كريتر نت : اندبندنت عربية
تحدثت الأنباء عن تواصل مسؤولين أميركيين مع موسكو وتحذيرها بشكل رسمي من مغبة نشر أسلحة نووية في الفضاء الخارجي، وأن الأمر ينتهك معاهدة الفضاء الخارجي، ويعرض مصالح الأمن القومي للخطر، وكان من الواضح جداً أن واشنطن توافرت لديها معلومات تفيد بأن روسيا تسعى إلى نشر قدرات نووية في الفضاء، ومنها سلاح مضاد للأقمار الاصطناعية
ما الذي يجري وراء جدران وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون” في فيرجينيا؟ وهل هي تستعد بالفعل لمواجهة عالمية في الفضاء الخارجي، لا سيما بعد عديد من الشواهد التي تقطع بأن الحرب الكونية المقبلة، ستنطلق من خارج الكرة الأرضية، أي أنها لن تكون حرباً برية أو بحرية ولا جوية، كما جرى الحال في زمن الحربين الكونيتين الأولى والثانية؟
من الواضح جلياً أن واشنطن تقوم في عجالة واضحة للغاية، بتنفيذ ما يعرف بوثيقة “السياسة الشاملة للناتو في الفضاء”، التي تقر بتوسيع مبادئ دفاعه لتشمل الفضاء الكوني، ويصبح الحلف ملزماً بموجبها بالرد العسكري الجماعي على أي هجوم مفترض يستهدف الدول الأعضاء من الفضاء الخارجي.
الوثيقة المشار إليها اتفق أعضاء الحلف عليها في قمة بروكسل 2021، التي وضعت في اعتبارها أن الهجمات من الفضاء الخارجي لا بد أن تقود إلى تطبيق المادة الخامسة من ميثاق “الناتو”، بالضبط كما الحال في الهجمات الأرضية.
في هذا السياق تكثر الأسئلة، وفي مقدمها: ما الذي دفع الناتو للتعجيل ببرامج عسكرة الفضاء على هذا النحو؟ هل كانت موسكو في الآونة الأخيرة هي السبب المباشر في هذا السياق؟ ثم ما الخطوات التي يمضي بها الحلف سريعاً لمواجهة الخطر القائم والقادم؟ وأي دور للفتى المعجزة إيلون ماسك في برامج تسليح الفضاء؟ ومن ورائه أخيراً قصة مطولة عرفت باسم برامج “ستارشيلد”، تلك التي تستحضر من الماضي الأميركي قبل ثلاثة عقود قصة “الدرع الصاروخية” و”برامج حرب الكواكب” لصاحبها رونالد ريغان؟
ثم تبقى هناك مساحات غائمة وغامضة عما تفعله واشنطن في الفضاء الخارجي عامة وفوق سطح القمر بنوع خاص، ضمن برامج لا يعرف عنها أحد سوى قليل من المعلومات، مما يرجح امتلاك الولايات المتحدة الأميركية نوعيات من الأسلحة التي لا يتخيلها أحد، وهي التي ألمح إليها الرئيس الاميركي السابق دونالد ترمب لصحافي الـ”واشنطن بوست” الأشهر بوب ودورد حين قيامه بالإعداد لكتابه المعنون “غضب” إبان رئاسته؟
هذه وغيرها نحاول مشاغبتها في هذه القراءة المثيرة والخطرة على حد سواء، فمن أين البداية؟
روسيا وسلاح اللحظة الأخيرة
في نهاية شهر فبرير (شباط) الماضي، كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن قيام مسؤولين أميركيين بالتواصل مباشرة مع موسكو وتحذيرها بشكل رسمي من مغبة نشر أسلحة نووية في الفضاء الخارجي، وأن الأمر ينتهك معاهدة الفضاء الخارجي، ويعرض مصالح الأمن القومي للخطر، وكان من الواضح جداً أن واشنطن توافرت لديها معلومات تفيد بأن روسيا تسعى إلى نشر قدرات نووية في الفضاء، وتتعلق بمحاولات تطوير سلاح نووي مضاد للأقمار الاصطناعية في الفضاء، وهو الأمر الذي تنفيه روسيا.
