أحمد سعيد الشرجبي
في سنوات النجومية والسطوع من ثمانينات وتسعينيات القرن الماضي كان عبد المجيد الزنداني هو القرأن الناطق كان رجل مقدس بدرجة نبي هكذا روج له اتباعه وأنصاره ، لا احد يجرؤ على نقده ولو من بعيد ، استثمر هذا الرجل هذه القداسة في تبرير أفكاره وأفعاله وكان تغليف كل فعل بغلاف ديني هو الطريق الأمثل والانفع لجمع المال والاتباع والأنصار ، استثمر في الطب وتوهم أنه اكتشف علاج الايدز في العام 2004 ثم السرطان وفيروس الكبد في العام 2008، لم يكفيه أن يكون عالم دين بل شطح بعيدا كعادته أن يكون عالم طب ونسى أنه فشل في كلية الصيدلة في مصر في خمسينات القرن الماضي..
ففي الدين أنتج التطرف وفي الطب أنتج الوهم ، ولم يتوقف الأمر هنا فورٌث هذا الوهم لابنه الذي توهم هو الآخر أنه اكتشف علاج الكورونا خلال ٧٢ ساعة من الإعلان عن ظهور المرض ، وفي الاخير اكتشف الجميع كذبات الرجل ونجله ، استثمر هذا الرجل في احلام الناس وأسس شركة الاسماك والاحياء البحرية وكسب ما يقارب 732مليون ريال ثم ببساطة قال للمساهمين تجارة وخسرت ، هو مدرسة شاملة في التجارة بالدين والمال والطب والاكتشافات العلمية والتنبؤ ايضا فهو من تنبأ لنا في ساحة التغير في العام 2011 إن العام 2020 هو عام الخلافة الإسلامية … هذا الرجل في ثمانينات القرن الماضي جرّ آلاف الشباب إلى محارق الموت في أفغانستان تحت مبررات الجهاد ومحاربة الشيوعية والنتيجة أن أفغانستان صارت دولة أكثر من فاشلة ولاشبيه لها في العالم ، يومها كان يقبض الملايين بالريال والدولار وكانت أسر اولئك الشباب تعيش البؤس والحزن معا ، وكل فعل يفعله هذا الرجل لابد من مكافئة نظير ذلك.
فكانت المكافئة هو تأسيس حزب الإصلاح هذا الحزب أسس بمشورة ودعم من صالح في سبتمبر من العام 1990م لمواجهة الحزب الاشتراكي( الملحد) في نظر الشيخ ، وهذه معلومة أكدها رئيس الحزب الشيخ الأحمر ،هذا العام انا اسميه عام شرعنة ودسترة التطرف والإرهاب بامتياز .
ثم المكافئة التالية وهي تأسيس جامعة الايمان في العام 1993 وهي بمساحة شاسعة توازي مساحة دولة صغيرة وبمباركة صالح ، كل مخرجات هذه الجامعة أن يقعد الطالب عشر سنوات يدرس فيها (كان يا ماكان ) والمنتج تطرف وإرهاب، يخرج فيها الطالب نسخة طبق الأصل لأسامة بن لادن والظواهري ، وقد بلغ عدد المسجلين في الجامعة حتى العام 2014 ثلاثين ألف تخيلوا هذا!!!! .
، لقد تجاوز كرم صالح مع الزنداني وحزبه أن رفض صالح تسليم الزنداني للامريكان وجهز له طائرة خاصة تنقله من الامارات الى اليمن قبل ساعات من وصول ايدي الامريكان إليه ، تلك الحماية وفائض الكرم العفاشي تحمٌل الشعب اليمني بسببها الكثير من المتاعب والمعاناة ، لقد أثبتت الأحداث لاحقا أن الزنداني رجل بلا وفاء فقد وصل الجحود لديه أبعد مدى عندما كان قبل ساعات يحاور عفاش بكل ود ثم بعدها يذهب بكل بجاحة إلى ساحة التغير بصنعاء قائلا ( احرجتمونا) والتي صارت لاحقا ( اخرجتمونا) … سيكتب التاريخ أن المؤسس الاول للدولة الموازية في اليمن هو الزنداني وحزبه فلديهم جيش خاص وجامعات خاصة ومدارس خاصة ومشافي خاصة وبنوك وشركات خاصة ووسائل نقل خاصة ، عندما سقط النظام بحسب شعار الزنداني وحزبه (الشعب يريد اسقاط النظام ) ، ظهر تاليا البديل وهو الزنداني وحزبه ، وتبين لاحقا أن دولة عفاش العميقة هي دولة الزنداني ،كانت دولة الزنداني هي اكبر المنظرين لتصفية الحزب الاشتراكي وكل اليسار ، وكانوا الأكثر تهليلا وفرحا باجتياح الجنوب وطرد قياداته ومحاكمتهم واقصاء كل كوادر الحزب الاشتراكي ، يومها كانوا كرماء مع صالح حين أفتى المنظر الديني للحزب عبد الوهاب الديلمي بجواز إراقة دماء اخوتنا في الجنوب ، أفتوا بإيمان شديد وضمير مستريح إلى أبعد حد، تعاموا بقبح شديد عن جريمة قتل لينا عبد الخالق ، في ايام السطوع تلك كانت اليمن كلها مختزلة في الزنداني وحزبه وتبين لاحقا أن المؤتمر ليس بتلك القوة التي كنا نرأها ، وأن الدولة العميقة هي الزنداني وحزبه ، اما مؤتمر صالح فقد تلاشى وتصدع وتشتت فهو حزب بلا ايدلوجيا ، حزب مجموعة من الانتهازيين والمتمصلحين، تجلى ذلك في اللحظات الأخيرة من حياة صالح ، حيث وقف وحيدا يواجه الموت بعد أكثر من ثلاثة عقود سُلطة ، وتبخر الاحباب والاصحاب والقبائل العسرة من حوله.
