محمد صلاح
لا مجال لملاحقة شائعات تطلقها التنظيمات المتأسلمة كالإخوان المسلمين وباقي الجماعات والأحزاب المتحالفة، علناً أو سراً، مع ذلك التنظيم الإرهابي، وتستهدف ضرب المجتمعات العربية. فالتنظيم يستخدم الأموال التي تتدفق على خزائنه من دول وجهات موالية له وأجهزة استخبارات تستخدمه واشتراكات أعضائه، ويجيّش عناصره في أنحاء العالم لمحاولة إسقاط الدول التي تحاصر نشاطه وتطارد قادته وتحاكم عناصره المتورطين بارتكاب الإرهاب أو التخطيط له من دون جدوى.
في مصر مثلاً صار الشعب ينتظر كل يوم سموم الإخوان وشائعات الجماعة ليتهكم عليها ويسخر منها ويضحك على الانقلاب الذي يترنح! ويسخر أيضاً هذا الأسبوع من فبركات الإخوان عن موضوع “اتحاد القبائل العربية” الذى أُعلن عنه أخيراً، أو الفيلم الكوميدي عن أن الحكم في مصر يؤسس لميليشيات! فالناس في مصر، صحيح أنهم يعانون حياة صعبة، لكنهم طووا صفحة الإخوان وصاروا مهتمين أكثر بمستقبل بلدهم، لكن لا يفوتهم تحويل ادعاءات الإخوان ومزاعمهم إلى نكات يضحكون عليها.
ورغم عشرات، أو قل مئات، المشاريع العملاقة التي تتم في مصر وإعادة بناء الدولة وتطوير بنيتها التحتية، يأمل المصريون أن تجني سيناء وسكانها ثمار تضحيات ظلت لعقود تقدمها لأسباب تتعلق بحدودها وموقعها الاستراتيجي واحتلال إسرائيل لها لست سنوات، ثم أخيراً مؤامرات الإخوان وطموح الجماعات والتنظيمات الإرهابية إلى تحويلها إلى إمارة إرهابية. وضعت الحكومة خطة بكلفة 275 بليون جنيه لتمويل 290 مشروعاً في شمال سيناء وجنوبها ووسطها، وتخطط لإسكان 8 ملايين مواطن مصري وتوفير 3 ملايين فرصة عمل في شبه الجزيرة حتى عام 2052، على أن تكون المرحلة الأولى من المخطط توفير 1.2 مليون فرصة عمل وإسكان 3.5 ملايين نسمة حتى عام 2027.
وتحولت تنمية سيناء واقعاً بربط شبه الجزيرة بالوادي عبر 4 أنفاق أسفل قناة السويس، إضافة إلى جسرين فوق القناة، بعدما ظلت لسنوات طويلة لا يربطها بالوادي إلا نفق واحد ضيق في مدينة السويس، هو نفق الشهيد أحمد حمدي، إضافة إلى جسر السلام في مدينة الإسماعيلية، والمعديات المائية التي تُشرف عليها إدارة قناة السويس.
نجحت الحملة العسكرية التي نفذها الجيش والشرطة على مدى سنوات للقضاء على التنظيمات الرهابية في سيناء واعتمدت، إضافة إلى الملاحقات والمطاردات ووقف سبل تدفق السلاح إلى الإرهابيين ومنع وصول متطرفين جدد إلى به الجزيرة المصرية، أيضاً على تعاون أهالي سيناء والقبائل التي تدرك دروب شبه الجزيرة وصحراءها والكهوف والمغارات في قلب الجبل، وكذلك خطة التنمية الشاملة التي جرى تنفيذها بواسطة أجهزة الدولة لتحويل سيناء إلى منطقة جاذبة للسكان، وإعطاء أولوية قصوى لإقامة المشاريع التنموية هناك باعتبارها أهم محاور مكافحة الإرهاب.
