كريتر نت – متابعات
فرضت تحديات داخلية وخارجية عاجلة على الحكومة المصرية توسيع صلاحيات الجيش بشكل يتيح له رسميا التدخل في ضبط الأمن والاستقرار داخل البلاد وحماية منشآت الدولة وضبط انفلات الأسواق، في ظل تأزم الوضع الاقتصادي وإمكانية اتخاذ قرارات قاسية قد تثير غضب المواطنين.
وقد وافق مجلس النواب المصري على مشروع قانون “حماية المنشآت الحيوية” المُقدم من الحكومة، ويمنح ضباط القوات المسلحة صلاحية الضبط القضائي في الجرائم التي تضر باحتياجات المجتمع الأساسية من سلع ومنتجات تموينية، ومشاركة الشرطة المدنية في تأمين المنشآت ومواجهة تهديد مقومات الدولة حفاظا على الأمن القومي.
وقد نوى النظام المصري زيادة حضور الجيش في الحياة المدنية إثر استشعار الحكومة زيادة منسوب القلق وخوفها من تحرك الشارع الذي يئن من الغلاء واختفاء بعض السلع، وتزامن ذلك مع بروز تحديات خارجية في كل من غزة والسودان وليبيا، فضلا عن الخلاف بين مصر وإثيوبيا.
النظام ينوي زيادة حضور الجيش في الحياة المدنية إثر زيادة القلق والخوف من تحرك الشارع الذي يئن من الغلاء
ويسمح القانون الجديد بإخضاع الجرائم التي تقع على المنشآت والمرافق العامة والحيوية والتلاعب بأي نوع من أنواع الخدمات والسلع الأساسية لاختصاص القضاء العسكري، وهو توجه يدل على الصرامة والحسم في التعامل مع كل من يفكر أو يخطط لإحداث توترات أو يوظف الأزمات في تأجيج الشارع.
وشهدت جلسة البرلمان الأحد موافقة بأغلبية كاسحة على تعديلات قانون القضاء العسكري، وشملت إضافة درجة الاستئناف للجنايات التي ينظرها القضاء العسكري، تماشيا مع الدستور (استئناف الجنايات على درجتين)، وهو تحرك يستهدف طمأنة بعض المعترضين على المحاكمات العسكرية بأنها تسمح بالتظلم والاستئناف.
وتعتقد دوائر سياسية أن زيادة الاعتماد على المؤسسة العسكرية تتضمن رسائل توحي بشعور النظام المصري بأن الغضب من الأزمة الاقتصادية قد تستثمره قوى معادية، ما يفرض استحضار الجيش كمؤسسة نظامية مؤتمنة وعدم عودة الاضطرابات إلى البلاد.
ومرر البرلمان المصري في أكتوبر 2021 تعديلات مرتبطة بمشاركة الجيش في حماية وتأمين المنشآت الحيوية، وتعلقت بقطاعات مثل أبراج الكهرباء وخطوط الغاز والسكك الحديد وحقول البترول وشبكات الطرق والكباري، ولم يحدد القانون الجديد قطاعا بعينه، ما يمهد للتوسع في صلاحيات المؤسسة العسكرية في الشق المدني.
وارتبط حضور الجيش المصري في الحياة المدنية بسريان حالة الطوارئ التي ألغيت منذ ثلاث سنوات، ولعل ذلك راجع إلى أن السلطة تتجنب ربط استدعاء المؤسسة العسكرية لضبط زمام الأمور وقت التحديات باستمرار حالة الطوارئ، لما يشكله ذلك من تخوفات حقوقية وما يوصله من رسائل ذات مضامين سلبية إلى الرأي العام سواء محليا أو دوليا، إضافة إلى تداعياته على السياحة والاستثمار.
ويخشى معارضون من توظيف القانون الجديد في زيادة المحاكمات العسكرية للمدنيين بشكل يعمق أزمة الحريات السياسية، إذ أصبح مسموحا للقضاء العسكري بالنظر في الجرائم المرتكبة بحق المنشآت وتلك التي تهدد الأمن والاستقرار أو ترتبط بالإضرار باحتياجات المجتمع الأساسية دون ضوابط لمسار المحاكمة العسكرية.
