كتب : محمد علي محسن
القادة الحقيقيون هم أولئك الذين يحيلون ضعفهم الى قوة ، كما ويتغلبون على رغبة الانتقام من أجل الظفر بغاية اكبر وأعظم .
فالقائد ليس اسمًا ولا رتبة ولا جاهًا ، وانما أفعال وقدوة وافكار وغاية نبيلة وعادلة . بهذه فقط يمكن إجبار الخصوم للامتثال للحق وان طال أمده ، فالقائد الناجح على استعداد دائب للتضحية بالمكاسب الشخصية ، بل وحياته في سبيل أن تنتصر قضية عادلة .
تذكرت الان كم كان ” نيلسون مانديلا ” إنسانًا عظيمًا وهو يغادر سجنه يوم ١١ فبراير ١٩٩٠م وبعد ٢٧ عامًا قضاها في زنزانته ؛ كي يؤسس لجمهورية جنوب افريقيا الجديدة ، فلو أنه آثر الانتقام من البيض مثلما هي أمنية زوجته أو رفاقه في السجن ؛ لربما بقت جنوب افريقيا خارج التاريخ .
ففي اللحظات الفارقة تتجلى حنكة القادة السياسيين ، كما وفي الملمات الصعبة والمؤلمة تُصقل تصرفاتهم ، فما من قائد سياسي ناجح يولد من الفراغ ، أو أنه بمقدوره الارتقاء لسلم المجد والشهرة دونما كلفة وعناء .
فالقائد يمايز عن سواه بأنه لا يخضع لمشاعره أو رغباته ونزواته الذاتية ، وانما يتوجب عليه اتخاذ ما يراه صائبًا ومنطقيًا وعادلًا ، فلا متسع في مثل هذه الظروف لغير التفكير البعيد ، ولغير الأفكار والرؤى والغايات الكبيرة .
نعم ، الشجاعة مقدمة وعلى ما سواها ، وفي سبيل ذلك كان على مانديلا أن يخسر زوجته وعدد من رفاقه وكثير من شعبه ، وبرغم ذلك أستطاع وبحكمة الرجل السبعيني أن يكسب الرهان ومن خلال أول انتخابات حرة ونزيهة يوم ٢٧ ابريل ١٩٩٤م ؛ ففي هذا اليوم العظيم أُنتُخب وبغالبية كاسحة رئيسًا للدولة الجديدة .
فلأول مرة في تاريخ هذه البلاد يكون للغالبية السوداء حقًا وصوتًا وسلطة ، وبعد فترة نيفت القرن من الزمان على تاريخ مقاومتهم للنظام العنصري .
ولا أظن المسألة مقتصرة على مانديلا ، وانما هناك عظماء سبقوه مثل المهاتير غاندي الذي أرادها مقاومة سلمية أسماها ” ساتيا جراها ” وتعني المقاومة السلمية ، وبرغم المؤاخذ على أدواته السلبية وفق وصف بعض رفاقه ، قدر له في المنتهى انتزاع الحرية ونيل الاستقلال من بريطانيا عام ١٩٤٨م .
نعم ، ليس لدينا عينة من مانديلا أو غاندي ، ولكن لا يعني بالضرورة فقدان لقدوة الريادة والحق والنُبل ؛ فليس هنالك ما هو أخطر من فقدان المجتمعات للقدوة الوطنية الحسنة ، فأكبر آفة تصيب المجتمعات بمقتل هي فقرها للقدوة الحسنة .
السؤال الملح الآن : اين هم القادة السياسيين القادرين على مواجهة التحديات الماثلة وهي كبيرة وعظيمة ؟ ولماذا لم نعد نرى غير سفينة بلد متعثرة وغارقة بسبب قادة طارئون وفاسدون ولا توجد لديهم الجرأة أو الخبرة أو الغاية الوطنية العادلة ؟ .