الحبيب الأسود
يحتفل العالم في 21 فبراير من كل عام باليوم العالمي للغات الأمم الذي تم إقراره من قبل المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) في شهر نوفمبر من عام 1999 بمبادرة من بنغلاديش، ورحبت الجمعية العامة للأمم المتحدة بإعلان هذا اليوم في قرارها الصادر عام 2002. في 16 مايو 2007 أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 2008 “سنة دولية للغات”، وأهابت بالدول الأعضاء “التشجيع على المحافظة على جميع اللغات التي تستخدمها شعوب العالم وحمايتها”.
تشير الأرقام إلى أن هناك 7102 لغة حية في العالم، منها 2301 في آسيا، و2138 في أفريقيا، و1313 في منطقة المحيط الهادئ، و1064 في الأميركتين، بينما يتواجد النصيب الأقل في أوروبا حيث عدد اللغات الحية 286 فقط، وبحسب خبراء فإن نحو 2500 لغة مهددة أكثر من غيرها بالاندثار، لاسيما أن بعض تلك اللغات لا يتحدث بها سوى ثلاثين شخصا فقط، وأن 80 في المئة من اللغات المنطوقة في العالم حاليا ستنقرض خلال هذا القرن، وبحسب الأمم المتحدة يتوقع اختفاء لسان من الألسن في كل أسبوعين، ما يعني اختفاء موروثها الثقافي والفكري معها كذلك.
ويتعرض ما لا يقل عن 45 في المئة من الألسن المحكية حاليا في العالم لمخاطر الاندثار. أما الألسن التي تعطى لها بالفعل أهمية في نظام التعليم والمجال العام فلا يزيد عددها عن بضع مئات، ويقل المستخدم منها في العالم الرقمي عن مئة لسان.
ولم يعد مستغربا أن نسمع خبرا عن وفاة لغة كما قد يتوفى الإنسان، وعن تأبينها وإقامة سرادق عزاء لها، بعد أن تكون حملت بمفرداتها تاريخ وحضارة وثقافة أهلها، وعبرت عن مشاعرهم وأحاسيسهم، وعن آلامهم وأحزانهم، ورافقت ملاحم الحرب والحب، والألم والسعادة، والرغبة والجنون، لدى أجيال وأجيال، وكانت أداتهم لمخاطبة العقل والقلب والروح والوجود، وللصلاة والدعاء.
لنأخذ مثلا “ياغان”، وهي اللغة الأصلية لشعب بورتوريكو وعدد من دول أميركا اللاتينية، والتي جرت على ألسنة أهلها منذ 10 آلاف عام، إلى أن أعلن عن نهايتها رسميا برحيل آخر لسان متحدث بها، وهو لسان المواطنة التشيلية كريستينا كالديرون التي توفيت في 16 أبريل 2022 عن 93 عاما.
هناك كذلك لغة “كلالام” التي كان يتكلم بها سكان مضيق خوان دي فوكا، الواقع في شبه الجزيرة الأولمبية في ولاية واشنطن وخليج بيتشير في جزيرة فانكوفر في كولومبيا البريطانية، وأعلن عن انقراضها في الرابع من فبراير 2014 برحيل آخر المتحدثين بها، وهي هازل سامبسون عن 103 أعوام.
وفي المقابل هناك 23 لغة يستخدمها أكثر من نصف سكان العالم. اللغات العشر الأوسع انتشارا في العالم هي الصينية (الماندرين) والإسبانية والإنجليزية والهندية والعربية والبرتغالية والبنغالية والروسية واليابانية والبنجابية. لكن الثابت والمؤكد أن اللغات التي لا تواكب عصرها ولا تدافع عن وجودها بعقول أبنائها ستجد نفسها على طريق الانقراض.
نقلاً عن “العرب” اللندنية