أحمد حافظ
التأييد القضائي لحظر النقاب في المدارس حلقة أخرى من المزيد من إضعاف التيار السلفي في مصر الذي يراهن على مثل هذه القضايا لتحشيد قاعدة شعبية يمكن استثمارها سياسيا واجتماعيا.
وقاربت الحكومة المصرية على تحقيق انتصار جديد ضد التيار السلفي بعد قرار هيئة مفوضي الدولة بالمحكمة الإدارية في البلاد بتأييد حظر النقاب داخل المؤسسات التعليمية، ما يمثل انتكاسة لسلفيين عولوا على مؤسسة القضاء لاقتناص حكم يدعم توجهاتهم في مواجهة محاولات الحكومة لتقليم ما تبقى لهم من أظافر.
وارتاح النظام المصري إلى تحويل ملف النقاب إلى قضية قانونية، من المفترض أن تصدر حكمها النهائي في الدعوى المقامة ضد وزير التربية والتعليم، في مارس المقبل، لإلغاء قرار أصدره سبتمبر الماضي بحظر ارتداء الطالبات للنقاب داخل أي مؤسسة تعليمية، ومنع المنتقبة من دخول المدرسة.
ويتطلب تنفيذ الحكم بتأييد قرار منع النقاب داخل المدارس وجود إرادة قوية من جانب الحكومة في مواجهة تصعيد التيار السلفي، بغض النظر عن التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية التي تعيشها البلاد، ما يتطلب المزيد من الحنكة في التعامل مع ملفات حساسة، مثل النقاب، باعتباره تقليدا مجتمعيا يلامس الدين.
ويمثل النقاب الخيط الرفيع الذي تحاول الحكومة الإبقاء عليه في تعاملها مع السلفيين، لأن البلاد تعيش أزمات تتطلب وحدة الصف الداخلي ومنع حدوث استقطاب سياسي أو ديني يثير منغصات بالتزامن مع تصاعد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، واقترابها من الحدود المصرية.
محمد أبوحامد: حظر النقاب في المدارس ضربة قاسية للسلفيين
وتعتقد دوائر سياسية أن الحكومة لن تتراجع عن تطبيق قرار حظر النقاب في المؤسسات التعليمية مهما بلغت التحديات، طالما تحتمي وراء حكم قضائي، وهناك حاجة ملحة إلى إظهار قوة الدولة وصرامتها في وجه أي تيار إسلامي يحاول استثمار التحديات الداخلية والخارجية لإثارة القلاقل، وهو ما لن تسمح به أجهزة الدولة.
وتظهر قوة الدولة بشكل أكبر وقت الأزمات، ومدى سيطرتها على الأوضاع الداخلية وتكريس هيبتها في مواجهة من يحاولون توظيف الأزمات لتحقيق مآرب شخصية، أو تحدي القانون، بدعوى أن الحكومة منشغلة في قضايا أخرى.
وقال البرلماني السابق والباحث في شؤون العقائد والإسلام السياسي محمد أبوحامد إن “الحكم القضائي المرتقب بتأييد حظر النقاب في المدارس سينفذ بغض النظر عن التحديات الراهنة، والدولة لديها أدوات للتطبيق بعيدا عن أي محاولة لاستثمار الظروف الحالية في تحقيق السلفيين لمكاسب سياسية من وراء النقاب”.
وأضاف لـ”العرب” أن “مشكلة التيار السلفي في استمرار تعامله مع غطاء الرأس على أنه قوة سياسية تحسب له، ولا يمتلك جرأة الدخول في مواجهة مع الدولة حاليا، ومهما كانت هناك أزمات فالظروف السياسية والأمنية بمصر مستقرة”.
وتحرص الحكومة المصرية على الاحتفاظ بمسافة بعيدا عن التيار السلفي، كلاهما يرفض تجاوزها، ويظهر ذلك في استمرار حزب النور، الذراع السياسية للسلفيين، دون حل، رغم وجود مادة بالدستور تحظر تأسيس الأحزاب على أساس ديني، لكنها ترسل لهم إشارات بأن المزيد من الإقصاء السياسي ينتظرهم إذا خرجوا عن النص.
ومن غير المتوقع أن يغامر التيار السلفي بالتورط في مواجهة مباشرة مع الحكومة بسبب النقاب، خشية التعرض لهجمة تجعله يخسر كل شيء، لأن شريحة كبيرة من المصريين ترفض ما يوحي بالتشدد بسبب الصورة السلبية التي تركها تنظيم الإخوان.
