كريتر نت – متابعات
الحرب بين حماس وإسرائيل تضر باقتصادات مصر والأردن ولبنان، لكن تمتع القاهرة وعمان بقروض صندوق النقد الدولي يعني أنهما أصبحتا في وضع أفضل لمواجهة العاصفة مقارنة ببيروت.
ومع اقتراب الحرب بين إسرائيل وحماس من شهرها الخامس، أصبحت الخسائر الاقتصادية التي خلّفتها الحرب على الجيران الإقليميين أكثر وضوحا. وأعرب صندوق النقد الدولي والبنك الدولي عن قلقهما من تبعات الصراع المستمر على اقتصادات مصر ولبنان والأردن بسبب قربها الجغرافي.
وجاء في تقرير نشره موقع ستراتفور أن بعض القطاعات (كالطاقة) انتعشت بعد الصدمة الأولية لاندلاع حرب غزة، لكن الغموض الإقليمي خلّف آثارا دائمة على قطاعات السياحة والنقل والخدمات في المنطقة.
وقدرت الأمم المتحدة أن الأشهر الثلاثة الأولى للحرب كلفت مصر والأردن ولبنان 10.3 مليار دولار، وسيرتفع هذا المبلغ مع احتدام الحرب بين إسرائيل والمسلحين الفلسطينيين.
وكان تأثير الغموض الإقليمي سلبيا على السياحة والنقل في الأردن ومصر ولبنان. واجتمع مع المخاوف المتزايدة بشأن توسع الحرب القريبة بين حماس وإسرائيل بسبب الضربات البحرية الحوثية والتبادلات عبر الحدود بين حزب الله وإسرائيل، مما قوّض القطاعين المذكورين في مصر ولبنان والأردن.
وهاجم المسلحون الحوثيون المدعومون من إيران في اليمن السفن التي تعبر البحر الأحمر وخليج عدن منذ نوفمبر، مما غيّر طريق الشحن بعيدا عن المنطقة. وأثر ذلك على قطاع النقل عبر قناة السويس، ورفع تكاليف الشحن، وتسبب في انخفاض الإيرادات المصرية من الممر المائي الرئيسي.
وعلى الرغم من أن الحكومات المصرية واللبنانية والأردنية دعمت القضية الفلسطينية من خلال تقديم المساعدات وانتقاد التحركات الإسرائيلية في غزة، إلا أن المشاعر المؤيدة للفلسطينيين بين مواطنيها أضافت إلى التداعيات الاقتصادية من خلال تحفيز حركات المقاطعة ضد العلامات التجارية الغربية، ممّا أدّى إلى خسارة الوظائف وخفض ساعات الدوام بالنسبة إلى العمال المحليين.
وكانت هذه الاقتصادات المتضررة تواجه مشاكل بالفعل قبل حرب غزة بسبب ارتفاع معدلات البطالة، وانخفاض عائدات السياحة إثر الإجراءات التي فرضتها جائحة كوفيد – 19، وارتفاع تكاليف استيراد الحبوب بسبب حرب أوكرانيا.
مصر
الغموض الإقليمي بشأن حرب غزة خلّف آثارا دائمة على قطاعات السياحة والنقل والخدمات في المنطقة
توصل صندوق النقد الدولي في ظل هذه الأوضاع إلى اتفاقيتي قروض. وكانت الأولى مع مصر في ديسمبر 2022 والثانية مع الأردن في يناير 2024. كما توصل لبنان أيضا إلى اتفاق مبدئي مع الصندوق في أبريل 2022، لكن المؤسسة المالية لم تتمكن من وضع اللمسات الأخيرة بسبب عجز بيروت عن إجراء الإصلاحات المطلوبة. وحقق قطاع السياحة 12 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي المصري في 2023، و14.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الأردني، و24.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي اللبناني خلال 2022.
