كريتر نت – متابعات
في الوقت الذي تخوض فيه إسرائيل حربا ضد حركة حماس في قطاع غزة منذ ما يقرب من ستة أشهر، يتعرض الإعفاء من التجنيد لانتقادات متزايدة داخل المجتمع.
ويعتقد قسم من الرأي العام أن اليهود المتشددين (الحريديم) يجب أن يخدموا مثل غيرهم ويساهموا في ضمان أمن البلاد.
وعادت معضلة تجنيد اليهود المتدينين أو “الحريديم” إلى الواجهة مجددا في إسرائيل، وباتت تهدد بقاء حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وهو الائتلاف الأكثر تشددا بتاريخ إسرائيل.
وتصطدم حكومة نتنياهو بنقطة مصيرية تتمثل في قانون تجنيد المتدينين اليهود في الجيش، ففي حال تفعيل القانون قد ينسحب قادة الأحزاب الدينية من الائتلاف الحاكم ما سيؤدي بالضرورة إلى سقوطه.
وفي الأيام الأخيرة فشلت الحكومة في التوصل إلى صيغة مقبولة بشأن تجنيد الحريديم؛ مما يجعلهم ملزمين بالتجنيد بداية من مطلع أبريل المقبل. ويشكل الحريديم نحو 13 في المئة من عدد سكان إسرائيل، وهم لا يخدمون في الجيش، ويقولون إنهم يكرّسون حياتهم لدراسة التوراة في المعاهد اللاهوتية.
ويلزم القانون كل إسرائيلي وإسرائيلية فوق 18 عاما بالخدمة العسكرية، فيما يثير استثناء الحريديم من الخدمة جدلا منذ عقود.
لكن تخلّفهم عن الخدمة العسكرية بالتزامن مع الحرب المتواصلة على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر وخسائر الجيش، زاد من حدة الجدل، إذ تطالب أحزاب علمانية (في الحكومة والمعارضة) الحريديم بالمشاركة في تحمّل أعباء الحرب.
وتستمر الخدمة العسكرية 32 شهرًا للرجال وسنتين للنساء وهي إلزامية للشباب الإسرائيليين، لكن جميع اليهود المتشددين تقريبًا معفيون منها، وذلك بفضل اتفاق يتيح للشباب الدراسة بدوام كامل في المدارس التلمودية لتأجيل خدمتهم العسكرية كل عام. وتُعفى النساء المتدينات الشابات تلقائيًا.
وفشلت الحكومات المتعاقبة منذ 2017 في التوصل إلى قانون توافقي بشأن تجنيد الحريديم، بعد أن ألغت المحكمة العليا قانونا شُرّع عام 2015 وقضى بإعفائهم من الخدمة العسكرية، معتبرة أن الإعفاء يمسّ بـ”مبدأ المساواة”.
ومنذ ذلك الحين، دأب الكنيست (البرلمان) على تمديد إعفائهم من الخدمة، ومع نهاية مارس الجاري ينتهي سريان أمر أصدرته الحكومة بتأجيل تطبيق التجنيد الإلزامي للحريديم، مما يلزم الحكومة بتقديم رد مكتوب إلى المحكمة العليا بشأن خطوات معالجة الملف الشائك.
وفي فبراير الماضي أصدرت المحكمة أمرا يطالب الحكومة بتوضيح سبب عدم تجنيد الحريديم. وانتهت مساء الأربعاء مهلة طلب التوضيح، دون أن تقدم الحكومة ردّها؛ بسبب خلافات داخل الائتلاف الذي يحكم منذ 29 ديسمبر 2022.
لكن الحكومة طلبت تمديد المهلة، وإذا لم تقبل المحكمة رد الحكومة فسيتعين على الأخيرة فرض تجنيد الحريديم بحلول الاثنين المقبل.
ووفق هيئة البث الإسرائيلية (رسمية) الخميس فإن “المستشارة القانونية للحكومة غالي بهارا – ميارا كتبت في مسودة الرد للمحكمة العليا أنه يجب الاستعداد لتجنيد طلاب المعاهد الدينية العليا، وإذا رفضوا فعلى الدولة وقف تمويل هذه المعاهد”.
واستدركت “ومع ذلك، رأت المستشارة القانونية ضرورة تحديد فترة استعداد قصيرة تمكّن مؤسسات التعليم الحريدية من التأقلم مع الوضع الجديد”. واعتبرت الهيئة أنه “لا يوجد خلاف على أنه لن يكون هناك تجنيد حقيقي للحريديم بداية من الاثنين، وستكون العقوبة وقف تمويل المعاهد الدينية”.