ولم تكن الصحيفة الأميركية الشهيرة تتجاوز الحقيقة أو الواقع، من المنظور الأميركي في الأقل، لا سيما بعد أن أصدر مايك تيرنر رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس النواب الأميركي بياناً قال فيه إن اللجنة أتاحت لجميع أعضاء الكونغرس معلومات حول “تهديد خطر للأمن القومي” من دون تحديده، لكن مصدرين قالا لوكالة “رويترز” إنه يتعلق بروسيا.
هل للأمر علاقة ما بما أعلنه القيصر فلاديمير بوتين أخيراً في شأن ما بات يعرف باسم “سلاح اللحظة الأخيرة” الروسي الذي حذرت منه واشنطن؟
الشاهد أن هذا النوع من الأسلحة الجديدة يعرف من خبراء الفضاء العسكريين باسم النبضات الكهرومغناطيسية النووية، والكفيل بتدمير الأقمار الاصطناعية الأميركية والأوروبية في الفضاء، وهذا ما أكده المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي من أن السلاح يمكن أن يشكل خطراً مميتاً على رواد الفضاء في مدار منخفض، إلى جانب احتمال تعطيل الأقمار الاصطناعية العسكرية والمدنية الحيوية.
ما الذي يمكن أن يفعله مثل هذا السلاح ويتسبب في كثير من الهلع للأميركيين؟
بحسب ما يتوافر من معلومات استخبارية أميركية، فإن هذا السلاح قادر على خلق موجة طاقة هائلة تؤدي إلى شلل مجموعة كبيرة من الأقمار الاصطناعية التجارية والحكومية التي يعتمد عليها العالم برمته. وبحسب أحد المسؤولين الأميركيين فإن “الخوف الكبير من أي وجود لجهاز كهرومغناطيسي في المدار المنخفض القريب من الأرض، قد يجعل أجزاء كبيرة من مدارات معينة غير قابلة للاستخدام، من خلال إنشاء حقل ألغام من الأقمار الاصطناعية المعطلة التي قد تكون خطرة بعد ذلك على أي أقمار اصطناعية جديدة قد نحاول تدميرها لاستبدال أو إصلاح الأقمار الاصطناعية الموجودة”.
حيرة أميركية في مواجهة بوتين
يستدعي الحديث عن هذا السلاح طرح عديد من التساؤلات، وفي بدايتها عن جدواه، وهل هو بالفعل سلاح يشكل خطراً حقيقياً على منظومة الأقمار الاصطناعية الأميركية، ويمكن أن يتسبب استخدامه في تجاوز مرحلة خطرة في تاريخ الأسلحة النووية، ويقود إلى اضطرابات شديدة في الحياة اليومية، وبطرق يصعب التنبؤ بها؟ أم أن في الأمر خدعة روسية هدفها إحداث أكبر قدر من الإرباك للمؤسسة العسكرية الأميركية؟
في تصريحات أكثر إثارة لقناة “سي إن إن” الإخبارية الأميركية، تحدث عالم الفيزياء الفلكية الأميركي نيل ديغرايس قائلاً “أنا محتار من الفكرة، القنبلة في الفضاء ليست لها موجات تدميرية لأنه لا يوجد هواء لنقل هذه الطاقة، وسيتطلب الأمر نبضات إشعاعية لإحداث الأضرار، وأنا لا أستطيع رؤية الفائدة الاستراتيجية لهذا، نعم الجميع متخوف من كلمة نووي، وأنه سلاح نووي، ولكن الأمر ليس كالسلاح النووي الذي ينفجر على سطح الأرض”.
ما الذي يحدث إذاً؟ وهل لدى عالم الفلك الفيزيائي الأميركي تفسير ما للتوجه الروسي القاضي بتسليح الفضاء بما هو خارج إطار المعروف والمألوف من الأسلحة؟
يقر البروفيسور ديغرايس بأنه ليست لديه إجابة سهلة عما هو هذا السلاح أو كيف ينوي بوتين استخدامه، مع الأخذ في الاعتبار أنه توجد بالفعل قدرات لإطلاق الأسلحة النووية من موقع لآخر على سطح الأرض، وكذلك وجود القدرات لاستهداف الأقمار الاصطناعية مباشرة من الأرض “من أية نقطة على سطح الأرض يمكنك إرسال صاروخ وتدمير قمر اصطناعي خلال ثماني دقائق”.
