كريتر نت : متابعات
في الوقت الذي شهدت فيه سلطنة عمان والإمارات أمطارا غزيرة لم يسبق أن عرفتها المنطقة، يعيش العراق على وقع جفاف حاد ونقص في المياه يستوجبان اتخاذ إجراءات حكومية فورية. وتمثل هذه المفارقة عينة مما يعيشه الخليج ومنطقة الشرق الأوسط من تغيرات مناخية سيكون لها تأثير شديد على ظروف عيش السكان.
ومع اقتراب الصيف في العراق، من المتوقع أن ترتفع درجات الحرارة القياسية ويتواصل الجفاف الشديد الذي استنزف الخزانات وخفض التدفق في أنظمة أنهار دجلة والفرات وشط العرب.
ويفصل تقرير نشره مركز كارنيغي للشرق الأوسط في فبراير الماضي حجم الأزمة. وجاء فيه أن “أزمة المياه في العراق تمتد على كامل البلاد… بعد أربعة مواسم من الجفاف في العراق، وصلت مستويات المياه في سد الموصل، الذي تتراوح سعته التخزينية بين 6 و11 مليار متر مكعب، إلى أدنى مستوياتها خلال 2023، منذ بنائه في 1986”.
ويعتقد الخبراء أن عدم اتخاذ أي إجراء سيتسبب في جفاف بحيرة الموصل قريبا، ما يترك سكان الموصل البالغ عددهم 1.7 مليون نسمة دون كهرباء ومياه لري محاصيلهم.
ويعاني إقليم كردستان العراق من أزمة شح المياه على الرغم من تنوع مصادر مياهه مقارنة ببقية البلاد. وتشير تقارير إلى أن سد دوكان، الذي يوفر مياه الشرب لثلاثة ملايين نسمة في السليمانية وكركوك وتبلغ سعته التخزينية سبعة مليارات متر مكعب من المياه، لا يحوي اليوم سوى ملياري متر مكعب.
وتعتمد البلدات والمدن في الأجزاء الوسطى والجنوبية من العراق على نهري دجلة والفرات لتلبية احتياجاتها المائية. وذكرت بعض الدراسات أن مستويات هطول الأمطار في هذه الفترة كانت أقل بنسبة 40 في المئة من المعدل الطبيعي. وتدهورت البنية التحتية المائية في العراق كثيرا بعد سنوات من الحرب والإهمال.
ويشير تقرير لموقع عرب دايجست إلى أن الوضع يزداد سوءا بسبب الفساد المستشري حتى مع استمرار تراكم الأدلة المادية على آثار الجفاف والانخفاض الهائل في الإنتاج الزراعي وارتفاع أعداد الأسر التي تخلت عن أراضيها في الريف ونزحت إلى المراكز الحضرية التي تعاني بالفعل من نقص المياه.
وأكد المجلس النرويجي للاجئين، الذي ينشر تقييما سنويا للوضع المائي في العراق، أن 60 في المئة من المزارعين الذين شملهم المسح في الأنبار وكركوك ونينوى وصلاح الدين اضطروا إلى زراعة أراض مساحتها أقل من المعتاد أو استخدام كميات من المياه أقل من المعتاد خلال موسم 2023 الزراعي.
وقال أربعة من كل خمسة مستجوبين في المجتمعات الزراعية في نينوى وكركوك إنهم اضطروا إلى خفض الإنفاق الغذائي خلال الأشهر الماضية.
وربط مستجوب من كل خمسة في قضاء البعاج بمحافظة نينوى تغير المناخ بارتفاع حدة التوترات الاجتماعية. ويفكر واحد من كل أربعة منهم في النزوح بسبب الجفاف. وذكر مزارع صغير من كل 4 في سنجار والبعاج أنه أجبر على التخلي عن الزراعة في 2023، واضطر ما يقرب من 40 في المئة إلى خفض الإنفاق على الغذاء.
وليس تغير المناخ والفساد العاملين الوحيدين اللذين خلقا أزمة المياه في العراق؛ فهناك مشكلة أخرى، وهي أن الأنهار الرئيسية الثلاثة في العراق مشتركة مع البلدان المجاورة. ولئن وقّع العراق على اتفاقيات مع جيرانه فقد ظل الوفاء بها منقوصا.
وأشار وزير الموارد المائية عون ذياب في مؤتمر السليمانية إلى اتفاقيات تعود إلى عقود واتفاقيات أحدث. وتطرق إلى معاهدة الجزائر لسنة 1975 التي حلت النزاعات الحدودية بين إيران والعراق ولكنها منحت طهران “سيطرة كاملة على تدفق نهر كارون”.
وقال الوزير إن اجتماعا الأسبوع المقبل مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سيضع المياه “على رأس جدول الأعمال”، قبل أن يخلص إلى عدم التوصل إلى اتفاق شفاف وصادق بشأن معدل تدفق المياه من الدول المجاورة إلى العراق.
وبينما يستعد العراق لصيف آخر يتسم بالحرارة الشديدة والجفاف المتزايد، تجلت تقلبات تغير المناخ في هطول أمطار غزيرة ضربت دبي يوم الثلاثاء.
وأظهرت مقاطع فيديو انتشرت على الإنترنت شوارع المدينة المشلولة والسيارات التي جرفتها المياه. كما غمرت المياه المطار الدولي وأجبرته على تعليق الرحلات الجوية.
وسجّلت دبي هطول 259.5 ملم في يوم واحد بينما لم يتجاوز المعدل في العادة 100 ملم. وتفاقم تأثير الفيضان لأن المياه التي غمرت المدينة مترامية الأطراف لم تجد وجهة تنتهي إليها، حيث صُمم نظام الصرف الصحي لإدارة القليل من الأمطار.
ويتمتع الإماراتيون بالوسائل المالية والتكنولوجية للتعامل مع التحديات التي تطرحها أزمة المناخ في الشرق الأوسط. ويختلفون بذلك عن 45 مليون عراقي.
وسيستمر تسارع عدم الاستقرار وانعدام الأمن الناجم عن الجفاف في العراق حتى اعتماد حلول فعّالة لإدارة أزمة المياه. ويتوجب على مؤتمر المياه الذي سينعقد في بغداد الأسبوع المقبل تجاوز الكلام والانتقال إلى الاستجابة السريعة لإثبات جديّة الحكومة في معالجة أزمة المياه المتنامية في العراق.