كتب.. أ.عادل الزريقي
ترآى إلى مسامعنا في اللحظات الفاصلة مابين نهاية شهر رمضان المبارك وبداية عيد الفطر لهذا العام 1445هجرية ، نبأ غزو القات الهرري الحبشي لبعض الاسواق اليمنية ، واخص بالذكر اسواق محافظتي لحج وعدن ومدينة المخا من محافظة تعز ،ومن المعروف ان هذه المناطق تقع في إطار سيطرة الحكومة الشرعية ، ومن هنا تبرز عدة تساؤلات عما هي الايجابيات والسلبيات لهذه الخطوة واثرها على الوضع القائم فيما بين القوى المتصارعة في اليمن التي على إثرها تم تقسيم هذا البلد إلى دولتين متصارعتين سياسياً واقتصاديا وعسكريا .
طبعا من المسلم به بأن تناول هذه النبتة الخبيثة وتداولها في الاسواق أيا كان مصدرها أنقوصة و مضرة صحيا واقتصاديا واجتماعيا ، لكن نجد انفسنا مضطرين بالاجتهاد ، بتحديد تلك الإيجابيات والسلبيات لهذه الخطوة ، من منطلق عدة عوامل وعدة ظروف استثنائية سياسية واقتصادية وعسكرية تمر بها بلادنا الغالية والحبيبة اليمن.
وفي حالة سماح الحكومة الشرعية بإستمرار دخول هذه الشجرة إلى اسواق المناطق التي تسيطر عليها ستجني من وراء ذلك عدة فوائد وعدة إيجابيات تتمثل تلك الايجابيات بالتأثير سلبا على الوضع الاقتصادي للمليشيات .
تأتي في باكورة إيجابيات تواجد هذه الشجرة كمنتج خارجي في الاسواق اليمنية لمنافسة المنتج المحلي ، الذي يزرع بنسبة كبيرة قد تصل الى 90% في المناطق التي تسيطر عليها المليشيات الانقلابية الحوثية ، كمحافظة إب وذمار ومحافظة صنعاء وعمران وصعدة ومحافظة حجة واجزاء كبيرة من محافظتي الحديدة وتعز ، بينما تعتبر اسواق المناطق المحررة من قبضتها التي تقع تحت نفوذ وسيطرة الحكومة الشرعية اسواقا استهلاكية تدر عليها الكثير من الاموال ، ويمكن استخدام هذه الخطوة كجزء من استراتيجيات إرهاق واستنزاف إمكانيات هذه المليشيات ، وتجفيف جزء لا يستهان به من منابع إيراداتها كالضرائب التعسفية التي تفرضها على المزارع والبائع وغيرها من الجبايات بمختلف مسمياتها ، من اجل ضمان بقائها ، ومن اجل تمويل عملياتها العسكرية ، واستمرارها بالسيطرة على السلطة الشرعية ، وايضا تعتبر كوسيلة للضغط عليها لوقف اعتداءتها والامتثال للحوار السياسي الجاد ، من اجل إنهاء الحرب ووقف الحصار الذي تفرضه على المواطن اليمني في اكثر المدن اليمنية .
كما أن من صور إستفادة المليشيات الانقلابية من بقاء أسواق المناطق المحررة اسواقا استهلاكية رائجة لها بدون منافسة من قبل اي منتج آخر من هذه الشجرة التي تنتج نسبة كبيرة منها ، فتجار هذه الشجرة التي يجلبونها من الاراضي التي تسيطر عليها المليشيات الانقلابية ، ومن ثم يبيعونها في اسواق المدن والقرى المحررة ، يدفعون ثمنها للمليشيات بالعملة السعودية أو بالدولار الامريكي ، وبالتالي يعتبر هذا الاسلوب تغذية لها بالعملات الاجنبية ، وبالمقابل سحب جزء من هذه العملات الاجنبية من الاسواق والمصارف التي تقع في إطار سيطرة الحكومة الشرعية.
وقد يقول قائل بأنه عندما تدخل تلك الشجرة من خارج اليمن إلى الاسواق المحلية ، يتم استيرادها ودفع ثمنها بالعملات الاجنبية ، وبالتالي يؤدي ذلك إلى استنزاف العملات الاجنبية في استيراد مادة غير ذات جدوى ، وفي هذا الخصوص يكون الرد بالقول : بأن للضرورة احكام فهذه المليشيات تمادت كثيرا ، وقد اصرت في اكثر من موقف من مواقف الحوار التي اتضح من خلالها بأنها متعنتة ومراوغة ، وبات من المحال أن ترجع للحق بصورة تحمل حتى القدر الادنى من الجدية تظهر فيها بوضع مصلحة الوطن ومصلحة الشعب اليمني في اولويات اجندتها ، الامر الذي يحتم شن الحرب عليها اقتصاديا بهذه الطريقة إلى جانب الخيارات الاخرى بما فيها الخيار العسكري حتى يتم التمكن من كبح جماحها والقضاء على غرورها لتستسلم بعد ذلك للامر الواقع إن شاء الله.
فعلى الحكومة الشرعية ان تدرك بأن الحرب بينها وبين هذه المليشيات ، ليست حربا عسكرية فحسب بل يجب ان تكون حروبا مكثفة في الجوانب السياسية والاقتصادية والإدارية والاجتماعية والثقافية والخدمية وفي اي مجالات اخرى ، وإلا لما استطعنا ان نهزمها ، وقد ربما تهزمنا وتبتلعنا جميعا بما في ذلك دول التحالف العربي ، وسنكون – كما يقال – في خبر كان إن لم نشمر السواعد في حروبنا ضدها في كافة المجالات والاصعدة .
