كريتر نت – متابعات
يناقش رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في لقائه مع الرئيس الأميركي جو بايدن في واشنطن موضوع انسحاب القوات الأميركية، لكنه سيركز أيضا على القضايا الاقتصادية والتجارية والطاقة، وهو ما قد يفتح الباب أمام معادلة خروج القوات الأميركية مقابل دخول الشركات الأميركية إلى قطاع النفط في ظل وضع غير مريح يتسم بسيطرة الشركات الصينية وبدرجة أقل الروسية.
وقال رئيس الوزراء العراقي الاثنين إن بلاده “تعمل على الانتقال من العلاقة العسكرية إلى الشراكة الكاملة مع الولايات المتحدة”. جاء ذلك في مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس بايدن عقب لقاء بينهما في البيت الأبيض. وأضاف السوداني، متحدثا بجوار بايدن، أن وجهات النظر بين الجانبين قد تكون متباينة بشأن ما يحدث في المنطقة، وأن العلاقات الثنائية تمر بمنعطف مهم.
وأكد الرئيس الأميركي التزام بلاده بحماية مصالحها ومصالح شركائها في منطقة الشرق الأوسط، وعزمها على تجنيب المنطقة مخاطر التصعيد، في رسالة توحي بأن واشنطن لن تتنازل عن مكاسبها في العراق والمنطقة تحت أي ضغط.
ويجد السوداني نفسه تحت ضغوط الميليشيات والأحزاب الموالية لإيران التي تطالب بجعل انسحاب القوات الأميركية نقطة رئيسية في أجندة الزيارة، وهو أمر لن يجد تفهما أميركيا ولا تسريعا لهذه الخطوة.
ويتخوف الأميركيون من أنهم قد يضطرون إلى الموافقة على وجود أقل حجما وعمليات مقيدة، وهو ما يحد من تأثيرهم المباشر في العراق خاصة في ظل الهجمات التي باتت تستهدف القواعد العسكرية والمقار الدبلوماسية الأميركية، والتي تنفذها ميليشيات مرتبطة بإيران، وأي انسحاب سيفهم على أنه تم تحت الضغط.
لكن ما يزيد القلق أن سحب القوات الأميركية سيعني أن الرد سيصبح صعبا وينظر إليه على أنه تعد على سيادة العراق فيما إيران تتحرك بحرية تامة في البلد الذي تم غزوه بالتحالف والتنسيق بين الخصمين اللدودين.
في المقابل يرغب السوداني في التزام علني من بايدن بشأن سحب القوات، وهو أمر يبدو مستبعدا من دون التوصل إلى اتفاقية دفاعية تضمن أمن الأميركيين ومصالحهم.
وصوّت البرلمان العراقي في يناير 2020 على إجراء غير ملزم لإخراج القوات الأميركية من العراق. لكن الأميركيين لم يغادروا بناء على طلب الحكومة العراقية.
مغادرة إكسون موبيل تقلل توقعات الشركات الأميركية في بلد يرتهن فيه نجاح الصفقات أو فشلها بجهات قرار مختلفة
وغيّر العراق والتحالف الدولي مهمة القوات من مهمة قتالية إلى مهمة استشارية وتدريبية استجابة لتصويت البرلمان في 2020.
وبعيدا عن قضية الوجود الأميركي يريد السوداني تعزيز علاقات بغداد مع واشنطن، التي يعتبرها أهم علاقات ثنائية للعراق، لذلك يرغب في إضافة بعد اقتصادي إلى العلاقة بين البلدين.
ويتعلق كل شيء بالنفط حين يفكر الأميركيون في العراق من الناحية الاقتصادية. ولكن مغادرة إكسون موبيل، أكبر شركة نفط أميركية، في نوفمبر الماضي بعد حوالي عقد من العمل في العراق تقلل توقعات الشركات الأميركية الأخرى.
ومع ذلك يريد السوداني تنشيط العلاقات الاقتصادية، ويتبعه العديد من كبار رجال الأعمال في الزيارة. ولم تعد الولايات المتحدة صاحبة التأثير الأول في العراق سياسيا وأمنيا بعد أن صارت إيران لاعبا كبيرا، في حين باتت الصين اقتصاديا اللاعب الأهم.
