نوران بديع
صحفية سورية
تعيش منطقة الشرق الأوسط على وقع التهديدات الإسرائيلية بالرد على الهجوم الإيراني الذي تعرضت له تل أبيب التي راحت تردد التهديد “البعثي” الشهير “سنرد في الزمان والمكان المناسبين”.
بيد أن مراقبين يعتقدون أن إسرائيل سترد على إيران، بلا ريب. لكن الخلاف هو على شكل الرد ومكانه، وهل سيكون رداً مزلزلاً أم أنه، فقط، لإثبات قدرة إسرائيل على “الردع”.
وفي ظل تهديدات الجانبين، حذرت طهران من “رد فعل مؤلم” لو هاجمتها إسرائيل، مما قد يؤدي إلى مزيد من التصعيد بين الجانبين. فمن يستطيع التوسط ووقف التصعيد؟
هكذا تساءل موقع (dw). فبعد الهجوم الكبير الذي شنته إيران بطائرات مسيرة وصواريخ، تريد إسرائيل الثأر. وصرح رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، الثلاثاء (16 أبريل/ نيسان 2024): “يجب أن يصابوا بالتوتر مثلما أصابونا بالتوتر”. وتابع نتنياهو قائلاً إنّ الهجوم (الإسرائيلي) سيتم تنفيذه بشكل مدروس وليس بطريقة ارتجالية.
وكانت إيران هاجمت إسرائيل مباشرة من أراضيها للمرة الأولى على الإطلاق، ليلة الأحد 14 أبريل/ نيسان، ردا على هجوم صاروخي استهدف مجمع السفارة الإيرانية في العاصمة السورية دمشق، وفيه قتل سبعة من أفراد الحرس الثوري الإيراني، بينهم قيادي بارز. وتتهم إيران وحلفاؤها إسرائيل بالمسؤولية عن الهجوم، فيما لم تصرح إسرائيل بمسؤوليتها عن الهجوم.
وبحسب السلطات الإسرائيلية، فقد جرى إسقاط تقريباً كل الطائرات المسيّرة والصواريخ وصواريخ كروز التي أطلقتها إيران. والآن تحذر إيران من أنّ “أدنى تحرك” من جانب إسرائيل ضد “المصالح الإيرانية” سيؤدي إلى “رد فعل قاس وشامل ومؤلم”.
وتحاول الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ممارسة تأثير معتدل على إسرائيل.
من يملك النفوذ على إيران؟
ولكن من يملك النفوذ على إيران ويستطيع منع التصعيد، في حال ردت إسرائيل بهجوم انتقامي محتمل ضد إيران؟
موقع (dw) يستعرض عدداً من الدول التي لها تأثير على إيران وفي مقدمتها قطر، ثم سلطنة عمان، ثم السعودية، وروسيا وتركيا، وأيضاً الصين.
وكان مسؤولون أمريكيون قالوا إن من المهم تذكير شركائهم في الخارج بأنّ دعم بكين لطهران يعرّض الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط للخطر، على ما أورده تقرير نشره موقع معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أفاد بأنه عندما هاجمت إيران إسرائيل، نشرت إحدى أكبر وسائل الإعلام الصينية الخاضعة لسيطرة الدولة على موقع “إكس/تويتر” تغريدة جاء فيها: “نتيجة عدم إدانة [المنظمات الدولية] وخاصة [مجلس الأمن الدولي] للهجمات الإسرائيلية على المنشآت الدبلوماسية الإيرانية، ردت إيران باستخبارات استراتيجية، وصواريخ وطائرات مسيّرة، ونجحت في تدمير أهداف عسكرية رئيسية في إسرائيل”.
وفي حين تم حذف منشور “غلوبل تايمز” بعد ساعات قليلة، إلا أنّ المسؤولين الصينيين أعربوا عن الرأي نفسه منذ ذلك الحين؛ ففي مكالمة هاتفية أجراها وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، مع نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في 15 نيسان/أبريل، “أشار إلى بيان إيران الذي يفيد بأنّ الإجراء الذي اتخذته كان محدوداً ويدخل في إطار الدفاع عن النفس رداً على الهجوم على القنصلية الإيرانية في سوريا”، ثم أضاف بأنّ “إيران قادرة على التعامل مع الوضع جيداً وتجنيب المنطقة المزيد من الاضطرابات”.
ويردف التقرير الذي كتبه الباحث والمحلل السياسي غرانت روملي: تتوافق هذه الحلقة مع عموم الرسائل الصادرة من بكين منذ أن هاجمت “حماس” إسرائيل في تشرين الأول/أكتوبر الماضي. فقد امتنع المسؤولون الصينيون عن إدانة “حماس” بشكل مباشر، وبدلاً من ذلك ألقوا اللوم على إسرائيل وبالتالي على الولايات المتحدة. على سبيل المثال، ذكر وانغ يي في مكالمة هاتفية أجراها في بداية حرب غزة مع وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، أن تصرفات إسرائيل “خرجت عن نطاق الدفاع عن النفس”.
وبالفعل، أدان المسؤولون الصينيون باستمرار “الاستخدام العشوائي للقوة”، بينما وصف الرئيس شي جين بينغ في تشرين الثاني/نوفمبر تصرفات إسرائيل بأنها “عقاب جماعي” لشعب غزة. ويبدو حتى أن رسائل بكين تبرر هجوم “حماس” في بعض الأحيان. فخلال جلسة استماع في “محكمة العدل الدولية” في شباط/فبراير قال المسؤول في وزارة الخارجية الصينية، ما شينمين، إنّ “استخدام الشعب الفلسطيني للقوة لمقاومة القمع الأجنبي واستكمال إنشاء دولة مستقلة هو حق من الحقوق الثابتة الراسخة في القانون الدولي”. وفي غضون ذلك، تنتشر داخل الصين الآراء المعادية لإسرائيل وللسامية في الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي المحلية.
رد بكين على قصف إسرائيل
ومن خلال رد بكين بطريقة مماثلة على القصف الإيراني غير المسبوق على إسرائيل بوابل من الطائرات المسيرة والصواريخ، قدمت بذلك فرصة أخرى لواشنطن لتظهر لشركائها في المنطقة ما الذي يجعل العلاقات الوثيقة مع الصين محفوفة بالمخاطر. فمع أنّ المسؤولين الصينيين يسعون منذ سنوات إلى تقديم أنفسهم كوسطاء غير متحيزين في الشرق الأوسط، وتحقيق التوازن في العلاقات الإقليمية من خلال تكرار مفاهيم تبدو محايدة مثل “احترام السيادة” و”عدم تدخل الدول في الشؤون الداخلية لبعضها البعض”، و”التعاون المربح للطرفين”، إلا أنّ هذا النهج تغير منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر مع استمرار بكين بالربط بين تصرفات إسرائيل ودعم الولايات المتحدة لها في محاولة لإلقاء اللوم عليهما وكسب تأييد الدول التي تعارض تصرفات إسرائيل.
ومع ذلك، يقول التقرير: تشهد المنطقة حالياً تأييداً صريحاً من الصين للهجوم الإيراني الذي انتهك سيادة الكثير من الدول العربية وأظهر مرة أخرى مخاطر العلاقة بين بكين وطهران وكيفية تهديدها لمصالح تلك الدول. لذلك يتعين على الولايات المتحدة في هذه الأوقات المشحونة بالتوتر أن تذكّر جهاراً دول الشرق الأوسط ومختلف أنحاء العالم بحدود “احترام الصين للسيادة”.
المصدر : حفريات