ورجحت أن “تسمح المحكمة بإلغاء تدريجي لهذه الميزانيات، بناء على طلب المستشارة القضائية للحكومة، ومع كل تخفيض سيزداد الضغط على السياسيين المتدينين للتوصل إلى اتفاقات حول مشروع قانون تجنيد الحريديم”.
في المقابل وعد نتنياهو زعماء الأحزاب الحريدية، في الأيام الأخيرة، بأنه في حال قررت المحكمة وقف ميزانيات المعاهد الدينية، فسيعمل على تحويل الميزانيات من مصدر آخر.
ورأت الهيئة أن “المشكلة تكمن في أنه في حال تحويل ميزانيات كبيرة، فإن ذلك يستوجب مصادقة الكنيست، وهو ما قد يعارضه عدد كبير من أعضائه”. ولفتت إلى أن “نوّاب من الأحزاب الحريدية هددوا بأن قضية التجنيد قد تؤدي إلى إسقاط الحكومة، بقولهم إن حكومة أخرى يبدو أنها ستكون أكثر انفتاحا على احتياجات الحريديم”.
وشددت هيئة البث الإسرائيلية على أن “المدارس الدينية الحريدية لن تتمكن من الاستمرار طويلا من دون ميزانيات، وإذا فشل نتنياهو في توفير حل، فقد يقرر قادة الأحزاب حل الحكومة”.
◙ المدارس الدينية الحريدية لن تتمكن من الاستمرار طويلا من دون ميزانيات، وإذا فشل نتنياهو في توفير حل، فقد يقرر قادة الأحزاب حل الحكومة
ويمثل الأحزاب الدينية في الحكومة حزبا “شاس” (11 نائبا من أصل 120) و”يهودوت هتوراه” (7 نواب)، ومن شأن انسحابهما أن يُسقط الحكومة، ويفتح الباب أمام انتخابات مبكرة لا يريدها نتنياهو في ظل الفشل في تحقيق أهداف الحرب على غزة، ولاسيما تدمير حركة حماس وإعادة الأسرى الإسرائيليين من القطاع، حسب تحليلات إسرائيلية.
وفق معهد “ديمقراطية إسرائيل” (خاص)، في دراسة حديثة فإن “20 عاما من المحاولات الفاشلة من جانب الحكومة تفيد بعدم نجاح معالجة مسألة تجنيد الحريديم”.
ورأى أن “البديل الوحيد المناسب هو فرض الخدمة الشاملة والنظر في الإعفاءات لطلاب المدارس الدينية المتفوقين، ضمن نطاق محدود، على غرار الطلاب المتفوقين في التخصصات الأخرى (غير الدينية)، مما يحول دون عواقب اقتصادية”.
وشدد على أنه “يجب أن يكون التجنيد الإجباري في الجيش شاملا، وفرض عقوبات اقتصادية كبيرة على المتهربين من التجنيد، والسماح ببديل للخدمة المدنية فقط في المنظمات ذات الصلة بالأمن”.
ويخشى الحريديم الذين يحاذرون الاختلاط خارج مجتمعاتهم، أن يفقد أطفالهم “نقاءهم” الديني وأن ينصرفوا عن قيمهم الدينية والتقليدية من خلال مخالطة آخرين في الجيش.
وهم يتوجسون بشكل خاص من اختلاط الرجال والنساء في الأماكن العامة، وهو ما “تحظره التوراة”.
والخدمة العسكرية إلزامية في إسرائيل، لكن اليهود المتشددين المتزمتين الحريديم وتُطلق عليهم أحيانا تسمية اليهود الأرثوذكس يمكنهم تجنب التجنيد الإجباري إذا كرسوا وقتهم لدراسة الشريعة والتوراة. وهو إعفاء اعتُمد لدى قيام دولة إسرائيل عام 1948 ولم يسبق أن تم التشكيك به من قبل.
وتحتدم الخلافات بشأن تجنيد الحريديم على وقع تداعيات حرب إسرائيلية على غزة، خلَّفت عشرات آلاف من الضحايا المدنيين، معظمهم أطفال ونساء، ومجاعة أودت بحياة أطفال ومسنين، حسب بيانات فلسطينية وأممية.
وتواصل إسرائيل الحرب رغم صدور قرار من مجلس الأمن الدولي، الاثنين، يطالب بوقف فوري لإطلاق النار خلال شهر رمضان، وكذلك رغم مثولها للمرة الأولى أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب جرائم “إبادة جماعية”.