وشهد الشهر الأول من الحرب انخفاض الرحلات الدولية إلى مصر بنسبة 26 في المئة، وإلى الأردن بنسبة 49 في المئة، وإلى لبنان بنسبة 74 في المئة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي. كما أكّدت الصحف المحلية في الأردن ولبنان انخفاضا كبيرا في الاقبال على الفنادق منذ الحرب، لكن الأثر كان أقل على الفنادق المصرية.
وتوقع مرصد العمل الأردني في مطلع ديسمبر خسارة 15 ألف وظيفة في البلاد نتيجة للمقاطعة المعادية لإسرائيل والغرب عبر الإحجام عن التعامل مع الشركات الدولية مثل ماكدونالدز وستاربكس، وحذر من أن عدد الوظائف المفقودة قد يزداد إذا استمرت المقاطعة. كما أبلغ الموظفون المصريون الذين يعملون في العلامات التجارية العالمية عن ساعات عمل مخفضة وإجازات غير مدفوعة الأجر وتسريحات بسبب مقاطعات مماثلة.
وانخفضت إيرادات قناة السويس المصرية بين 1 و11 يناير بنسبة 40 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وانخفضت حركة الشحن بنسبة 30 في المئة، بسبب خطر هجمات الحوثيين البحرية.
وتوفر التجارة عبر الممر المائي مصدر دخل مهم لمصر، حيث حققت قناة السويس أرباحا قياسية بلغت 9.4 مليار دولار خلال السنة المالية المنتهية في 30 يونيو 2023.
على الرغم من استمرار الرياح الاقتصادية المعاكسة، ستواصل مصر متابعة المشاريع الضخمة المصممة لتوسيع قطاع السياحة وحجم الحركة البحرية التي يمكن أن تعبر قناة السويس
ومن المرجح أن تشدد مصر سياساتها النقدية والمالية خلال الأشهر المقبلة، بهدف إطلاق التمويل الإضافي من صندوق النقد الدولي مع الاستمرار في دعم خطط السياحة والنمو الاقتصادي على المدى الطويل.
وعلى الرغم من استمرار الرياح الاقتصادية المعاكسة، ستواصل مصر متابعة المشاريع الضخمة المصممة لتوسيع قطاع السياحة وحجم الحركة البحرية التي يمكن أن تعبر قناة السويس.
وتريد مصر من الحوثيين وقف هجماتهم على الشحن العابر للبحر الأحمر لإعادة الحركة إلى قناة السويس، لكن من غير المرجح أن تشارك القاهرة في الدوريات البحرية إلى جانب عملية “حارس الازدهار” التي تقودها الولايات المتحدة، فهي تخشى إثارة تصعيد إقليمي أوسع يزيد من عمق أزمة الشحن.
لذلك ستتجنب مصر التخطيط لأيّ عمل عسكري ردا على مضايقات الحوثيين البحرية، مثل شن ضربات ضد أهداف الحوثيين في اليمن. لكن هجمات الحوثيين المستمرة وحرب غزة ستواصل التسبب في تآكل احتياطات الحكومة من النقد الأجنبي.
والاحتياطات كانت منخفضة بالفعل قبل اندلاع الصراع. وستواصل القاهرة بالتالي مساعيها للحصول على مصادر تمويل إضافية لدعم اقتصادها.
وأشار صندوق النقد الدولي إلى أنه سيوافق على توسيع قرضه الحالي إذا عملت القاهرة على تشديد سياساتها النقدية والمالية، واتخذت خطوات نحو اعتماد سعر صرف مرن، وهو الطريق الذي من المرجح أن تختاره مصر لإطلاق المزيد من التمويل إذا استمر التدهور الاقتصادي الذي تشهده.
وكشفت إدارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عن مشروعين عملاقين لتوسيع قدرات قطاع السياحة في مصر وقناة السويس، وهما مصدران رئيسيان للعملة الأجنبية.