ونحن نعيش اللحظة نجد أن خبرات الزنداني وحزبه انتقلت إلى جماعات دينية أخرى أكثر تطرفا وإنانية وأن كانت مختلفة الرؤى ، نشاهد الجمعيات الخيرية المغلفة دينيا ونشاهد مراكز التحفيظ والتي هي في الأصل مراكز تحنيط وتجميد للعقل، ونشاهد شعارات الموت بمبررات دينية.
اليوم غادر الزنداني هذا العالم بعد ان امضي سنوات عمره الأخيرة مشردا وتائها وعليلا في تركيا ، حتى جارة السؤ التي عاش فيها كثيرا وكان أحد اذرعها وأدواتها ضاقت منه فخرج منها مطرودا إلى تركيا كما خرج من موطنه ، الحياة عادلة إلى أبعد مدى وأقصى حد ، والله أن أمهل لا يهمل ، ويقول المثل( كما تدين تُدان ولو بعد حين فهل من مدٌكر ).
من المفارقات العجيبة أن الزنداني أمضى عمره كله في محاربة العلمانية وشاء الله له أن يموت في دولة علمانية .
بعض الناس بسذاجة وبساطة تطلب من بعض الناس أن تنسى وتغفر وتسامح رغم حجم الالم والوجع والخسارة ، وتكرر بسذاجة وقبح ( عفى الله عما سلف ) ولكنها تنسى الحكمة القائلة( أن من يده في النار ليس مثل الذي يده في الماء ) .
اليوم من يتابع بيانات النعي يلحظ حجم التبجيل والتمجيد لهذا الرجل فمازال اتباعه يرونه بدرجة نبي رغم أن نتائج أفعاله تقول عكس ذلك ، وهذا يسمي تقديس الجهل، هي عادة ملازمة لجماعة الإخوان فهي لا ترى إلا نفسها وأفرادها فهم ملائكة الجنة والاخرون شياطين جهنم ، ونلاحظ أيضا أن شهر ابريل هو شهر النحيب والصراخ ففي كل عام تعلو فيه الاصوات وتكثر فيه المنشورات المتضامنة مع المخفي قسرا محمد قحطان ولكن تلك الأصوات والابواق تريد من أهالي الضحايا أن ينسوا ، بينما هم لا ينسوا ضحاياهم ، يريدوا مصادرة ومسح ذاكرة الناس ولايتذكروا أن ضابط الأمن السياسي محمد قحطان في العام 1982م قام باختطاف المواطن اليمني امين سعيد غلاب البتول وسبعة من اقاربه من قرية المدقة في شرعب لمجرد ان لهم تصور انساني وعادل للدولة وهي قطعا تختلف عن الدولة الدينية والتي ظل قحطان وجماعته لاكثر من اربعة عقود يؤسسوا مداميكها ، وحتى اللحظة مازال مصير غلاب واقربائه لا يعلمه الا الله والخاطف محمد قحطان ، ومافعله قحطان قبل 42 عاما فعلته جماعته عام 2016 مع ايوب الصالحي ايقونة ساحة الحرية بتعز ورفيقه اكرم عبد الكريم واخرون كثر ،
وعندما يبلغ الاستحمار أعلى مدى ستجد أبواق النفاق عند الرحيل يكتبون ( قضى عمره في خدمة الثورة والجمهورية والوحدة والإسلام ) . .
ختاما اقول للقارئ تخيل يمن بلا زنداني قبلاً وبعداً….
نقلا عن الرصيف برس