لينا مظلوم
ضمن حوارات صحفية أجراها المستشار الدمرداش العقالى وردت واقعة يجدر التوقف عندها، حدثت قبل أن تلبى جماعة الإخوان المسلمين المنحلة ومرشدها حسن البنا نهم وشغف سيد قطب للزعامة. إذ يروى المستشار أن سيد قطب -زوج خالته- نظر إلى ابن شقيقته وكان أحد أعضاء جماعة الإخوان سائلاً إياه «ماذا فعل بكم حسن الصباح بتاعكم؟». لم تكن الكلمات مجرد استفسار ساخر، هى إشارة لمغزى أعمق يحمل فى طياته حقيقة تاريخية. سيد قطب عاد بكلماته إلى الجذور.. تحديداً القرن الحادى عشر الميلادى، والدولة العباسية تترنح فى طريقها إلى النهاية. ولد حسن الصباح وشب معتنقاً مذهب الطائفة الإسماعيلية، لينضم بعدها إلى الفرقة الباطنية التى خرجت من عباءة الطائفة الإسماعيلية وتعتبر أكثر المذاهب الشيعية تطرفاً وسرية، تقوم على رئاسة الإمام للسلطة الدينية والدنيوية حتى يحين موعد ظهور المهدى المنتظر. نقلة سريعة إلى عام 1928 تاريخ إنشاء حسن البنا لجماعته التى تلتقى مع طائفة الحشاشين فى فكرة العزل مع اعتبار الجماعة أنهم فقط الفئة المسلمة وليسوا فئة من المسلمين.
اعتمد حسن الصباح على نشر مكثف للدعوة تحديداً بين الفتية والشباب بين الثانية عشرة والعشرين من العمر. استهل عملية استقطاب العنصر البشرى بتدريبات شاقة على كل وسائل الاغتيال بشكل احترافى ومنظم، هنا لا يجب أن نغفل أن حسن البنا أيضاً اعتمد على إنشاء وحدات مدربة على القتال والعنف تحت مسميات تخفى حقيقة وأهداف هذه المجموعات مثل «الكشافة»، «الجناح العسكرى السرى».
حشد حسن الصباح أعداداً كبيرة واستقر فى قلعة «آلموت» الحصينة. كما تمكن «الصباح» من جذب الأنصار تحديداً عند المنطقة بين إيران وأفغانستان. كان «الصباح» يمتلك دراية بتحضير أنواع شراب وبخور مختلفة من الأعشاب الطبيعية استخدمها لخلق أجواء إيحاء نفسى بين الفتية من أتباعه فى طقس أشبه بما يعرف «غسيل أدمغة» لتغيير أنماطهم السلوكية وقناعاتهم كى يصبح أتباعه مجرد آلة تديرها توجهاته، حتى وصل الأمر إلى وهم تصدير الجنة بكل ملذاتها على أنها المكافأة التى سينالونها إذا ما نفذوا أوامره بالقتل والاغتيال بعد أن أوهم أتباعه باتخاذه لقب «حامل مفاتيح الجنة».
نفذ الحشاشون اغتيالات لا حصر لها أشهرها وزير السلطان السلجوقى «ملك شاه» ووزيره «سنجر» بالإضافة إلى عدة محاولات لاغتيال السلطان صلاح الدين الأيوبى. هنا أيضاً تعيدنا الذاكرة إلى نهج الاغتيال الذى نفذته الجماعة ضد شخصيات شهيرة، على سبيل المثال لا الحصر رئيسا الوزارة أحمد ماهر ومحمود فهمى النقراشى، القاضى أحمد الخازندار، ثم فيما بعد رئيس مجلس الشعب رفعت المحجوب، والنائب العام هشام بركات والمفكر فرج فودة، طبعاً بالإضافة إلى محاولات استهداف الرئيس جمال عبدالناصر.
مصادر عديدة وثقت تأثر حسن البنا بالمذهب الشيعى، تحديداً سيرة ومسار حسن الصباح مستلهماً النهج فى مرحلة التكوين ثم وسائل الاستقطاب والتعبئة، أما الهدف لا يتغير: القتل، نشر أجواء الترهيب والفوضى والانقسام. رغم الفارق الزمنى الشاسع يتطابق كلا «الحسنين» فى رذيلة التخابر، حسن الصباح تاجر فى سوق التخابر مع عدة جهات منها التحالف مع فرقة سرية إرهابية صليبية هى فرسان المعبد، كما تخابر البنا مع الإنجليز. استلهم «البنا» فى تكوين الجماعة المنحلة الكثير من الأطر العامة لتأسيس جماعة تستتر بالدين كواجهة لأطماعها والاستئثار بالسلطة مهما بلغت وحشية ودموية الوسائل المتبعة للوصول للهدف. نهج التكفير هو أيضاً أحد العوامل الأساسية التى استحضرها البنا من تاريخ الحشاشين.. بل إن حسن البنا زعم فى نفسه الإمامية مثل حسن الصباح.
الحقيقة أن إسقاط سيد قطب هو وصف دقيق لتطابق التنظيمين؛ الحشاشين والجماعة، رغم الاختلاف الظاهرى سواء فى المذهب أو أدوات الإدارة بحكم اختلاف العصور. الأدلة تبدأ مع طقوس البيعة فى المنشط والمكره، السيطرة الذهنية والنفسية على الأتباع إلى درجة الانصياع الكامل دون إخضاع الأمر لأى مراجعة عقلية. المتابعة الدقيقة لمسلسل الحشاشين تكشف بوضوح عدم وجود اختلاف كبير بين الأمس البعيد والقريب فى طبيعة علاقة الاقتباس بين التيارات الراديكالية أياً كان المذهب سنياً أو شيعياً إذ خرج قادة التنظيمات التكفيرية من رحم كليهما كما جاء فى اعترافاتهم شخصياً.
عامل التطابق الأخطر التقاء التنظيمات التكفيرية عبر عصور ومسميات مختلفة عند أولوية تشكيل منظومات أمنية موازية.. قوة دفاعية تفرض قوانينها الخاصة التى تلبى أهداف التنظيم التكفيرى، فكرة التقية أو إخفاء الباطن عن الظاهر، أيضاً استهوت حسن البنا عند قراءاته للمذاهب الشيعية المختلفة، إذ تبنت هذه التنظيمات التكفيرية على اختلاف مذاهبها الإعلان عن عزوفها السياسى رغم كون السياسة على رأس أجندات هذه التنظيمات، فالفرق الباطنية سعت منذ تأسيسها إلى إضعاف الخلافة العباسية وتهديد وحدة العالم العربى.. هنا يجدر التوقف للذكرى عند جرائم وإرهاب جماعة الإخوان المنحلة التى ظهرت للشعب المصرى بعد الكشف عن أوجههم القبيحة.
نقلاً عن “الوطن”