فايز بن عبدالله الشهري
التطرّف (عمومًا) لم يمت ولن يموت؛ لأنه حالة ذهنيّة تتخصّب في أيّ بيئة تحجب دور العقل والحوار ليظهر التطرّف قولًا وسلوكًا عند فئات محدّدة. والمعنيّ بهذا التوصيف ليس التطرّف الديني فقط، وإنما كل سلوك غير عقلاني يغذيه الولاء الشديد لأيديولوجية أو معتقد أو قضية معينة، إذ يمكن أن يظهر التطرف في مجالات مختلفة، مثل الدين أو السياسة أو الرياضة أو أي مجال آخر، وبحسب تحليلات الخبراء وما يقيسه الذكاء الاصطناعي فإن هناك العديد من الأسباب والعوامل المحتملة التي تساهم في تطور التطرّف، أحد أبرز هذه الأسباب هو ميل الإنسان في ظروف معيّنة للبحث عن الهوية والمعنى في الحياة، ولهذا يمكن أن يكون الأفراد الذين يشعرون بنقص الهدف أو الانتماء أكثر عرضة لأن يصبحوا متعصبين لحاجتهم لربط أنفسهم بشدة بأيديولوجية أو مجموعة معينة تعطي لهم ولحياتهم المعنى والغاية.
وبطبيعة الحال لا يمكن إغفال آثار العوامل النفسية مثل الخوف، وانعدام الأمن، والرغبة في السلطة والسيطرة في تنشيط الشخصية ذات القابلية للتعصب، وهنا يأتي دور المستثمرين في الظرف الاجتماعي والسياسي من ذوي التطلعات، وأحيانا الأجندات وهم غالبا من ذوي الشخصيات الكاريزمية التي تجيد التلاعب بنقاط الضعف هذه لتجنيد الأفراد والتدليس عليهم لبناء منظومة عمقها التطرّف ذات شرعيّة (دينية/ سياسية/ ثقافية).
وعادة ما يستعيد فكر التطرّف عافيته ويبدأ التغلغل في أوقات “التوهان الاجتماعي” ومع غياب البوصلة الفكرية الرشيدة.
ومن العجيب أن كثيرين -حتى من الخبراء- لا يلتفتون لخطر التطرف في مرحلة النمو البطيء أو استعادة المرتكزات، والسبب أن فكر التطرف مراوغ إذ تجده يراوح على حافتي الرغبة والمبدأ عند المجتمع، وكذا الفرد حتى يستحكم على عقلية معتنقيه ويوسع دائرة أنصاره ومن ثم يضع معاييره التي تغدو (جماهيريا) موازين قياس التدين أو الولاء للفكرة أو المشروع أو حتى للقبيلة والوطن، والمحصلة النهائيّة أن فكر التطرف لا يعيش ويزدهر إلا مع الصراع الذي يبدأ بأشكال تبدو فكرية حضارية (في البداية) سواء باسم الاختلاف والتنوع، أو باسم حرية التعبير ثم يزدهر ويستنبت رموزه ومؤسساته وعندما يشتد عودها تصبح نداً شرسا يفاوض المؤسسات، وأحيانا يبتزّها بيد، ويلوّح بالعنف في يده الأخرى.
وفي هذه المرحلة المتقدمة يصعب العلاج بالتثقيف والتوجيه أو البحث عن دور التعليم والإعلام، أو حتى سبل تعزيز الحوار أو مبادرات التسامح والتفاهم، والسبب أن فكر التطرف بات مؤسسات ورموزا لها مصالحها (وأحيانا قدسيّتها) وحساباتها البعيدة عن جذر الفكرة (مهما كانت نبيلة) التي “تعنقدت” حولها هذه المجموعة أو تلك. ومما يزيد المشكلة تعقيدا في عصرنا الحاضر أن بناء بيئة التعصّب الجمعية والفردية محتمل ولا يتطلب وقتا طويلا، في حين أن تفكيك ذهنية التطرف وبناء مجتمع متسامح أصعب بكثير في عصر تدفق المعلومات، وتوظيف القوى المتصارعة لفكر التعصب والتطرف ضمن أدوات المنافسة.
قال ومضى:
إذا لم تستطع قول الحقيقة، فلا أقل من أن تفضح خصومها.
نقلاً عن “الرياض”