كريتر نت – متابعات
هناك مخاوف من تجدد قدوم الخطر تجاه الأردن من حدوده الشرقية التي تسيطر عليها عملياً جماعات عسكرية مسلحة موالية لإيران. ويحمل استهداف القاعدة الأميركية (البرج 22) رسالة تهديد للولايات المتحدة وحليفها الأردن.
وعند تطور الحروب غالبا ما تفقد الأطراف المعنية السيطرة على وكلائها، ويمكن القول بأن هذا ما حصل مساء الأحد 28 يناير 2024 عندما استهدفت “المقاومة الإسلامية في العراق” المدعومة من النظام الإيراني قاعدة الدعم اللوجستي الأميركية في البرج 22 داخل الأراضي الأردنية وأسفر الهجوم عن مقتل ثلاثة وجرح 40 عنصرا من القوات الأميركية.
ويقول الباحث سعود الشرفات، مدير مركز شُرُفات لدراسات وبحوث العولمة والإرهاب، إن استهداف القاعدة الأميركية قد تم بشكلٍ متعمد ومخطط له ويحمل رسالة تهديد للولايات المتحدة وحليفها الأردن.
وترى عمان أن الهجوم اكتسى أهمية كبيرة خاصة أنه جاء عقب قيام الأردن بتنفيذ ضربات جوية ضد أماكن تواجد مهربي المخدرات والأسلحة على الحدود الأردنية – السورية في عدد من القرى ذات الأغلبية الدرزية في محافظة السويداء، الأمر الذي احتجت عليه السفارة السورية في عمان ووصفته بأنه خرق لسيادة الدولة في سوريا.
وشكل حادث استهداف البرج 22 تحذيراً خطيراً للأمن القومي الأردني لعدة أسباب مترابطة: أولها أنه الحادث الأول الذي تنفذه “أطراف فاعلة ما دون الدولة”، جماعات مسلحة شيعية موالية لإيران ومصنفة إرهابية، على الأراضي الأردنية وضد الولايات المتحدة.
والسبب الثاني أنه أول استهداف ناجح من قبل هذه الجماعات ضد الأميركيين العاملين في الأردن على خلفية الصراع السياسي بين العرب وإسرائيل.
والسبب الثالث أنه الهجوم الأول ضد القواعد الأميركية في الأراضي الأردنية من قبل الجماعات الشيعية الموالية للنظام الإيراني تأييداً لحركة حماس.
أما السبب الرابع فهو أن الهجوم هو الأول من نوعه في تاريخ العلاقات العسكرية الأردنية – الأميركية الذي ينجح بشكل متعمد في استهداف التواجد الأميركي العسكري والقواعد الأميركية، وتنتج عنه خسائر في الأرواح والممتلكات، خاصة بعد توقيع اتفاقية التعاون الدفاعي بين عمان وواشنطن في 31 يناير 2021.
المصالح الأميركية
الردود العسكرية المتبادلة قد تحول الأردن إلى ساحة حرب بالوكالة تشبه تلك الموجودة في جنوب لبنان واليمن
كانت المصالح الأميركية في الأردن خلال العقدين الماضيين عرضة لتهديد وخطر إرهاب الجماعات الإسلامية السنّية، خاصة قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين، وتنظيم داعش، وبعض عمليات الذئاب المنفردة.
ولم يتعرض الأردن أو المصالح الأميركية لأي عمليات إرهابية فعلية مُعلنة من قبل الجماعات الشيعية الموالية لإيران مثلما حدث في لبنان ودول أخرى على سبيل المثال.
وهذا ما يدفعنا الى القول بأن مهاجمة البرج 22 في الأراضي الأردنية من قبل الجماعات الشيعية الموالية لإيران تشكل نقطة تحوّل مهمة في تاريخ ظاهرة الإرهاب في الأردن.
وحسب بيانات مركز شُرُفات لدراسات وبحوث العولمة والإرهاب في عمان، فقد تعرضت المصالح الأميركية في الأردن بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 لثماني عمليات إرهابية مُعلنة على الأقل من قبل الجماعات الإرهابية السنية، أربع منها أحبطت من قبل دائرة المخابرات العامة، واستهدفت واحدة من هذه العمليات الأربع الجنود الأميركيين في قاعدة الجفر بجنوب الأردن.
ولم تسفر هذه العمليات الأربع عن أي خسائر في الأرواح أو الممتلكات على الجانب الأميركي.
ردة الفعل الأردنية الرسمية تجاه استهداف البرج 22 جاءت “خجولة” ومرتبكة في بداية الأمر
أما العمليات الإرهابية الفعلية الأربع الأخرى فقد نتجت عنها وفاة ستة أميركيين. الأولى عملية اغتيال لورنس ميشيل فولي الذي كان يعمل في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بتاريخ 28 أكتوبر 2002، ونفذها ثلاثة أشخاص نيابة عن أبومصعب الزرقاوي وقد تمت محاكمتهم وإعدامهم لاحقاً.