هل كانت تجربة الحرب مع أوكرانيا هي السبب المباشر والرئيس التي دفعت روسيا للبحث في تخليق مثل هذا الوحش الفضائي الجديد؟
بحسب عديد من الخبراء، فإن هذا النوع من الأسلحة يمكن أن تكون لديه القدرة على القضاء على مجموعات ضخمة من الأقمار الاصطناعية الصغيرة مثل “ستارلينك” و”سبيس إكس”، أي تلك التي برعت واشنطن في استخدامها لدعم كييف، وبنجاح كبير، في حربها المستمرة مع روسيا.
غير أن القصة الخاصة بالسلاح الفضائي الروسي، لها جانب هدام أيضاً بالنسبة إلى العسكرية الروسية، ذلك أنه وفي ما سيقضي حال استخدامه على الأقمار الاصطناعية الأميركية من جهة، فإنه سيلحق الضرر نفسه بأي أقمار اصطناعية روسية موجودة في المنطقة أيضاً، ومن هنا يدرك المرء دلالة المسمى “سلاح اللحظة الأخيرة”، أو بمعنى أكثر دقة إنه الخيار الشمشوني الروسي، لكن في حدود مدارات بعينها، وليس في كل الأفق الفضائي، الأمر الذي يستدعي تساؤلات الاستخبارات الفضائية الأميركية، عن بقية أدوات الحرب الروسية المحدثة، لا سيما حال استخدام الفضاء كمنصات لإطلاق الصواريخ الفرط صوتية في مواجهة أميركا أو أي من حلفائها في أوروبا وحول العالم .
هل لهذه الأسباب طفا على السطح حديث شبكة “ستارشيلد” المحدثة؟ التي يمكن اعتبارها التطور الطبيعي لفكرة الدرع الصاروخية الأميركية؟ التي انطلقت في عام 1983 تحت عنوان “حرب الكواكب أو النجوم” لصاحبها الرئيس الأميركي الراحل دونالد ريغان؟
عن “ستارشيلد” واستخبارات الفضاء
في أواخر فبراير الماضي بدا واضحاً أن هناك من يسر للإعلام الأميركي وعن عمد، أنباء عن مرحلة جديدة من الغزو الأميركي المسلح للفضاء الخارجي، وذلك عبر تعاون بين شركة “سبيس إكس”، المملوكة للفتى العبقري إيلون ماسك، وبين وكالات الاستخبارات والوكالات العسكرية الأميركية، إذ حصلت الأولى على عقد سري كبير واحد في الأقل، ووسعت برنامجاً سرياً للأقمار الاصطناعية للشركة يسمى “ستارشيلد” لعملاء الأمن القومي.
أما تفاصيل الصفقة، فتناولت أخبار إبرام الشركة التي يقودها ماسك عقداً سرياً بقيمة 1.8 مليار دولار مع الحكومة الأميركية منذ عام 2021، وفقاً لوثائق الشركة التي اطلعت عليها صحيفة “وول ستريت جورنال”.
الأنباء المتقدمة تضعنا في واقع الأمر أمام تساؤلات جوهرية عدة، أولها عن حقيقة الدور المنوط بماسك، ذلك أنه من السذاجة بمكان اعتبار شركة خاصة في الداخل الأميركي تتعاطى في مجالات تخص الأمن القومي الأميركي، لا سيما إذا كان الأمر منوطاً بالصواريخ والوصول إلى خارج الكرة الأرضية، وبناء مستعمرات في الفضاء، هذه كلها تعطي المرء انطباعاً بأن ماسك ليس سوى أداة من بين أدوات الدولة الأميركية العميقة، تلك التي تدير المشهد من وراء الستار الحكومي الرسمي.
الأمر الآخر هو أن التعاون بين ماسك وبين وكالات الاستخبارات أمر ليس بالجديد، لا سيما أن قصة العقد المميز هذا تعود لسنوات ثلاث خلت، فيما الحقيقة أن الشاب ماسك ومنذ بدايات عمله، وسعيه إلى شراء صواريخ تصعد إلى الفضاء، كان بكل تأكيد جزءاً من سياقات الأمن القومي الأميركي، والاستعدادات الجارية على قدم وساق لملاقاة الروس والصينيين في الفضاء الخارجي.
