كريتر نت – متابعات
بالرغم من وعي القادة الأفارقة بتحديات المرحلة على الصعيدين الاقتصادي والأمني، يعرقل غياب رؤية نهوض موحدة بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي رئاسة موريتانيا للمنظمة الإقليمية.
وتسلم الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني الرئاسة الدورية للاتحاد الأفريقي في ظل ظروف حرجة تمر بها القارة السمراء من الصراعات الدموية الأهلية والخلافات السياسية بين عدد من الدول الأعضاء وانتشار الإرهاب مقابل تفكك الكيانات الإقليمية، وغياب الرؤية الإستراتيجية التي يمكن الاعتماد عليها في تحديد برامج التنمية ومواجهة التحولات المناخية وما يمكن أن تفرزه من نتائج سلبية على مستقبل الجماعات والأفراد.
وشدد ولد الغزواني على أن التعليم والعمل على استعادة الأمن والاستقرار في أفريقيا وتعزيز حضور القارة دوليا تشكل أولوية العشرية القادمة للاتحاد الأفريقي، والتي تم إقرارها خلال القمة الحالية، مبرزا أن على رأس هذه الأولويات إيلاء التعليم -شعار هذه السنة- الأولوية القصوى من أجل بناء منظومات تعليمية توفر نفاذا شاملا إلى تعليم وتكوين جيديْن، يلائمان القرن الحادي والعشرين.
وقال ولد الغزواني إن نجاح الخطط والإستراتيجية في القارة يعتمد على الموارد البشرية ونظام تعليمي فعال وجيد ومنفتح على التكنولوجيات الجديدة، وبيّن أن التعليم هو نقطة الانطلاق للتنمية المستدامة ودعم كبير للسلام والأمن وتوفير فرص عمل جديدة والتخفيف من حدة الفقر والتهميش.
ويقول الباحث السنغالي في مجال التعليم جورجي سال إن الأمية تعتبر أحد أكبر التحديات التي تواجه أفريقيا، لأنها واحدة من أكبر مناطق العالم المثقلة بأعلى معدل أمية؛ إذ يتجاوز نسبة 40 في المئة من السكان الذين تزيد أعمارهم عن 15 عاما.
الأمية تعتبر أحد أكبر التحديات التي تواجه أفريقيا، لأنها واحدة من أكبر مناطق العالم المثقلة بأعلى معدل أمية
ويضيف سال “وهي أيضا المكان الذي تتواجد فيه العوامل التي تساهم في الأمية بأكبر قدر ممكن: أعلى نسبة من الأطفال الذين لا يحصلون على التعليم الابتدائي أو يتركون المدرسة مبكرا (40 في المئة)، أو الذين لم يتقنوا حتى المهارات الأساسية في نهاية المدرسة الابتدائية (50 في المئة)”.
ومن بين 773 مليون بالغ في العالم يفتقر إلى مهارات القراءة والكتابة والحساب الأساسية، يعيش 27 في المئة منهم في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى و9 في المئة في شمال أفريقيا.
ويجمع أغلب المراقبين على أنه من غير الممكن فصل ظاهرة الأمية عن الفقر والعوز بين شعوب القارة، وخاصة منطقة أفريقيا جنوب الصحراء التي تعد وفق تقرير للبنك الدولي منطقة شديدة التنوع، إذ تتألف من بلدان منخفضة الدخل وبلدان في الشريحتين العليا والدنيا من البلدان متوسطة الدخل وبلدان مرتفعة الدخل، وتعاني 22 منها أوضاع الهشاشة أو الصراع.
وتضم أفريقيا أيضًا 13 دولة صغيرة تتسم بقلة عدد السكان ومحدودية رأس المال البشري وعدم إطلالتها على بحار. وتمتلك القارة الأفريقية أكبر منطقة تجارة حرة في العالم وسوقاً تضم 1.2 مليار شخص، وهي بذلك تتمتع بالقدرة على استحداث مسار جديد تماماً للتنمية، وتسخير إمكانيات مواردها وشعوبها.
غير أن هذه المنطقة تواجه العديد من التحديات الإنمائية، حيث يلقي تصاعد الصراع والعنف في جميع أنحاء المنطقة بظلاله على النشاط الاقتصادي، ومن المتوقع أن تؤدي الصدمات المناخية إلى تفاقم أوضاع الهشاشة. وفي عام 2023 كان هناك نحو 462 مليون شخص في المنطقة يعيشون في فقر مدقع.
وتعرف القارة عددا من الصراعات الدموية وخاصة في السودان الذي يعرف حربا بين الجيش وقوات الدعم السريع، وفي مالي وبوركينا فاسو اللتين تعرفان مواجهات مفتوحة مع الجماعات الإرهابية.
من غير الممكن فصل ظاهرة الأمية عن الفقر والعوز بين شعوب القارة
كما تعرف القارة عددا من الأزمات السياسية الكبرى بين إثيوبيا والصومال حول ساحل “أرض الصومال”، وبين مصر وإثيوبيا حول سد النهضة، وبين مالي والجزائر التي لا تزال تسعى إلى إرباك الأمن والاستقرار في شمال غرب القارة بدعمها المتواصل منذ سبعينات القرن الماضي لميليشيا بوليساريو الانفصالية.
