ترجمة: أحمد ليثي
تعدّ جماعة الإخوان المسلمين أقدم وأكبر منظمة انبثقت منها جماعات إسلامية عديدة في كلّ مكان في العالم العربي، غير أنّ الجماعة قد مُنعت من ممارسة السياسة؛ نظراً إلى أنّ هدفها الأول هو الإطاحة بالحكومة المصرية المدنية.
أعلن الإخوان العنف في سبعينيات القرن الماضي، وجنوا دعماً كبيراً جراء الخدمات الاجتماعية التي كانوا يقدمونها؛ كالمدارس والمستشفيات والصيدليات.
بعد خلع الرئيس الأسبق، حسني مبارك، إثر احتجاجات “الربيع العربي”، في 2011، حصد الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين (حزب الحرية والعدالة) أغلبية برلمانية، وفاز مرشحه، محمد مرسي، بالانتخابات الرئاسية. وهكذا، رأت العديد من التحليلات صعود الإخوان المسلمين كاختبار لما إذا كانت الجماعة ما تزال ملتزمة بالمبادئ الأيديولوجية للآباء المؤسسين، أم أنّها ستخضع لمتطلبات الحكم، ومع ذلك؛ تميزت فترة محمد مرسي بإحباط واسع الانتشار وسوء إدارة الاقتصاد، وحُكم عاجز. وقد خلع الجيش إدارة مرسي، في تموز (يوليو) 2013، وقررت الحكومة أن تحبط الجماعة مرة أخرة، بأن تمنعها من ممارسة السياسة من خلال القنوات الرسمية.
تاريخ من العنف
تأسست جماعة الإخوان المسلمين عام 1928، وكانت أكثر الحركات الإسلامية تأثيراً؛ إذ إنّ البنا كان يرفض النموذج الغربي العلماني الذي يقوم على حكومة ديمقراطية، وهو ما يتناقض مع مفهومه الذي يتبنى حكماً إسلامياً عالمياً، كما لاحظ لورانس رايت في كتابه “البروج المشيّدة”، على أنّ مهمة الإخوان الأساسية كانت أسلمة المجتمع من خلال الدعوة إلى القيم والأخلاق والقانون الإسلامي (الشريعة).
اكتسبت الجماعة شرعية بين الدوائر الانتخابية الأساسية، وتحديداً بين الطبقة المتوسطة الدنيا، كما باتت هي المقاومة الأكثر فاعلية ضد الهيمنة البريطانية (1882-1952)، وانضم الإخوان المسلمون للضباط الأحرار، الذين كانوا قيادات وطنية في الجيش المصري، يحاولون تخليص البلاد من الحكم الملكي المدعوم من بريطانيا، لكنّ الصراع احتدّ بين الإخوان والجيش بعد تنازل الملك فاروق عن العرش، عام 1952، وولت النخبة العسكرية مسؤولية البلاد لجمال عبد الناصر.
لقد حاول نظام يوليو أن يجعل مصر على رأس حركة اشتراكية وعلمانية شاملة الوطن العربي كله، في حين رفض الإخوان المساواة والقومية بحجة أنّهما ضدّ الإسلام، ونادوا بتطبيق الشريعة.
هذا التوتر بين الطرفين؛ دفع الإخوان لتبني محاولة اغتيال ناصر، عام 1954، لكن الردّ أتى سريعاً حين زُج بآلاف الإخوان المشتبه بهم، ومنهم سيد قطب، خليفة حسن البنا، في السجن.
وعلى الرغم من أنّ عبد الناصر منع الإخوان من الاشتراك في الحكومة إلا أنّ الجماعة، وبدلاً من ذلك، صارت واسعة الانتشار في المجتمع، وراحت تبني الولاءات كحركة شعبية مناهضة وبديلة للدولة المصرية، التي لم توفر الرخاء ولا الرفاه وعانت من الهزائم العسكرية أمام إسرائيل.
طوّر سيد قطب حركة مسلحة ضد النظام المصري، وصار يكتب من داخل السجن بعد اعتقاله، عقب محاولة اغتيال ناصر، وخرج عمله “معالم في الطريق”، تحديداً عام 1964، وهو يعد “مانيفستو” الجماعات الإسلامية، الذي صار أساساً فقهياً للكثير من الجماعات الإسلامية السنّية، كالقاعدة، وحماس، ذلك أن كثيراً ما تستشهد القيادات المتشددة للجماعات الإسلامية بسيد قطب الذي أُعدم في 1966، لزعمه أن تلك الحكومة لا تطبق الشريعة ومرتدة، وبالتالي فهي أهداف مشروعة للجهاد.
نحو سياسات براغماتية
رغم أنّ تأسيس دولة إسلامية قائمة على الشريعة هي النواة الأساسية في أجندة الإخوان المسلمين، إلا أنّ الجماعة اكتسبت شهرة واسعة ومؤثرة من خلال دعمها للخدمات الاجتماعية التي فشلت فيها الدولة نسبيا.