والعملية الثانية تمت في 19 أغسطس 2005 حيث تعرضت سفينتان عسكريتان أميركيتان من الأسطول الخامس الأميركي، وهما “يو أس أس اشلاند” و”يو أس أس كيرساج”، كانتا راسيتين في ميناء العقبة الأردني، لهجوم بصواريخ كاتيوشا من قبل ما يسمى كتائب الشهيد عبدالله عزام التابعة لتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، وفى حين لم يسفر الحادث عن خسائر في الأرواح أو الممتلكات في الجانب الأميركي، إلا أن العملية أدت الى مقتل جندي أردني وجرح آخر.
والعملية الثالثة تمت في 9 نوفمبر 2015 حين أقدم أنوار أبوزيد، يعمل نقيبا في الأمن العام الأردني ويعتقد أنه ذئب منفرد، على قتل اثنين من المدربين الأميركيين بالإضافة إلى مدرب جنوب أفريقي، ومواطنين أردنيين في مركز تدريب في الموقر – شرق عمان. والعملية الرابعة تمت في 4 نوفمبر 2016 حيث أقدم الرقيب أول في القوات المسلحة الأردنية / معارك سامي أبوتايه -يعتقد أنه ذئب منفرد- على قتل ثلاثة مدربين أميركيين في قاعدة الملك فيصل العسكرية الجوية الواقعة في الجفر بمحافظة معان أقصى جنوب الأردن.
ونلاحظ هنا أن ما يميز العمليات الإرهابية القاتلة التي نفذتها الجماعات الإرهابية السنية ضد الأميركيين في الأردن هو أنها تمت ليس عن طريق جماعات إرهابية معروفة، أو أفراد مدنيين؛ بل عن طريق أفراد مدربين عسكرياً، ضباط وأفراد من القوات المسلحة الأردنية كانوا يتعاملون مع القوات الأميركية سواء في القواعد العسكرية أو في مراكز التدريب.
الخطر من شرق الأردن
شهد الأردن خلال العقود الخمسة الماضية تهديدات وجودية للنظام والدولة من جهة حدوده الغربية مع إسرائيل، وهي ناتجة عن الحروب العربية مع إسرائيل، وتهديدات من الحدود الشرقية من قبل النظام العراقي، وتهديدات من الشمال من قبل النظام السوري؛ على خلفية محاولة تدخل النظامين البعثيين (السوري والعراقي) في الأردن لمساعدة الفصائل الفلسطينية.
ومن المفارقات التاريخية أن الأردن آنذاك لجأ إلى طلب المساعدة من الولايات المتحدة للمحافظة على بقاء النظام ووحدة البلاد والدولة، وقد ساعدت تلك العلاقة الأردن على تحقيق تلك الأهداف.
ومع ذلك، هناك مخاوف من تجدد قدوم الخطر تجاه الأردن من حدوده الشرقية التي تسيطر عليها عملياً جماعات مسلحة موالية لإيران، خاصة مع تدحرج العمليات العسكرية المحدودة -حتى الآن- على مثلث الحدود الأردنية – العراقية – السورية بوتيرة تبعث على الخوف من الانزلاق إلى صراع مسلح وعمليات استنزاف مستمرة.
وقد تتحول الردود العسكرية المتبادلة إلى ساحة حرب بالوكالة لإيران تشبه تلك الموجودة في جنوب لبنان بين حزب الله اللبناني وإسرائيل، وبين الحوثيين في اليمن وقوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة.
وقد يبدو مثل هذا السيناريو مستبعدا وضئيل الاحتمال لدى الكثير من المحللين والإستراتيجيين، لكن حصوله سيكون كارثياً على الأمن القومي الأردني وعلى المصالح الغربية والأميركية تحديداً.
هناك مخاوف من تجدد قدوم الخطر تجاه الأردن من حدوده الشرقية التي تسيطر عليها عملياً جماعات مسلحة موالية لإيران
ومن ثم، فإن التدخل الاستباقي لمنع حدوث مثل هذا السيناريو يشكل مسألة ضرورية وذلك في ظل الأحداث الوخيمة المتواترة في المنطقة والتي تحذر من التراخي في معالجة القضايا المتعلقة بالأمن القومي.
ومع ذلك جاءت ردة الفعل الأردنية الرسمية تجاه استهداف البرج 22 “خجولة” ومرتبكة في بداية الأمر.
ورغم أن الأردن وصف العملية بالإرهاب فإنه لم يُعبر في بيانه بعمق ووضوح عن خطورتها على الأمن القومي الأردني ومستقبل العلاقات الأردنية – الأميركية، وذلك بالرغم من وجود اتفاقية تعاون رسمية بين البلدين. كما فشل البيان في الإشارة إلى العملية على أنها خرق متعمد لسيادة الأردن على أراضيه من قبل العراق وإيران.