وبحسب مقال للكاتب جيمس دورسي لموقع أويل برايس فإنه لو فكرت واشنطن في الضغط اقتصاديا على العراق، فإن بكين سترد على نبذ بغداد بدعوتها إلى منظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة بريكس التي يمكنها تمويل مشاريع البنية التحتية من خلال بنك التنمية الجديد.
وعوّضت بتروتشاينا الصينية شركة إكسون موبيل في غرب القرنة 1 الذي يعدّ أحد أكبر حقول النفط في العراق. وأصبحت المؤسسة الصينية في وضع مثالي يمكّنها من المزيد من التوسع. ويُذكر أن العراق كان المستفيد الرئيسي من مبادرة الحزام والطريق الصينية في 2021.
وتحظى التجارة بين الولايات المتحدة والعراق بفرص للنمو، ففي العام 2022 تجاوزت الصادرات الأميركية إلى العراق 897 مليون دولار، وكانت السيارات هي المنتج الأول. وصدّر العراق نفسه بضائع بقيمة 10.3 مليار دولار، وجلّها من النفط الخام.
ومن أهداف الزيارة الترويج لطريق التنمية الذي تبلغ كلفته 17 مليار دولار، وهو طريق بري وخط سكة حديد يمتد من الخليج إلى أوروبا عبر تركيا، وسيستضيف مناطق التجارة الحرة على طوله.
وأدى الفساد المستشري في العراق إلى إبطاء التنمية الاقتصادية وكان سببا مباشرا في انسحاب شركة إكسون موبيل. ويعدّ ترتيب العراق على مؤشر مدركات الفساد لسنة 2023، الذي تضعه منظمة الشفافية الدولية، تحسنا طفيفا مقارنة بسنة 2022؛ فقد أصبح في المرتبة 154 من أصل 180، بعد أن كان في المرتبة 157.
وسبق ان زصفت منظمة الشفافية الدولية العراق بأنه “من بين أسوأ البلدان في مؤشرات الفساد والحوكمة، مع تفاقم مخاطر الفساد بسبب نقص الخبرة في الإدارة العامة، وضعف القدرة على استيعاب تدفق أموال المساعدات، والقضايا الطائفية، والافتقار إلى الإرادة السياسية لجهود مكافحة الفساد”.
ولم يتجاهل السوداني الفساد، واعتبره من أكبر التحديات التي تواجه البلاد، وأكد أنه “لا يقل خطورة عن تهديد الإرهاب”.
وكان من المتوقع أن تركز زيارة السوداني الأولى إلى واشنطن، منذ توليه منصبه في أكتوبر 2022، على وجود القوات الأميركية في العراق كجزء من تحالف مناهض للجماعات المتطرفة.
لكن الوضع المتوتر في المنطقة سيهيمن على الاجتماع بعد أن شنت إيران هجوما بالصواريخ والمسيَّرات على إسرائيل ليل السبت – الأحد. وشاركت القوات الأميركية، المتمركزة بالقرب من مدينة أربيل في شمال العراق، في التصدي للهجوم باستخدام بطارية صواريخ باتريوت لإسقاط صاروخ بالستي إيراني.
وقال بيان صادر عن مكتب السوداني قبل مغادرته السبت “إن هذه الزيارة الرسمية تأتي في وقت دقيق وحساس سواء على مستوى العلاقات الثنائية… أو ظروف المنطقة وما يحصل في الأراضي الفلسطينية من جرائم قتل واستهداف للمدنيين الأبرياء من النساء والأطفال”.
ويحاول العراق الابتعاد عن التوترات الإقليمية وسط الحرب التي تشنها إسرائيل منذ ستة أشهر ضد مقاتلي حركة حماس المدعومة من إيران في غزة، والتي اندلعت في أعقاب هجوم شنته حماس داخل إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي.
ومنذ ذلك الحين نفذت فصائل مسلحة مرتبطة بإيران، يتمركز بعضها في العراق، سلسلة هجمات على منشآت تابعة للولايات المتحدة، الحليف الرئيسي لإسرائيل.