الأمر الثالث هو طبيعة المهمات المكلف بها ماسك لصالح وكالات الأمن القومي والأجهزة الاستخبارية الأميركية، التي تتجاوز 16 جهازاً.
هنا يبدو الغموض سيد الموقف، إذ لا يعرف كثيرون عن وحدة “ستارشيلد”، التي صممت خصيصاً للعملاء الحكوميين، ومن بين قادتها جنرال سابق في القوات الجوية الأميركية. لماذا القوات الجوية؟
مؤكد أن للأمر علاقة ما بعالم الطيران، وما وراءه، أي الفضاء الخارجي، لا سيما أن غالبية رواد الفضاء، غالباً ما يأتون من سلاح الجو الأميركي.
هل هناك ما يؤكد بالفعل عمق الشكوك الدائرة حول علاقة ماسك بالدولة الأميركية الماورائية؟
بحسب “وول ستريت جورنال”، فإن شركة “سبيس إكس”، عملت مع منظمات الأمن القومي منذ أن كانت شركة ناشئة، وبعد وقت قصير من تأسيس ماسك الشركة في عام 2002، فازت بعقد إطلاق مع عميل استخباري لم يكشف عنه.
وفي وقت لاحق، بدأت الشركة في التعامل مع عمليات الإطلاق المنتظمة للوكالات العسكرية ووكالات التجسس، كذلك فازت الشركة بعملاء مهمين في مجال الأمن القومي لتقنيات الأقمار الاصطناعية الخاصة بها، وكان “مكتب الاستطلاع الوطني” أحد أهم عملائها.
لكن ماذا عن الدور الجديد المنوط بـ”سبيس إكس” على صعيد قصة الصواريخ الفضائية ومواجهة برامج القيصر بوتين ومخططاته للقضاء على الأقمار الاصطناعية الأميركية أول الأمر، وربما الأوروبية تالياً؟
“سبيس إكس” وأقوى صاروخ في العالم
الجواب عن السؤال المتقدم، يقودنا إلى ما أعلنت عنه شركة تكنولوجيا استكشاف الفضاء الأميركية “سبيس إكس”، وليلاحظ القارئ العنوان الفضفاض للشركة، الذي يتضمن قليلاً مما هو معروف، وكثيراً مما هو غير معروف من دون شك عن عزمها إجراء تجربة جديدة لإطلاق مركبة تدعى “ستارشيب”، التي تعد أقوى صاروخ في العالم، وهو أمر حيوي لخطط وكالة الفضاء الأميركية “ناسا” لإرسال روادها على سطح القمر في وقت لاحق من هذا العقد، ولآمال ماسك في إقامة مستعمرات بشرية على المريخ نهاية المطاف.
ما الهدف من هذه المركبة – الصاروخ “ستارشيب”؟
من الواضح أول الأمر وآخره أنها ثمرة تعاون بين “سبيس إكس” ووكالة “ناسا” للفضاء، وهدفها المعلن هو الذهاب إلى ارتفاعات أعلى ونقاط أبعد، وتشمل الأهداف فتح وإغلاق باب الحمولة الدافعة للمركبة – الصاروخ، لاختبار قدرتها على توصيل أقمار اصطناعية وشحنات أخرى إلى الفضاء .
الحديث هنا قد يبدو غامضاً، لا سيما حال التوقف ملياً أمام تعبير “شحنات أخرى”، فما تلك الشحنات؟ وهل هي شحنات مدنية سلمية أم عسكرية ضمن سياقات المواجهة الجارية على قدم وساق لعسكرة الفضاء؟
تهدف “سبيس إكس” كذلك لإعادة تشغيل محركات المركبة في الفضاء، وإجراء اختبار على متنها من أنه يساعد في تمهيد الطريق أمام مركبات “ستارشيب” المستقبلية لتزويد بعضها بعضاً بالوقود في المدار.