كما ان لو افترض البعض بأن هذه المليشيات قد تستغل هذا الحدث بالقيام بإستغلاله بشكل يخدم مصلحتها ، وذلك بالقيام بتوعية مزارعي شجرة القات وترويضهم وإقناعهم على اقتلاع هذه الشجرة واستبدالها بزراعة اشجار اخرى مثمرة وذات جدوى اقتصادية ، فهذه الخطوة لن تتم إلا عبر الأجل الطويل ، وستقف عاجزة عن تنفيذها لإرتباط بقاء هذه الشجرة بشريحة كبيرة من المواطنين ، نسبة كبيرة منهم من ذوي الوزن الاجتماعي والسياسي الثقيل التي يصعب إقناعهم عن التخلي عن زراعة هذه الشجرة التي تدر عليهم اموال كبيرة تقدر بعشرات الملايين سنويا ، وستيطلبون منها التمويل والتعويضات لتنفيذ ذلك ، وستظهر المليشيات عاجزة امام هذه المطالب ، وبالتالي سيثير عليها هذا الامر قدر كبير من الإرباك والصراعات الداخلية ، وسيؤدي إلى إضعاف الجبهة الداخلية فيها ، وقد ربما في حالة فرض هذه العملية بالإكراه والقوة والعنف سيثير ضدها الكثير من الاحتجاجات الغاضبة التي قد تكون نهايتها عند هذه النقطة ، بل إن معظم المواطنين المرتبطة مصلحتهم ومعيشتهم بالبيع والشراء بهذه الشجرة سينزحون إلى المناطق المحررة ، وسيعكسون عنها صورة اسوأ من الصورة القبيحة التي هي عليها حاليا في كل جغرافية اليمن ، لاسيما إذا كان هناك تحريض قوي ومنظم ضدها.
كما ان ارتفاع جودة القات الحبشي وانخفاض ثمنه مقارنة بالقات المحلي وعدم استخدام المبيدات المحرمة عند زراعته في بلد المنشأ ، سيؤدي إلى ارتفاع الطلب عليها في كل مناطق اليمن بما فيها مناطق سيطرة المليشيات مما سينتج عن ذلك إثارة شهية واطماع مهربي القات إلى المناطق التي تحت سيطرتها ومنافسة المنتج المحلي في قعر داره ، وفي مناطق زراعته الامر الذي سيزيد الطين بلة على هذه المليشيات المارقة التي عاني منها اليمن وابنائه الكثير من المعاناة والويلات منذ عشر سنوات .
فمن الملاحظ بشكل واضح وجلي بأنه منذ سيطرة هذه المليشيات على جزء من المناطق اليمنية ، واشتعال الحرب منذ عشر سنوات تقريبا تضاعفت اسعار شجرة القات إلى نسبة 500% تقريبا عما كانت عليه قبل الازمة واشتعال الحرب رغم انها منتج محلي 100% ، لكن بسبب مضاعفة المليشيات للجبايات المالية المرتفعة التي تأخذها وتفرضها على المزارعين وعلى البائعين ، حرصا منها على زيادة إيراداتها والحصول على اموال كبيرة تمول منها عملياتها وتضمن بقائها واستمرارها كما اسلفنا آنفا ، ادت الى ارتفاع اسعار هذه الشجرة ، خصوصا وان اكثر اليمنين مدمنين على تناول هذه الشجرة بصورة يومية ومستعدين على شرائها ولو بأسعار خيالية ، وبالتالي لو سمحت الحكومة الشرعية بدخول هذه الشجرة بحرية الى الاراضي اليمنية ستفقد المليشيات نسبة كبيرة من إيراداتها وستتأثر كثيرا ، وسيكون الامر بمثابة العصا الغليظة التي ستقسم ظهرها ، ومن ثم ستعود إلى رشدها جبرا وستخضع للحلول السياسية التي ستوقف الحرب وفقا للشروط التي يضعها الوسطاء .
وقد اشرنا آنفا إلى عمومية اضرار هذه الشجرة على المواطن بوجه خاص وعلى الاقتصاد الوطني بصورة عامة لكن إيراد مثل هذه المزايا وتفضيلها مرحليا وبشكل مؤقت حتى يتم القضاء على هذه المليشيات التي تسعى إلى حكم اليمنيين بالقوة وبالاكراه وخارج عن رغبتهم وعن ارادتهم بعيدا عن التوافقات السياسية وبعيدا عن صندوق الانتخابات ومصرة على ذلك بسبب قناعتها وعقيدتها التي ترى بأن الحكم والسلطة حقا ربانيا لها وحكرا عليها ولا يمكن إشراك القوى الوطنية الاخرى معها .
اما بالنسبة للسلبيات التي ستعكسه غزو هذه الشجرة للاسواق اليمنية التي تحت نفوذ وسيطرة الحكومة الشرعية فهي قليلة تكاد لا تذكر ، ولا وجه لمقارنتها مع الإيجابيات التي اوردناها اعلاه ، خصوصا في هذه المرحلة التي بات الوطن اليمني يئن من صلف وظلم وعنجهية هذه المليشيات التي نحن بأمس الحاجة للتخلص منها ومن معتقداتها البالية التي قضى عليها الزمن .