ولا تزال نواكشوط تعمل على ترميم مجموعة دول الساحل الخمس التي كانت تشكلت في العام 2014، وأطلقت قوّتها لمكافحة الإرهاب في العام 2017، وذلك بعد إعلان ثلاث دول انسحابها من المجموعة وهي مالي والنيجر وبوركينا فاسو التي اتجهت إلى تشكيل تحالف بينها لاسيما بعد دخولها مرحلة تصفية مخلفات النفوذ الفرنسي واتجاهها إلى توحيد جهودها في معركة التصدي للجماعات المتشددة المرتبطة بتنظيمي القاعدة وداعش.
ويسعى ولد الغزواني لإقناع القادة الأفارقة بأنه من الصعب عليهم تجاوز الظروف الصعبة التي تمر بها بلدانهم من دون توحيد جهودهم.
وأبرز الرئيس الموريتاني أن من أكبر التحديات التي تواجه القارة الأفريقية انتشار التوترات والنزاعات المسلحة والمجموعات الإرهابية التي تهدد باستمرار كيانات الدول.
وعرف إقليم الساحل والصحراء أكبر معدلات وفيات ناتجة عن العمليات الإرهابية خلال العقد الأخير، حيث ارتفعت معدلات الوفيات من 472 حالة إلى 1159 حالة خلال الفترة من 2012 حتى 2022، فيما سجلت موزمبيق والصومال أكبر زيادات في عدد العمليات الإرهابية، حيث زادت الهجمات في موزمبيق 40 ضعفًا، فيما بلغت الزيادة في معدلات الهجمات الإرهابية بالصومال قرابة 96 في المئة خلال الفترة من 2013 حتى 2022.
وتعاني القارة السمراء من الجوع الذي مازال يلتهم طموحات أجيالها المتعاقبة، وفي ديسمبر الماضي أفاد تقرير صادر عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة ومفوضية الاتحاد الأفريقي ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا وبرنامج الأغذية العالمي بأنَّ القارة الأفريقية تواجه أزمة غذاء غير مسبوقة.
ولد الغزواني يسعى لإقناع القادة الأفارقة بأنه من الصعب عليهم تجاوز الظروف الصعبة التي تمر بها بلدانهم من دون توحيد جهودهم
وسلّط التقرير، المعنون بـ”الاستعراض الإقليمي الأفريقي للأمن الغذائي والتغذية – الإحصاءات والاتجاهات لعام 2023، الضوء على إحصاءات تبعث على القلق بشأن الأمن الغذائي وسوء التغذية وتشدّد على الحاجة الملحة إلى اتخاذ إجراءات شاملة.
ويعاني ما يقرب من 282 مليون شخص في أفريقيا (نحو 20 في المئة من السكان) من نقص التغذية، بزيادة قدرها 57 مليون شخص منذ بداية جائحة كوفيد – 19. كما يستعصي على أكثر من مليار شخص تحمّل كلفة نمط غذائي صحي.
ولا يزال السواد الأعظم من سكان أفريقيا -حوالي 78 في المئة، أو أكثر من مليار شخص- عاجزا عن تحمّل كلفة نمط غذائي صحي، مقارنة بنسبة 42 في المئة على الصعيد العالمي، ومازال هذا العدد في ازدياد.
وبحسب التقرير ظلّ متوسط كلفة نمط غذائي صحي يشهد ارتفاعا مع مرور الوقت، وبلغ في أفريقيا 3.57 دولار أميركي مقاسا بتكافؤ القوة الشرائية للفرد في اليوم عام 2021، وهو رقم أعلى بكثير من عتبة الفقر المدقع التي تبلغ 2.15 دولار للفرد في اليوم.
وهذا يعني أن الفقراء ليسوا وحدهم غير القادرين على تحمّل كلفة نمط غذائي صحي في أفريقيا، بل كذلك نسبة كبيرة من الأشخاص المصنّفين “غير فقراء”.
ويرى مراقبون أن ملفات الإرهاب والهجرة والفقر والأمية والصراعات السياسية ستشكل أهم التحديات التي ستعترض طريق الرئيس الجديد للاتحاد الأفريقي، خاصة في ظل غياب الرؤية الموحدة بين الدول الأعضاء، وهو ما جعل رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي محمد يدعو إلى نهضة جديدة للوحدة القومية الأفريقية، وتجديد الالتزام بالعمل على التصدي للتحديات التي تواجه القارة.
وأعرب فقي محمد عن قلقه العميق إزاء عدم الاستقرار السياسي والمؤسسي وتغير المناخ والعجز في الإدارة الاقتصادية والتكامل والفقر وتهميش النساء والشباب في عمليات التنمية والقيادة في أفريقيا.
وشدد على أن هذه القضايا لا تزال تشكل مصادر القلق الرئيسية للاتحاد الأفريقي. وأعرب كذلك عن أسفه لصعود الإرهاب في أفريقيا، الذي يعيث فسادا في العديد من الدول ويحول الموارد عن القطاعات الاجتماعية الحيوية، والعدد المتزايد من التغييرات غير الدستورية للحكومات، والتي تقوض النظام السياسي والقانوني الذي تأسس عليه الاتحاد الأفريقي.