ويبدو السلفيون مرتاحين لإحالة قضية النقاب إلى القضاء مع وجود نصوص دستورية وقانونية تؤكد أن ارتداء الزي حرية شخصية، وتناسوا أن قرار الحكومة بحظر “البرقع” من قبل داخل المؤسسات التعليمية استند إلى حكم صادر عن المحكمة الدستورية العليا في تسعينات القرن الماضي بمنعه في المدارس.
ويرى مراقبون أن غضبة السلفيين من القرار وقت صدوره، وتهديد بعضهم بمقاضاة الحكومة، لا تعني أنهم سيصعدون ضد الدولة إذا صدر الحكم القضائي لصالحها في مسألة حظر النقاب بالمدارس، لأنهم أصبحوا أكثر استسلاما في مواجهة خطوات الحكومة لضرب قواعدهم في الشارع لتجنب صدام قد يودي بهم إلى الهاوية.
التيار السلفي ينظر إلى المساجد والمؤسسات التعليمية على أنها بوابة مثالية للنفاذ إلى المجتمع واستمالته
وبات التيار السلفي محاصرا في أماكن حيوية اعتاد استثمارها لنشر أفكاره المتشددة وتوسيع قواعده، فوزارة الأوقاف منعت شيوخه من اعتلاء المنابر، وتم إبعادهم عن الإدلاء بفتاوى، ووزارة التعليم حظرت على المعلمات ارتداء النقاب في المدارس، وأخيرا تأييد الحظر على الطالبات أنفسهن.
وظل الإسلاميون بأطيافهم المختلفة، في مقدمتهم التيار السلفي، ينظرون إلى المساجد والمؤسسات التعليمية على أنها بوابة مثالية للنفاذ إلى المجتمع واستمالة الفئات الشبابية للانضمام إلى قواعدهم، على أمل أن يتم توظيفهم وحشدهم في الاستحقاقات الانتخابية لدعم مرشحيهم أو استغلالهم في أي معركة ضد الحكومة.
وذكر محمد أبوحامد لـ”العرب” أن مساندة القضاء للدولة في حظر النقاب ضربة قاسية للسلفيين، لأنهم اعتادوا استثمار المنتقبات للإيحاء بأنه قوة لا يُستهان بها، ويمثل خلعه داخل المدارس بداية لشعور المجتمع بأن السلفيين إلى زوال.
ويخشى متابعون أن يكون التصعيد المرتقب مع السلفيين بشأن النقاب بداية لتقارب جديد بينهم والإخوان، خاصة أن الجماعة اعتادت التحريض ضد الدولة مع أيّ دعوة تتعلق بالنقاب، وتحرّض الشباب السلفي على الثأر بزعم الحفاظ على كرامة السيدات، وتجيد نقل القضية إلى بعد يرتبط بالشرف وليس الدين.
ويبقى أكبر تحد يواجه الحكومة أن المجتمع المصري ذاته يعاني من انقسام إزاء النقاب، إذ يوجد تيار عريض يدافع عن وجوده لاعتبارات تتعلق بالحرية الشخصية للإنسان في ارتداء ما يشاء، ما يثير مخاوف من استقطاب في توقيت سياسي حرج.
وتميل بعض دوائر السلطة إلى إضعاف السلفيين دون القضاء عليهم من منطلق أن حزب النور لعب دورا داعما للدولة أثناء وبعد ثورة الثلاثين من يونيو 2013 التي أطاحت بالإخوان، لكن مشكلة الحزب أنه تمادى في البحث عن نفوذ سياسي بحجة أن الدولة بحاجة إلى تيار إسلامي في المشهد، ولم يدرك أن ذلك ارتبط بفترة زمنية سابقة.
وتدرك هذه الدوائر أن دفاع السلفيين عن النقاب لا يرتبط بغيرة دينية أكثر من اعتباره وسيلة للوصاية على قطاع كبير في المجتمع يتجسد في السيدات، لكنهم لا يمتلكون شجاعة المجابهة مقابل التركيز على كسب ثقة الدولة والحصول على مكاسب سياسية نوعية، وسوف تكون المعضلة مع فئة من العناصر المتشددة منهم.
المصدر : العرب اللندنية