كريتر نت – متابعات
أكد الجيش الإسرائيلي أواخر الشهر الماضي أنه بدأ بالفعل تنفيذ خطط غمر شبكة الأنفاق التي أقامتها حركة حماس في قطاع غزة بمياه البحر، وهي الإستراتيجية التي ظلت مثار تكهنات على مدار قرابة شهرين.
وذكر بيان للجيش أنه بدأ تنفيذ خطة الغمر في مواقع لم يتم الكشف عنها، مشيرا إلى أن هذه الخطوة تمثل “انفراجة هندسية وتكنولوجية ملموسة”، وأنه تم اختيار الأماكن التي سوف يتم غمرها “بحيث لا تتعرض المياه الجوفية فيها لأي تهديد”.
غير أن خبراء متخصصين في علوم المياه حذروا من أن غمر الأنفاق بمياه البحر سوف يكون تأثيره على موارد المياه العذبة والنادرة مدمرا بالفعل في غزة، بل ربما يقوض أساسات البنايات في القطاع.
ويقول مارك زيتون، خبير المياه ومدير مركز “Water Hub” لأبحاث المياه في جنيف بسويسرا، “إن المصدر الرئيسي لمياه الشرب في غزة يتم تلويثه”، موضحا أنه “إذا وضعت مياه مالحة داخل مصدر مياه عذبة، فإن ذلك يؤدي إلى تلويثه وتسميمه”.
غمْر الأنفاق بمياه البحر سوف يكون تأثيره على موارد المياه مدمرا، بل ربما يقوض أساسات البنايات في القطاع
وأضاف زيتون أن “هناك إمكانية أن تتسرب مياه البحر ببساطة بمجرد ضخها داخل الأنفاق عبر التربة إلى طبقة المياه الجوفية”.
واستطرد “إذا حاولت غمر الأنفاق بالمياه، فإنني أفترض أنها ليست معزولة بشكل كاف بما يسمح لها بالاحتفاظ بالمياه، وبالتالي سوف تتسرب هذه المياه إلى طبقة المياه الجوفية”.
ويتفق أحمد رأفت غضية، الباحث في علوم الجغرافيا بجامعة النجاح في نابلس بالضفة الغربية، مع هذه الرأي قائلا “إن طبقة المياه الجوفية على الأرجح قد تلوثت بالمياه المالحة على نحو لم يعد من الممكن علاجه”.
وأوضح أنه “إذا تم غمر الأنفاق فسوف تتسرب مياه البحر عبر الطبقات الأرضية حتى تصل إلى المياه الجوفية”، مشيرا إلى أن مثل هذا العمل “سوف تكون له تداعيات خطيرة على جميع أنشطة الحياة في غزة مثل الزراعة والتربة والبنية التحتية”، وأكد أن مياه البحر قد تسبب فجوات في التربة تؤثر على أساسات المباني.
ومن جانبه أعرب ناعوم وايزبرود، عميد معهد جاكوب بلاوستاين لأبحاث الصحراء التابع لجامعة بن غوريون الإسرائيلية، عن شكوكه في أن طبقة المياه الجوفية في قطاع غزة بأكملها سوف تتلوث بفعل غمر الأنفاق بمياه البحر، وقال “لست واثقا من أن المخاطر البيئية خطيرة على النحو الذي يريدنا البعض أن نظنه، فتأثير الغمر سوف يختلف باختلاف موقع الأنفاق التي سوف يتم استهدافها”.
وبحسب دراسة نشرتها الدورية العلمية “Water” المتخصصة في أبحاث المياه عام2020، فإن منسوب المياه الجوفية في قطاع غزة يبلغ 60 مترا نحو الشرق، ثم يتراجع إلى عمق بضعة أمتار مع الاتجاه نحو ساحل البحر المتوسط، وأنه يتم سحب كميات من المياه الجوفية تفوق قدرة هذه الطبقات على تعويض المستنفد بالسبل الطبيعية، ونتيجة لذلك تشق مياه البحر طريقها بالفعل إلى المياه الجوفية في القطاع.
وتسلط خطط إسرائيل لغمر أنفاق حماس الضوء على مشكلة كانت قائمة بالفعل قبل اندلاع الصراع، وهي ندرة مياه الشرب في غزة بصرف النظر عن مدى تلوث طبقة المياه الجوفية بمياه البحر بسبب خطة غمر الأنفاق.
وفي عام 2020 أشارت تقديرات وكالات أممية إلى أن 10 في المئة من سكان القطاع يحصلون على مياه شرب آمنة.
ويتم ضخ بعض هذه المياه من قبل إسرائيل ومصر، كما تم افتتاح محطة تحلية بقيمة 10 ملايين يورو بتمويل من الاتحاد الأوروبي في غزة عام 2017، ولكن هذه المحطة لا يمكنها أن تعمل في ظل انقطاع التيار الكهربائي، حيث كانت نصف كهرباء غزة تأتي من إسرائيل قبل الحرب، ولكن الحكومة الإسرائيلية قطعت الكهرباء عن القطاع منذ أكتوبر الماضي.
ويقول الباحث أحمد رأفت “هناك زهاء 1.9 مليون نازح جراء الحرب متواجدون حاليا في غزة، ويعيش الكثيرون منهم داخل خيام أو في شوارع رفح جنوبي القطاع، وفي أعقاب الأمطار الغزيرة التي انهمرت على غزة الشهر الماضي قام الكثيرون بجمع المياه في أطباق وأوعية، ويعمد آخرون إلى شراء الماء من شاحنات نقل المياه، ولكنها مياه غير جيدة يتم استخراجها من طبقات المياه الجوفية ثم تحليتها بواسطة شركات خاصة”.
ويرى ديفيد ليرير، مدير مركز الدبلوماسية البيئية التطبيقية التابع لمركز وادي عربة للدراسات البيئية في إسرائيل، أنه “عندما تنتهي الحرب لا بد أن تبدأ إسرائيل وغزة بالتخطيط من أجل مستقبل أفضل للمياه”، مشيرا إلى الشراكة التي تم إبرامها العام الماضي بين شركة المياه الإسرائيلية ووترجين ومنظمة “الدامور” الفلسطينية غير الحكومية للتنمية المجتمعية والإدارة المدنية الإسرائيلية، والتي تم بموجبها تشغيل خمسة مولدات مياه من رطوبة الجو تعمل بالطاقة الشمسية في مراكز رعاية صحية في القطاع.
وبحسب المركز تستطيع هذه المولدات إنتاج قرابة 900 لتر من المياه العذبة يوميا عن طريق تكثيف مياه الرطوبة وترشيحها.
ويقول ليرير إن هذه المبادرة وغيرها من الإجراءات المؤقتة مثل معالجة مياه الصرف سوف تعطي “بارقة أمل في وضع سوف يتحسن في نهاية المطاف”.