هل يفهم من هذا الحديث أن هناك تفكيراً عسكرياً أميركياً لإنتاج وحدات متعددة من المركبات – الصاروخية عما قريب؟
مؤكد أنه لا يمكن تقبل فكرة العمل الفضائي السلمي، حال تجييش تلك المركبات، وبخاصة في ظل غموض أشد يحيط بواحدة من مركبات أميركا الفائقة السرية، وغالباً ما تحمل برنامجاً عسكرياً أميركياً فضائياً، قد يتجاوز صواريخ روسيا للحظة الأخيرة، فماذا عن ذلك؟
عن المركبة الغامضة “إكس 37- بي”
لعل مراجعة أوراق البرامج الفضائية العسكرية الأميركية، أو بمعنى أدق ما يتسرب عنها، وهو نادر، وعادة ما يجري عن قصد، تفيد بوجود مركبات أخرى سابقة على مركبة “سبيس إكس” الصاروخية المحدثة.
منذ عام 2012 وهناك أحاديث دائرة في الداخل الأميركي عن بعثة فضائية أميركية سرية تقوم بها مركبة تسمى”إكس 37- بي” في المدار حول الكرة الأرضية، ويشبه الجهاز الفضائي الأميركي أو المركبة هذه نسخة مصغرة من لمكوك “شتل”.
وأجرت هذه المركبة الغامضة منذ ذلك الوقت وحتى الساعة نحو سبع رحلات معلنة، ووارد جداً أن تكون هناك رحلات أخرى غير معلنة وتبقى في طي الكتمان والسرية.
هل هذه المركبة مأهولة برواد فضاء أم لا؟ لا أحد يملك جواباً شافياً وافياً لهذا التساؤل، فيما المؤكد هو تصريح المقدم في القوات الجوية الأميركية توم ماكينتاير أن سلاح الجو الأميركي يعبر عن ارتياحه لنتائج التجربة المستمرة، إذ إنها تساعد في تأكيد مقاييس المركبات الفضائية متعددة الاستخدام.
وكانت آخر رحلات “إكس -37 بي” في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، غير أن المثير هذه المرة، هو أنها انطلقت في مهمة سرية أخرى تستمر لمدة عامين في الأقل، والأكثر إثارة أنها أقلعت على متن صاروخ “فالكون هيفي” التابع لشركة “سبيس إكس” من مركز كيندي للفضاء التابع لوكالة “ناسا”.
ولزيادة الغموض وترسيخ فكرة العمل السري الأميركي في الفضاء الخارجي، لم يذكر مسؤولو القوة الفضائية المدة التي ستبقى فيها مركبة الاختبار المدارية في الفضاء على وجه التحديد، أو ما هو موجود على متنها، بخلاف أنها تجري تجربة لوكالة الفضاء الأميركية “ناسا” لقياس تأثيرات الإشعاع على المواد، على أن تقريراً نشر على موقع “لايف ساينس” قبل نحو عامين، قدم لغير ذوي الاختصاص بعض المعلومات التي تسمح للذهن بأن يتوقع المهمات المنوطة بها.
منها على سبيل المثال وليس الحصر، أنها تحتوي على منطقة حمل صغيرة، تقريباً بحجم صندوق شاحنة نقل، مما يمكنها من حمل المعدات والأقمار الاصطناعية، وتعمل على ارتفاع يتراوح بين 240 و805 كيلومترات فوق الأرض.
هل هذه المركبة نتاج الوكالة الخفية والسرية التي تقوم بالأبحاث العسكرية الفائقة الأهمية بالنسبة للإمبراطورية الأميركية، التي تعرف باسم وكالة DARPA “وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتقدمة التابعة للبنتاغون”؟
هناك في واقع الأمر بعض الفرضيات التي يعتبرها بعضهم خيالية، لكن قد تكون بالفعل حقيقية، ومنها القول إن هذه المركبة معدة خصيصاً لتكون قاذفة فضائية، وبعضهم الآخر يذهب إلى القول إنها مركبة للتجسس على محطات الفضاء الصينية والروسية في الفضاء، فيما يميل آخرون إلى القول إنها وسيلة للجيش الأميركي للتشويش على أقمار الدول الأخرى، بل ربما تدميرها، مما يعني أنها الصنو والمرادف لسلاح اللحظة الأخيرة الروسي.
والمعروف أنه قبل وقت قصير من أحدث إطلاق لها، كشف الجيش الأميركي عن أنه تمت إضافة خدمة جديدة متصلة بمؤخرتها، تتيح لها نقل أعداد كبيرة من التجارب إلى المدار الفضائي خارج الأرض الذي سترتفع إليه. لكن ماذا عن تلك التجارب؟ لا أحد يملك الجواب مما يحيلنا للحديث عن برامج “البنتاغون” السرية، لا سيما تلك التي تجري سراً تارة، وعلناً تارات أخرى على سطح القمر.