وتخطط القاهرة لرفع عدد الرحلات الجوية والغرف الفندقية لاستيعاب ما يصل إلى 30 مليون سائح سنويا بحلول 2028، لتبلغ ضعف العدد الحالي. وكانت 12 في المئة من حركة الملاحة البحرية العالمية تمر عبر قناة السويس قبل حرب غزة والهجمات البحرية الحوثية، وتهدف هيئة قناة السويس إلى زيادة هذه النسبة إلى 15 في المئة.
وفي 17 نوفمبر، أعلنت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا أن الصندوق “يدرس بجدية” زيادة القرض المصري بسبب الآثار غير المباشرة للحرب بين حماس وإسرائيل.
ولم تكشف جورجيفا عن المبلغ المحتمل والإصلاحات المطلوبة للزيادة. وأشار صندوق النقد الدولي في 11 يناير إلى أن التمويل الإضافي سيكون “حاسما” لنجاح برنامج الإنقاذ بسبب تأثير الحرب على الاقتصاد المصري.
الأردن
الأردن سيسعى إلى جذب استثمارات أجنبية وخاصة بزيادة علاقاته الثنائية مع دول الخليج لخلق فرص عمل ولدعم اقتصاده
على الرغم من التحديات التي يواجهها الأردن، إلا أن مساعدة صندوق النقد الدولي والاستثمارات من دول الخليج العربي ستدعم اقتصاده على المدى القصير وتضمن استقرار النظام الملكي.
وكان تأثير المقاطعة الإقليمية على العلامات التجارية الغربية محسوسا بقوة أكبر في الأردن. وسببت الحملات الشعبية انخفاض ساعات العمل وتسريح العمال، ومن المرجح أن تتزايد الآثار مع استمرار المقاطعة.
وستركز بعض الشركات المحلية على توظيف بعض العمال المسرحين، لكن النمو الأبطأ من المتوقع سيحد من حجم الاستثمار. كما ستؤثر الحرب على الاستثمار الأجنبي وتبطئ أيّ زيادة في فرص العمل.
وسيسعى الأردن إلى جذب استثمارات أجنبية وخاصة بزيادة علاقاته الثنائية مع دول الخليج لخلق فرص عمل ولدعم اقتصاده.
وتعد المملكة العربية السعودية بالفعل من أكبر المستثمرين التجاريين في الأردن، ومن المرجح أن تستثمر أكثر في قطاعي الأدوية والزراعة المتناميين في البلاد.
بيروت لم تنفذ الإصلاحات المطلوبة التي تؤسس ثقة المستثمرين وتحقق تقدما في وضع اللمسات الأخيرة على قرض صندوق النقد الدولي الذي صيغ في أبريل 2022
وإذا ازداد عدم الاستقرار السياسي ضد الحكومة الأردنية بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية وهدد النظام الملكي، فمن المرجح أن تتدخل دول الخليج الأخرى لكبح الاضطرابات الاجتماعية والاحتجاجات ومنع انتشارها إلى أماكن أخرى من المنطقة.
وقال وزير السياحة الأردني في ديسمبر إن المقاطعة ضد العلامات التجارية الغربية خلقت تأثيرا عكسيا. وأكّد أنها لم تؤثر على الشركات المقاطعة فقط، ولكن أيضا على أصحاب المصلحة والجهات الفاعلة في سلسلة التوريد التي تتعاون مع هذه الشركات في الأردن.
وأطلقت الشركات الأردنية أيضا حملات على وسائل التواصل الاجتماعي تدعو المواطنين إلى دعم الشركات المحلية والمساعدة في تأمين فرص عمل لأولئك الذين تقرر تسريحهم بسبب المقاطعة، باستخدام هاشتاغات “وظفوهم” و”ادعم المحلي”.
وشجع صندوق النقد الدولي الأردن على تنمية فرص الأعمال وتوسيع الاستثمار الخاص لتمكين نمو الوظائف كجزء من اتفاقية قرض تبلغ 1.2 مليار دولار.