أعلنت الجماعة العنف في عهد أنور السادات، الذي سمح لهم بالدعوة في مقابل دعمه مقابل مناوئيه السياسيين الموالين لناصر واليساريين، أعطى السادات وعداً شفهياً للجماعات الإسلامية بتطبيق الشريعة، وأخرج الإسلاميين من السجن، غير أنّه سرعان ما اغتيل عام 1981، بواسطة أعضاء في “جماعة الجهاد”، المنبثقة عن الإخوان المسلمين، والذين زعموا أنّ السادات لا يطبق الشريعة الإسلامية، كما اعترضوا على اتفاقية السلام التي عقدها عام 1979.
رأى الإخوان نظام مبارك وريثاً شرعياً لنظام السادات …، بحسب الباحث ناثان براون، الذي قال: إنّ “الجماعة توقفت عن التزامها المستمر بمبادئ سيد قطب التي تدعو للعنف من خلال التركيز على مفهوم “الطليعة”، وبدأت تسعى فيه إلى أسلمة المجتمع، بواسطة نخبة سياسية فاعلة في العمل الجماعي والمشاركة”، وبالفعل شارك المرشحون المنتسبون لجماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات المحلية والبرلمانية، كمستقلين، عام 1984.
ويختلف الأعضاء داخل الإخوان المسلمين في تفسيراتهم الأرثوذكسية للإسلام، فضلاً عن ميولهم الأيديولوجية أصلاً، في مقابل الميول العملية، غير أنّ الحرس القديم للجماعة الذي يعدّ محافظاً في أغلبه، قد هيمن على الجماعة في الأعوام الأخيرة.
تحديات سياسية منذ الثورة
برزت جماعة الإخوان المسلمين كقوة سياسية في مصر، بعد إقالة مبارك من منصبه، وسط احتجاجات جماهيرية، في شباط (فبراير) 2011 ويرجع ذلك إلى أنّ قدرتها التنظيمية لم يكن لها مثيل، لكن الانتصارات التي حققتها جماعة الإخوان في الانتخابات شُوّهت بسبب الصراع على السلطة بينهم وبين الجيش والقضاء؛ إذ إنّ المعارك كانت تدور هذه الأيام حول صياغة دستور جديد.
حاز حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسي للإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية، عام 2011 -2012، حوالي نصف مقاعد مجلس النواب، وحصد الإسلاميون على اختلاف طوائفهم على 84% من المقاعد في مجلس الشورى، وفي مواجهة المدّ المتزايد لجماعة الإخوان المسلمين حلّت المحكمة الدستورية البرلمان، في حزيران (يونيو) 2012، وأُلغي القانون الذي كان يمنع مسؤولي النظام السابق من ترشيح أنفسهم في انتخابات رئاسة الجمهورية، الأمر الذي سمح لآخر رئيس وزراء في عهد مبارك، أحمد شفيق، من الترشح في الانتخابات؛ بل ونافس محمد مرسي في الجولة الثانية، غير أنّ مرشح الإخوان فاز بنسبة ضئيلة، هي 51.7%، في جولة الإعادة… .
مع حلّ مجلس النواب؛ امتلك مرسي سيطرة تنفيذية وتشريعية على الحكومة، وفي أواخر تشرين الثاني (نوفمبر) 2012؛ أعلن مرسي نفسه محصناً من المراجعة القضائية، وهي خطوة أثارت ردة فعل فورية، فانطلقت المظاهرات العامة ضد ما وصفه المعارضون بـ “الاستيلاء على السلطة”، رغم أنّ مرسي كانت حجته في ذلك أنّ السلطة القضائية والجزء الأكبر من البيروقراطية المصرية يسيطر عليها بقايا النظام الذي كان يتوق إلى إعاقة الثورة، إلا أنّ المعارضة الشعبية الشديدة دفعته إلى إلغاء القرار بعد شهر واحد.
صراع دستوري
رغم إقرار دستور 2012، بأغلبية 64% في استفتاء عام على مستوى البلاد، إلا أنّ ثلث من يحق لهم الانتخاب فقط قد صوّتوا في استفتاء كانون الأول (ديسمبر)، وكان المعارضون قلقين بشأن دور الإسلام وفقاً للتصور الإخواني كأساس للقانون، ويخشون من عدم حماية حقوق المرأة وحريات التعبير وحرية العبادة، ولا يثقون بالسلطات الواسعة التي منحت لرئيس الجمهورية.
استمر الصراع بين مرسي والسلطة القضائية، حتى آذار (مارس) 2013، عندما ألغت المحكمة الإدارية مرسوماً رئاسياً يدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية في نيسان (أبريل)؛ بل وشككت المحكمة في دستورية وأحكام قانون الانتخابات، وكانت المعارضة المدنية قد دعت في السابق إلى مقاطعة التصويت في تلك الانتخابات.