قاعدة على القمر ونبوءات متحققة ذاتياً
للأميركي علاقة خاصة وشغف مميز بالقمر ومعه، والمؤكد أن الأمر لا علاقة له بجاذبية القمر الشعرية، ولا مكانته الرومانسية عند الأدباء والشعراء، لكنه متصل بفكرة سيادة الولايات المتحدة في الفضاء، كما تسيدت على الأرض والبحر والجو منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى الساعة.
هنا ومن جديد يظهر إيلون ماسك، ومن خلال ما يمكن أن نطلق عليه “التنبؤات التي تسعى إلى تحقيق ذاتها بذاتها”، من خلال حديثه عن أحلامه “بأن تكون للبشرية قاعدة على القمر، ومدن على المريخ، وأن تكون هناك بين النجوم”.
الذين لديهم علم من كتاب، يعرفون أن كلمات ماسك تتجاوز منطقة الأحلام المخملية، وغالباً ما تعكس رؤى ومخططات أميركية تسعى إلى تحقيق تفوق أميركي فائق الوصف فوق سطح القمر بنوع خاص.
حين وصل الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى سدة البيت الأبيض، تعهد بأن أميركا لن تتخلى عن مكانتها بسهولة، لا سيما في الفضاء الخارجي، وقطع وعداً على نفسه بـ”إعادة رواد الفضاء الأميركيين إلى القمر في غضون السنوات الخمس المقبلة”، ووقتها قال كذلك نائبه مايك بنس “تماماً، كما كانت الولايات المتحدة أول دولة تصل إلى القمر في القرن الـ20، فإنها ستكون أول دولة تعيد رواد الفضاء للقمر في القرن الـ21”.
هل هذا الاهتمام الأميركي بالقمر دافعه حقوق التفاخر والمباهاة؟
بالقطع ما يهم واشنطن في الحال والاستقبال، هو إحراز تقدم سريع في تطوير قدراتها العسكرية الفضائية، بعض هذه القدرات دفاعية مثل الأنظمة القادرة على إسقاط الصواريخ الباليستية القادمة تجاهها، وبعضها الآخر هجومية مثل تكنولوجيات الأسلحة المضادة للأقمار الاصطناعية التي يمكنها استهداف الأصول الفضائية.
هل تسعى واشنطن عبر آليات عدة منها البنود المتقدمة في هذه القراءة وغيرها إلى محاولة إحياء “مشروع هواريزن”؟
هذا المشروع المشفر كشف عن أبعاده أخيراً، وكان مخططا أميركياً منذ عام 1959، ويتضمن إقامة قاعدة مراقبة سرية للجيش الأميركي على سطح القمر، وذلك قبل إرسال أول رائد فضاء إلى سطحه بعقد كامل من الزمن. ومن بين محتويات ذلك المشروع، إنشاء نظام أسلحة متطور ضمن محطة تقام على سطح القمر، يمنع توجيه القذائف إلى سطح الأرض وإلى الفضاء الخارجي. كما شملت المقترحات تفجير قنبلة نووية على سطح القمر، أو بالقرب منه ودراية تأثيرها في الكائنات الفضائية التي قد تكون موجودة في الفضاء.
هل كانت هذه الأفكار التي طرحت عام 1959 النواة التي أنشأ من حولها الرئيس ريغان برنامجه عام 1983 الخاص بحرب النجوم؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، فيما الأكثر حداثة وأهمية هو أن وكالة الفضاء الأميركية “ناسا” تخطط لأن يكون العام الحالي هو موعد عودة رواد فضاء أميركيين إلى سطح القمر ليكونوا ثاني من يمشون عليه بعد رواد الرحلة الشهيرة “إيغل” في الـ20 من يوليو (تموز) عام 1969، في ذلك النهار الذي خرج فيه رائد الفضاء الأميركي الشهير نيل أرمسترونغ بعبارته الشهيرة “إنها خطوة صغيرة لإنسان لكنها قفزة عملاقة للبشرية”.
والسؤال: هل سنشهد في حاضرات أيامنا قفزة سلمية أم عسكرية للموت أم للحياة فوق سطح القمر وما حوله؟