وضخّت المملكة العربية السعودية استثمارات تجارية تزيد قيمتها عن 12 مليار دولار في الأردن، ممّا يجعلها واحدة من أكبر المستثمرين في البلاد. وأعادت المملكة في يونيو 2022 إطلاق مشروع جامعة ومستشفى بقيمة 400 مليون دولار.
لبنان
من غير المرجح أن يحصل لبنان على تمويل من صندوق النقد الدولي أو مبلغ كبير من الاستثمار الأجنبي بسبب غياب الاستقرار السياسي، مما سيعمق مختلف المشاكل الاقتصادية، خاصة إذا وسّعت الاشتباكات الحدودية المستمرة بين إسرائيل وحزب الله رقعة الحرب لتشمل أراضيه.
ويمكن أن يعوض الاستثمار الأجنبي بعض الاضطرابات الاقتصادية في لبنان، لكن بيروت لم تنفذ الإصلاحات المطلوبة التي تؤسس ثقة المستثمرين وتحقق تقدما في وضع اللمسات الأخيرة على قرض صندوق النقد الدولي الذي صيغ في أبريل 2022.
وستؤثر التوترات المتصاعدة على طول حدود لبنان الجنوبية على الاستثمار، حيث تواصل جماعة حزب الله اللبنانية المدعومة من إيران تبادل الهجمات عبر الحدود مع إسرائيل، بما يزيد من خطر نشوب صراع إقليمي موسع. كما أن الجمود السياسي المستمر في البلاد، الذي ترك كرسي الرئاسة شاغرا منذ أكتوبر 2022، سيبقي البرلمان اللبناني غير قادر على تمرير تشريع يساهم في تحسين الظروف الاقتصادية.
من المرجح أن تشدد مصر سياساتها النقدية والمالية خلال الأشهر المقبلة، بهدف إطلاق التمويل الإضافي من صندوق النقد الدولي
وسيسعى حزب الله في الأثناء إلى تجنب إشعال حرب أكبر مع إسرائيل، مما سيرفع الخسائر الاقتصادية ويخاطر بتضييق النفوذ السياسي المحلي الذي تتمتع به الجماعة. وترى إسرائيل في المقابل ضرورة أمنية لتوسيع عملياتها العسكرية لإنشاء منطقة عازلة على طول حدودها مع لبنان.
وبينما حاولت إسرائيل إنشاء هذا الحاجز دبلوماسيا، إلا أن هجماتها المستمرة المتبادلة مع حزب الله ستقلل من احتمال التوصل إلى صفقة. وسيجعل التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل حزب الله يبدو ضعيفا، مما يقلل من احتمال سعيه إلى تحقيق حل دبلوماسي. لكن، إذا اختارت إسرائيل التوغل البري لإبعاد حزب الله عن الحدود، فإنها سترفع تكاليف إعادة الإعمار وتدفع حزب الله إلى تقديم تنازلات سياسية مع الأحزاب المتنافسة لإعادة بناء المناطق المتضررة في جنوب لبنان.
ويعدّ قطاع السياحة والتحويلات مصدرين رئيسيين للعملة الأجنبية في لبنان. وذكرت الأمم المتحدة أن التحويلات شكلت 37.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد في 2022.
وأشار البنك الدولي في تقرير نشره في 21 ديسمبر إلى أن الحرب بين حماس وإسرائيل يمكن أن تدفع لبنان إلى الركود، حيث من المتوقع أن ناتجه المحلي الإجمالي تقلص بنسبة تراوحت من 0.6 إلى 0.9 في المئة خلال2023.
وكلفت حرب 2006 بين إسرائيل وحزب الله لبنان حوالي 1.75 مليار دولار، بما يشمل الأضرار التي تكبدتها البنية التحتية، وقلصت قطاع السياحة في البلاد. ووسع حزب الله قدراته منذ ذلك الحين. وقد تكون التكاليف لذلك أعلى إذا تصادمت إسرائيل ولبنان في مساعي إنشاء المنطقة العازلة، خاصة في حالة نشوب حرب طويلة.