انتقد العديد من المحللين تكتيكات مرسي، ووصفوها بأنّها “غير مرحَّب بها”، وقد أشار خبير سياسات الشرق الأوسط، روبن رايت، إلى أنّ أسلوب مرسي في الحكم “استقواء بالأغلبية”، بمعنى “الحكم الاستبدادي من قبل أكبر حزب في البلاد”، وقد وصلت المعارضة لحكم مرسي ذروتها في حزيران (يونيو) 2013؛ عقب تعيينه سبعة عشر محافظاً تابعين لجماعة الإخوان المسلمين، بما في ذلك عضو في الجماعة الإسلامية المتشددة السابقة، محافظاً للأقصر؛ حيث ذُبح عشرات السائحين، عام 1997، في هجوم إرهابي نفذته الجماعة الإسلامية.
في أعقاب جولة جديدة من الاحتجاجات الجماهيرية؛ أطاح الجيش، بمرسي، في 3 تموز (يوليو) 2013، وعلّق الدستور الذي تمّ الاستفتاء عليه، وشُكلت لجنة من خمسين عضواً، اجتمعت لتعديل الدستور، فيها اثنان فقط من الإسلاميين، لم ينتمِ أيّ منهما لجماعة الإخوان المسلمين، وقد صوّت المصريون على الدستور الجديد في 14 و15 كانون الثاني (يناير) 2014.
يقول المحللون: إنّ الوثيقة المنقحة للدستور حافظت على جزء كبير من نصّ عام 2012 …فهو يعيد حظر دستور عام 1971 للأحزاب السياسية، التي تتشكل على أساس أو مرجع ديني، وهكذا، مُنع حزب العدالة والحرية، التابع للإخوان المسلمين، من المنافسة السياسية، وتمت الموافقة على ذلك، في ظلّ الدعم الشعبي للحكومة الجديدة، ومقاطعة الإخوان المسلمين للتصويت.
الاقتراع أم الرصاصة؟
في أعقاب ثورة 2011؛ كان شبح الثورة الإيرانية يلوح في الأفق بالنسبة إلى كثير من المحللين في الغرب، الذين كانوا يخشون قيام نظام إسلامي معارض في مصر؛ يقول ستيفن كوك: إنّ مبارك استخدم الجماعة كفزاعة له لمدة ثلاثة عقود، مستشهداً بالثورة الإيرانية، وكان يذكّي مخاوف الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وبالتالي تأمين دعم واشنطن الدبلوماسي والسياسي والمالي السخي له.
كما أنّ الإسرائيليين أيضاً كانت لديهم تخوفات من تكرار ثورة 1979 في إيران، ورغم خطابات مرسي التي أكدت على السلام مع إسرائيل، وأن حكومته حافظت على التعاون الأمني والاستخباراتي القوي معها، وعلى معاهدة السلام المصرية عام 1970، وتوسطت لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، إلا أنّ المخاوف الإسرائيلية لم تنته.
في أعقاب الإطاحة بمرسي مباشرة، أعلنت جماعة الإخوان أنّها سترفض المشاركة في أيّ عمل مع “المستولين على السلطة”، ودعت الجماعة إلى انتفاضة ضدّ هؤلاء الذين سرقوا سلطتها، وباتت تنظم اعتصامات للاحتجاج على الحكومة الانتقالية، وردّت أجهزة الأمن على ذلك بالاعتقالات الجماعية.
أعلنت الحكومة أنّ الإخوان المسلمين “جماعة إرهابية” …، فيما أعلنت جماعة أنصار “بيت المقدس”، التي تتخذ من سيناء مقراً لها، مسؤوليتها عن الهجوم، وجاء الإعلان في أعقاب قرار قضائي صدر في أيلول (سبتمبر) يحظر أنشطة الجماعة أو التصرف في أموالها، واعتماد قانون يعطي الشرطة الحقّ في تقييد التجمعات العامة.
كتب خليل العناني، المحلل بمعهد الشرق الأوسط، أنّ مسار الجماعة في المستقبل يعتمد على تقييمها الذاتي والمراجعات التي ستجريها بعد رئاسة محمد مرسي، كما ستعتمد أيضاً على الإستراتيجية التي ستتبعها الدولة المصرية، وهل ستكون الاحتواء أم الاستئصال، إذا اختارت الحكومة الاحتواء، فقد تعود الجماعة إلى جذورها في الوعظ والرفاهية، وتخرج عن حزب الحرية والعدالة، كحزب سياسي، الذي أخذ شكل حزب العدالة والتنمية في تركيا، ذلك رغم أنّ هذا الخيار قد تم استبعاده في المستقبل المنظور، أما إذا واصلت الحكومة خطواتها في إستراتيجية القضاء والاستئصال، فإنّ عزلة الإخوان المسلمين ستزداد وتماسكهم الأيديولوجي سينهار… .
المصدر: زاكاري لوب