ويبدو أن السبب وراء ذلك كان ثقة تامة من قبل الدولة العميقة في الأردن بأن الجانب الأميركي -بما أنه المتضرر الرئيسي من الهجوم- سيتولّى الرد نيابة عن الأردن.
وبالفعل هذا ما حصل من قبل الجانب الأميركي من خلال قيامه بشن ضربات عسكرية استهدفت أكثر من 85 هدفاً لأماكن تواجد قيادات وكوادر الحرس الثوري الإيراني والجماعات المسلحة الموالية لإيران في العراق وسوريا، وعلى رأسها اغتيال القيادي البارز في كتائب حزب الله وسام محمد صابر الساعدي (أبوباقر الساعدي) وسط بغداد في 8 فبراير 2024.
ورغم أن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في 2 فبراير الماضي لم يذكر في تصريحه حول الضربات مشاركة الأردن فيها، ونفي الأردن الرسمي مشاركته في هذه الضربات، إلا أن بعض النواب العراقيين بدأوا تحركاً لفرض عقوبات على الأردن من خلال إلغاء الامتيازات الممنوحة في العلاقات الاقتصادية مع الأردن والتي تسمح ببيع النفط بأسعار مخفّضة، الأمر الذي لا يمكن فصله عن السلوك العدائي لإيران والجماعات العراقية الموالية لها تجاه الأردن ومصالحه.
تحالف الضرورة
جاءت زيارة العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني إلى واشنطن ولقاؤه الرئيس الأميركي جو بايدن بالبيت الأبيض يوم 12 فبراير الماضي في وقت حساس جدا بالنسبة إلى الأردن والولايات المتحدة.
وفي مستهل حديث الملك عبدالله الثاني أكد أن زيارته تحمل معنى إضافيا، إذ يحتفل الأردن والولايات المتحدة بمرور 75 عاما على الشراكة الإستراتيجية الاستثنائية بينهما. وهما في أمس الحاجة إلى التحالف والتعاون وتعميق هذا التعاون الآن وفي المستقبل للتغلب على أزمات وصراعات الشرق الأوسط التي لا تنتهي.
ولا شك أن عملية استهداف القاعدة الأميركية في الأردن ستساهم في إعادة تفكير وتقييم الحليف الأميركي للمخاطر التي تواجه الأمن القومي الأردني وأمن قواعد الولايات المتحدة في الأردن وأخْذها على محمل الجد.
ينبغي للولايات المتحدة أيضًا أن تدرك أن هناك احتمالا لظهور معارضة شعبية في الأردن ضد القواعد الأميركية
وفى ظل هذه الأجواء المتوترة والمخاطر الأمنية الواضحة التي يواجهها الأردن، يجب أن تقوم الولايات المتحدة بتزويد حليفها الأردن بما يحتاجه من أنظمة الحماية الصاروخية مثل أنظمة الباتريوت التي طلبها الأردن مؤخرا، وتزويده بأنظمة مضادة للطائرات المسيرة.
ومن جهة أخرى، إذا أقدمت الولايات المتحدة تحت الضغوط الداخلية والضغوط العراقية والإيرانية على سحب قواتها من العراق وسوريا، فسيشكل ذلك كابوسا للأمن القومي الأردني، لأن الفراغ الذي سيتركه الأميركيون ستملؤه إيران والجماعات المسلحة الشيعية الموالية لها، بالإضافة إلى روسيا وتركيا.
ومع ذلك، ينبغي للولايات المتحدة أيضًا أن تدرك أن هناك احتمالا لظهور معارضة شعبية في الأردن ضد القواعد الأميركية، ذلك أن وجود القواعد الأميركية في الأردن كان له معارضوه، وله سلبياته ومخاطره وكلفته الأمنية من جهة أن الأردن يمكن أن يصبح ساحة معركة جديدة مع استمرار الهجمات الإقليمية على الأهداف الأميركية.
ومع افتراض استمرار الحرب والتصعيد في غزة والتآكل المتسارع في شعبية الولايات المتحدة في الأردن نتيجة دعمها للإجراءات الإسرائيلية في غزة، من المتوقع أن يتصاعد الضغط السياسي والشعبي على الأردن في المستقبل، لاسيما إذا جرت الانتخابات البرلمانية نهاية العام ووصلت كتلة مؤثرة من الإسلاميين المتطرفين إلى السلطة.
و قد يصل الضغط في مرحلة ما إلى المطالبة بخروج القوات الأميركية (حوالي 3000 عسكري) من الأردن، وإلغاء اتفاقية التعاون العسكري بين البلدين بحجج كثيرة؛ أقلّها أن الاتفاقية لم تُعرض على مجلس الأمة الأردني أصلاً.
ولذلك فإن فهم واستباق التداعيات المحتملة للعلاقة الأمنية بين الولايات المتحدة والأردن يمثلان أمرا ضروريا للإبقاء على علاقة صحية بين البلدين.