محمد صلاح
ليست المرة الأولى التي يجيّش تنظيم “الإخوان المسلمين” الإرهابي منصاته وقنواته وصفحات عناصره في مواقع التواصل الاجتماعي للهجوم على مسلسل تلفزيوني، وبالطبع فإن تشويه أي مسلسل أو عمل فني لا يتضمن أبداً، بالنسبة إلى التنظيم، نقداً لمستوى أداء الممثلين أو عناصر الإنتاج كالموسيقى التصويرية أو السيناريو أو الحبكة الدرامية أو تناغم المشاهد مع الواقع أو السياق التاريخي، فالإخوان ليس في تاريخهم أي علاقة بالفن أو الإبداع.
هم فقط حين ينفذون الأوامر بشن حملات ضد هدف بعينه يستخدمون أسلوب الردع بالكراهية لتوصيل رسالة مفادها أن من يشيد بالمسلسل أو الفيلم أو الشخص أو من يتابعه أو معجب به هو مجرد “مطبلاتي” هدفه الترويج للسيسي وتأييد حكمه لمصر وشريك في سجن الإخوان ومطاردتهم ونزع الحكم منهم!
هذه حال الإخوان مع مسلسل “الحشاشين” الذي آل مصيره، بالنسبة إلى الإخوان، إلى المصير نفسه الذي حظي به من قبل مسلسل “الاختيار” الذي كشف أدوار التنظيمات الإرهابية في سيناء وعلاقتها بالإخوان والمؤامرات التي شارك فيها التنظيم قبل أعاصير الربيع العربي وأثناءها وبعدها، وقبله فيلم “الممر” الذي عرض في قاعات السينما قبل سنوات عن قصة حقيقية عكست بطولة الجيش المصري أثناء حرب الاستنزاف ضد إسرائيل. فالإخوانجي يصدق قادته بأن الطريق إلى الجنة والفوز بحور العين لا بد من أن يمر عبر الإساءة إلى الجيوش الوطنية وتعظيم الميليشيات، ونشر الكآبة بين الشعب المصري وكل الشعوب التي تصدت لمؤامرات الإخوان أو حاصرتهم وطاردتهم ومنعت عنهم الأموال والنفوذ والسلطة، وعلى كل عنصر في الجماعة أن يحافظ على تماسكها عبر ترويج الأكاذيب عن السيسي وسياساته وطمس الحقائق التي قد تخفف الضغوط عن المصريين، وأن يجعل مؤيدي الرئيس المصري وداعميه مجرد مستفيدين من حكمه و”شلة” من المنافقين وطلاب المكاسب، وألا يمر عمل أو إنجاز أو حتى مسلسل تلفزيوني أو فيلم سينمائي أُنتج في عهد السيسي من دون إهالة التراب عليه وتشويه المشاركين فيه واغتيالهم معنوياً والسخرية من كل شخص يبدي إعجابه به، فالهدف دائماً الإيحاء بأن السنة التي حكم فيها الإخوان مصر هي فقط التي شعر فيها الناس بالسعادة والرخاء والحرية والتقدم والإبداع والسير في طريق الجنة!
لا يغضب الإخوان فقط من الأعمال الدرامية التي تتناول تاريخ الجماعة الدموي وظروف تأسيسها وتحالفاتها وتعاونها مع القصر والاحتلال الإنكليزي قبل ثورة تموز (يوليو) 1952 ومحاولتها اقتسام السلطة مع الضباط الأحرار بعدها، ومؤامرات التنظيم ضد جمال عبد الناصر وتعاون الإخوان مع الأميركيين بهدف إزاحته وتورطهم في محاولة اغتياله ثم إفراز الجماعة تنظيمات إرهابية أخرى بمسميات مختلفة لإبعاد الاتهامات التي تطال الإخوان باستخدام العنف والإرهاب والإيحاء والترويج أنهم أعضاء في جماعة سلمية، بل يسعون إلى تفخيخ كل دراما تظهر المجتمع، أي مجتمع، يعيش في أمان من دونهم ويدين أبناؤه بالولاء للوطن وليس لتنظيمهم، ويفخر بنماذجه الناجحة إذا كان بين تلك النماذج من لا ينتمي للإخوان، ناهيك بإذا كان من الداعمين للدولة ومؤسساتها ومعارضاً لسلوك الإخوان ويتجنب التعامل مع رموزهم.
