكتائب في جنوب لبنان إذا فشلت هذه الهجمات الأكثر انتشارا، لتطهير الأراضي والإشارة إلى أنها تستطيع أن تصعد إلى غزو واسع النطاق.
وتضبط إسرائيل نفسها عن اختيار غزو واسع النطاق لأن احتلال غزة يعني أن مواردها ستستنزف. كما أنها ليست حريصة على الاستيلاء على الأراضي في لبنان والاحتفاظ بها بشكل دائم كما فعلت من 1982 إلى 2000.
لكنها قد تشير إلى وجود هذا الخيار بتنفيذها توغلات برية محدودة بكتائب كاملة في جنوب لبنان ومع ألوية الخطوط الأمامية التي ستكون قادرة على الاستيلاء على الأراضي والاحتفاظ بها مؤقتا.
وستركز هذه العمليات على تطهير الأراضي والاحتفاظ بها، وتدمير البنية التحتية التي يعتمدها حزب الله، وإلحاق أكبر قدر ممكن من الضرر بقدرات الجماعة العسكرية وبمقاتليها قبل الانسحاب من المنطقة. وقد تستمر هذه الحملة أشهرا. كما قد تقترن هذه الإستراتيجية بحملة جوية متصاعدة في جميع أنحاء لبنان قد تشمل ضربات عميقة في قلب حزب الله في وادي البقاع وضربات على بيروت.