كريتر نت – متابعات
تحولت عملية توزيع مساعدات إنسانية في شمال قطاع غزة الخميس إلى مأساة أدت إلى مقتل أكثر من مئة شخص في ظل تصريحات متضاربة وظروف لم يتم تحديدها بدقة، لكنها تشمل إطلاق جنود إسرائيليين النار وتدافع الحشود. وأفادت وزارة الصحة التابعة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) أن نيران الجيش الإسرائيلي أدت إلى مقتل 116 شخصا على الأقل أثناء تجمعهم للحصول على المساعدات في شمال القطاع المحاصر. من جهته، أقر الجيش بوقوع عمليات إطلاق نار “محدودة”، مرجحا أن غالبية الضحايا قضوا جراء “الازدحام الشديد والدهس”.
فماذا جرى؟
وقال شاهد عيان في مدينة غزة لوكالة فرانس برس إن الحادثة وقعت عندما هرع الآلاف من الفلسطينيين وهم في أمسّ الحاجة إلى الغذاء نحو شاحنات المساعدات عند دوار النابلسي الواقع على شارع الرشيد في غرب المدينة. وقال الشاهد الذي طلب عدم نشر اسمه حرصا على سلامته “اقتربت شاحنات تنقل المساعدات من بعض دبابات الجيش التي كانت في المنطقة وانقض الحشد الذي يضم الآلاف من الأشخاص على الشاحنات”. وأضاف “أطلق الجنود النار على الحشد عندما اقترب الناس من الدبابات”.
وكان علي عوض أشقير الذي ذهب لإحضار بعض الدقيق لأسرته التي تتضور جوعاً ينتظر منذ ساعتين عندما وقعت الحادثة. وقال “في حوالي الساعة الرابعة فجرا بدأت الشاحنات بالوصول. وفور وصولها أطلق جيش الاحتلال قذائف المدفعية والرشاشات”. وقال مسؤول عسكري إسرائيلي إنه حصل في البداية تدافع بوجود “الآلاف من الأشخاص.. أصيب وقُتل العشرات من الغزيين، بعضهم دهسته الشاحنات”.
ثم تمكنت بعض شاحنات القافلة من مواصلة طريقها. وأضاف المسؤول أن “العشرات من المدنيين هرعوا إلى الشاحنات واقتربوا من الدبابات والقوات القريبة منها”. وأضاف أن “الجنود أطلقوا طلقات تحذيرية في الهواء ثم أطلقوا النار باتجاه من شكلوا تهديدا ولم يبتعدوا”. وقال “أستطيع أن أقول إن ردنا كان محدودا، ونيراننا محدودة.. لم يكن حدثا جللا من وجهة نظرنا”.
◙ الحادثة وقعت عندما هرع الآلاف من الفلسطينيين وهم في أمسّ الحاجة إلى الغذاء نحو شاحنات المساعدات عند دوار النابلسي
وأظهرت صور ملتقطة من الجو نشرها الجيش الإسرائيلي من قال إنهم عشرات من السكان يحيطون بشاحنات المساعدات في مدينة غزة. إلا أن هذه الصور التي نشرها الجيش تثير العديد من الأسئلة. فهي لا تؤشر إلى ما حصل في بداية الحادث أو ختامه، كما أن بعض النقاط تبدو مغطاة بالأسود أو غير واضحة. وتظهر في منطقتين فيها عربات عسكرية إسرائيلية متمركزة على مقربة من الطريق التي سلكتها قافلة المساعدات.
وأفادت وزارة الصحة التابعة لحماس السبت عن “استشهاد مواطن في مستشفى كمال عدوان متأثرا بجراحه التي أصيب بها في مجزرة شارع الرشيد صباح الخميس الماضي، لترتفع بذلك حصيلة المجزرة إلى 116 شهيدا حتى اللحظة”، مؤكدة أن العدد مرشح للزيادة بسبب خطورة بعض الإصابات وعدم توفر الإمكانيات الطبية لمعالجتها.
وكانت الوزارة أفادت سابقا عن إصابة 760 شخصا على الأقل بجروح. وكان المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري تحدث مساء الخميس عن مقتل أو جرح “العشرات من الغزيين”. ومن جهتها، أعلنت الأمم المتحدة أن فريقا تابعا لها زار الجمعة مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة الذي استقبل المئات من الجرحى، وذلك غداة مطالبتها مع دول عدّة بإجراء تحقيق في هذه الحادثة.
وأظهرت صور مشيعين متجمعين حول جثث سجيت بأكفان بيضاء في مستشفى الشفاء. وأمضى موظفون في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) ومنظمة الصحة العالمية واليونيسف، ما يزيد عن ساعتين صباح الجمعة في المستشفى، وفق ما أوضح المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة.
وقال ستيفان دوجاريك الجمعة إن “الشفاء استقبل أكثر من 700 جريح، منهم 200 لا يزالون في المستشفى، ووقت هذه الزيارة أبلغهم موظفو المستشفى أنهم استقبلوا 70 جثة لأشخاص قتلوا (الخميس)”. وأثار مقتل العشرات أثناء إيصال المساعدات سلسلة من الإدانات الدولية والدعوات المتجددة لوقف إطلاق النار. وبدأت الولايات المتحدة السبت إنزال مساعدات إنسانية من الجو فوق قطاع غزة، غداة تأكيد الرئيس الأميركي جو بايدن أنه “علينا القيام بالمزيد، والولايات المتحدة ستقوم بالمزيد” حيال الوضع الإنساني في القطاع.
وأكد بايدن أن الولايات المتحدة، أبرز داعمي إسرائيل سياسيا وعسكريا، “ستصّر” على ضرورة سماح الدولة العبرية بدخول كميات إضافية من المساعدات. وأوضح “لا توجد أعذار لأن الحقيقة هي أن كمية المساعدات التي تدخل غزة بعيدة كل البعد عن الكمية الكافية. فحياة الأبرياء على المحك، حياة الأطفال على المحك”.
وانتقد وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه في مقابلة مع صحيفة “لوموند” نشرت السبت السلطات الإسرائيلية معتبرا أنها مسؤولة عن منع وصول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة. ومنذ عدة أشهر، تحذّر منظمات الإغاثة من حالة يأس تزداد حدة بين المدنيين في غزة، وقال مسؤول من مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية الاثنين إن انتشار المجاعة على نطاق واسع “يكاد يكون حتميا” إذا لم يتغير شيء.
وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن 2.2 مليون شخص – هم الغالبية العظمى من سكان قطاع غزة – مهددون بالمجاعة، خاصة في المناطق الشمالية المحيطة بمدينة غزة. ووفقا لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) دخلت ما يزيد قليلا عن 2300 شاحنة مساعدات إلى قطاع غزة في فبراير، وهو عدد يقل بنحو 50 في المئة عن المسجل في يناير.
وهذا أقل بكثير من 100 شاحنة يوميا في المتوسط، مقارنة مع نحو 500 شاحنة كانت تدخل يوميا قبل الحرب. وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إن القافلة التي ضمت 38 شاحنة دخلت إلى غزة عبر معبر رفح الحدودي مع مصر، وهي تعود إلى “شركات خاصة”، من دون تقديم تفاصيل إضافية بشأنها. من جهته، قال المفوض العام لوكالة الأونروا فيليب لازاريني “لم تشارك الأونروا ولا أيّ وكالة أخرى تابعة للأمم المتحدة في عملية التوزيع هذه”.