يتذكر المصريون كيف سعى الإخوان إلى استمالة اللاعب المصري محمد صلاح وجماهيره منذ أن بدأ مسيرته المبهرة في كرة القدم العالمية حتى وصل إلى مكانته الرفيعة في نادي ليفربول الإنكليزي، وعجزوا وأخفقوا وفشلوا، وحاولوا التأثير على المشاعر الجارفة من المصريين والعرب وحتى الأجانب تجاه صلاح، ثم تركوا الأسلوب القديم واتجهوا إلى آخر أكثر تخلفاً، وأوقفوا الحديث عن موهبة صلاح “المحدودة” أو شعره “الكثيف” أو ملابسه “الإفرنجية” واستعادوا مفردات أخرى للإساءة إلى مصر والمصريين، فصلاح نجح لأنه ترك مصر ولم يستمر فيها رغم أنه داعم للسيسي على حساب الشعب المصري!
بغض النظر عن تفاصيل مسلسل “الحشاشين” ووجهة نظر المؤرخين والنقاد فيه، فإن الإخوان يقحمون أنفسهم دائماً لتحويل كل إنجاز إلى مصيبة وتسخين الأجواء في كل كارثة وسرقة فرحة المصريين بعد كل نجاح، وهم خرجوا فاشلين من أداء دورهم في مشروع رأس الحكمة وهزموا في معركة النيل من لاعب ليفربول صلاح، وأخفقوا في صرف الناس عن الإشادة بفيلم “الممر”، والآن يجيّشون أنفسهم ويصوّبون منصاتهم الإعلامية ضد الدراما المصرية عموماً ومسلسل الحشاشين خصوصاً، رغم أن أحداثه جرت قبل تأسيس تنظيم الإخوان بقرون عدة، هم يخشون الربط بين جرائم الحشاشيين وإرهابهم وطبيعة تكوين جماعتهم وصفات زعيمهم حسن الصباح، وظروف نشأة تنظيم الإخوان وجرائمهم وتحالفاتهم مع أي شخص أو جهة أو دولة لنشر الخراب وتحقيق أهداف الإخوان، ويصيحون ويملأون الدنيا ضجيجاً لعل أذهان الناس لا تتذكر سخرية سيد قطب من حسن البنا عندما شبه صفاته بالصفات نفسها التي وسمت زعيم الحشاشين حسن الصباح.
لا يستطيع الإخوان أن يخفوا مشاعر الغضب كلما وقع حدث يسرّ المصريين أو يسعد شعباً عانى لعقود ظروفاً صعبة في مجالات مختلفة، ولأسباب متعددة، أهمها على الإطلاق وجود تنظيم ظل على مدى عقود يهدم أسس الدولة ويخرب كل بناء فيها، ويعمد فقط إلى تقوية هياكله وفروعه، وكلما ابتسمت الدنيا في وجوه المصريين. هجم عليهم دعاة الإحباط وناشرو اليأس ومروجو الطاقة السلبية ليسلبوا الفرحة ويطفئوا الأنوار، ويشيعوا النكد حتى لو كان الحدث المبهج لا علاقة له بالسياسة أو الحكم أو السيسي أو الجيش، فالمهم لدى هؤلاء أن يبكي المصريون فراق الإخوان وأن يحزن الشعب لأن محمد مرسي ترك الحكم بفعل ثورة شعبية، وأن يرثي الجميع أحوال المصريين ما دام المرشد يرتدي لباس الإعدام، وأن تظل الكآبة سائدة إلى أن يسترد التنظيم العرش الذي خطط للسطو عليه لعقود طويلة.
نقلاً عن “النهار” العربي