ونشأ القضاء العسكري في مصر عام 1966، واختص بالنظر في القضايا التي يكون العسكريون طرفا فيها أو تحدث داخل المنشآت العسكرية، لكن تعديلات تشريعية سمحت بمحاكمة مدنيين أمامه في الجرائم التي ترتكب بحق المنشآت العامة والحيوية أو تتعلق بالسلع الأساسية، وأغلب قضاة المحكمة من الخبراء في القانون.
ويؤيد مواطنون محاكمة مرتكبي الجرائم المرتبطة بالسلع والخدمات الضرورية أمام القضاء العسكري لردع الفاسدين والمحتكرين والمتاجرين بقوت الناس، في ظل إخفاق الحكومة ومؤسساتها المدنية الهشة في ضبط إيقاع السوق ومنع استغلال الأزمة الاقتصادية لجني المزيد من المكاسب بشكل غير مشروع.
وتدرك دوائر رسمية أن صبر المصريين على ظروفهم المعيشية الصعبة ربما لا يستمر طويلا، ما يستدعي زيادة حضور الجيش في المشهد على مستوى التأمين العام. وكرس القانون الجديد تعامل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مع الجيش كأنه “حزبه السياسي” أو ذراعه الوحيدة القادرة على مساندته في مواجهة الأزمات.
وقال اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية السابق وعضو مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان)، إن القانون الجديد “يصب في مصلحة المواطن والأمن القومي، لأن الجيش مؤسسة وطنية تحمي المصالح العليا للدولة، وتستطيع بالحكمة والصرامة حمايتها من جميع التهديدات”.
وأضاف لـ”العرب” أن “وجود تحديات عديدة، في توقيت واحد، فرض وجود الجيش لتأمين المرافق والمنشآت، ويساعد القانون على تهيئة المناخ للاستثمار والسياحة لأن مقومات النجاح الاقتصادي مرهونة بتثبيت دعائم الاستقرار في الدولة، وتوجيه رسالة مباشرة يفيد مضمونها بأن مصر مستعدة لمواجهة التحديات”.
وبنى معارضون للقانون رؤيتهم على فكرة أن تدخل الجيش في الحياة المدنية كان مقبولا عندما عانت الدولة من عدم الاستقرار بعد ثورتي يناير 2011 ويونيو 2013، وتوسيع صلاحياته حاليا يثير تساؤلات حول وجود مخطط للمزيد من تغلغل الجيش، كبديل عن غياب القيادات المدنية التي تتمتع بالكفاءة والحزم.
ويقول مؤيدون إن ما يسمى بـ”العسكرة” ليس سُبة؛ فالجيش يتألف من عناصر مدنية انخرطت في صفوفه، وبما أن البلاد تواجه تهديدات وأزمات داخلية متراكمة، بالتزامن مع التحديات الإقليمية الخطيرة، صارت زيادة حضوره كمؤسسة صلبة عنصرا يطمئن المصريين على أمنهم.
ويدل توسيع صلاحيات الجيش بقانون خاص على احتدام الغضب المجتمعي المكتوم بشكل قد يفوق قدرة الشرطة على احتوائه، وانفلات الأسواق بما يتجاوز قدرة الحكومة على الإصلاح، وأنه لا بديل عن قوة عسكرية لمنع انفجار غضب محتمل، وأن السيسي فقد الأمل في الجهاز الإداري، وأن الحل يكمن في وجود جنرالات ينفذون تكليفاته.
وهناك وزراء ورؤساء هيئات مدنية يلجأون إلى تكليفات السيسي لتبرير بعض قراراتهم والتلكؤ في تصحيح الأخطاء، لكن القيادات العسكرية المنخرطة في قطاعات مدنية تستمد نفوذها من مواجهة العقبات على عين المكان ودون تردد، ما جعل السيسي يرتاح لهم وقت التحديات.
وأصبح الرئيس السيسي مقتنعا بأنه لم يعد أمامه المزيد من الوقت لمواجهة صارمة تقوم بها المؤسسة العسكرية في ظل شعور قوى خارجية بأن أزمات الداخل قد تجعل مصر ضعيفة ولا تستطيع الحضور بفاعلية في القضايا الإقليمية، وجاءت هذه الخطوة كمؤشر على أن الدولة لديها أدوات للضبط والمواجهة المزدوجة.