ويبدو أن الإحباط لدى الإخوان والجهات التي تدعمهم، جراء اجتثاث الإرهابين ودحر الإرهاب، وكذلك الموقف الرسمي الصارم بالتصدي لخطط تهجير الفلسطينيين إلى سيناء حول أحلام التنظيم الإرهابي في تأسيس بؤر موالية له هناك إلى كابوس كبير، وجعل مشاهد تعاون الأهالي، وخصوصاً القبائل ورموزها، مع الجيش والشرطة في جهود التنمية وتطوير البنية التحتية، ناقوس خطر بالنسبة إلى تنظيم ظل على مدى عقود يأمل تحويل سيناء إلى إمارة إسلامية يحكمها ويستخدمها ربما لتحقيق أجندات لدول أو تنظيمات أو جماعات أو أحزاب متأسلمة أخرى، فالإخوان ومنصاتهم الإعلامية ظلوا يرددون أن السيسي سيسلم سيناء إلى إسرائيل، ثم فوجئوا بأن الرجل يقضي على إرهاب “داعش” وباقي التنظيمات الإرهابية هناك، وبالموازاة يغير وجه الحياة في شبه الجزيرة ليتأكد الجميع أن مصر لن تُفرط بأرض تُنميها ضمن أي ترتيبات إقليمية في المنطقة، وفي مرحلة لاحقة روجوا لأكذوبة أن الرجل يهيئ سيناء لاستقبال الفلسطينيين بعد ترحيلهم من غزة، ثم وجدوه يتعمد أثناء كل لقاء مع المسؤولين الغربيين إعلان موقف مصر الرافض للقضاء على القضية الفلسطينية وتهجير الفلسطينيين، سواء من غزة أم من الضفة الغربية.
يدرك السيسي أطماع الإرهابيين في سيناء، وأن دولاً وتنظيمات متأسلمة، غير مصرية، دعمت الإخوان و”داعش” و”التوحيد” و”الجهاد” على أمل السيطرة عليها لمقايضة الأميركيين وابتزاز إسرائيل. وهو اعتبر دائماً أن تنمية سيناء مسألة أمن قومي بالدرجة الأولى، وكررها مرات عدة، معرباً عن قناعته بأن هذا لن يتحقق بالقوة فقط ولكن بالبناء والتعمير. وهو قالها صراحة: “مصر لن تنفق كل هذه الأموال لتنمية سيناء لتعطيها لأحد آخر في النهاية”.
وجد الإخوان في تأسيس “اتحاد القبائل العربية”، وقبله اتحاد قبائل سيناء، فرصة جديدة لاستخدام سيناء بعد فشلهم في زرعها بالإرهاب وترسيخه فيها، فبدأوا حملة بزعم خطورة الاتحادين على الأمن القومي المصري، وهم الذين أسّسوا الميليشيات في شبه الجزيرة ومارسوا الترويع لأهاليها وسعوا إلى فصلها عن الوطن المصري تطبيقاً لحالات مشابهة في دول عربية أخرى كوضع “حزب الله” في جنوب لبنان والحشد الشعبي في العراق وجماعة الحوثي في اليمن وحركة الشباب في الصومال وتنظيمات متأسلمة أخرى في ليبيا، علماً أن كل الدراسات العسكرية والسياسية والديموغرافية خلصت إلى أن أخطر ما يمكن أن يواجه سيناء هو غياب التنمية وانخفاض الكثافة السكانية، وأن الدور الأكبر لعلاج تلك المعضلات يجب، بالإضافة إلى دور الدولة، أن يسند إلى القبائل هناك نظراً إلى طبيعة التكوين المجتمعي في شبه الجزيرة، إضافة إلى تحقيق هدف دمج تلك القبائل في بوتقة النسيج المصري بعدما عانت سيناء لسنوات، لظروف مختلفة بينها الاحتلال وتفشي الإرهاب وأطماع التنظيمات الإسلامية، إهمالاً وتهميشاً وفراغاً، فاعتمد الحكم في عهد السيسي منهجاً لتنمية سيناء بواسطة أبنائها تقديراً لدورهم في الحفاظ على الهوية المصرية أثناء سنوات الاحتلال الإسرائيلي الست، ثم تضحياتهم في مواجهة الإرهاب والتصدي لنشاط التنظيمات المتأسلمة والتعاون مع الجيش والشرطة في تعقب الإرهابيين والإيقاع بهم.
ولأن الدولة المصرية تملك مؤسسات أمنية راسخة وقوية، وجدت ضرورة في أن يكون للقبائل كيان مؤسسي يعمل ضمن مظلة القوانين المصرية لتحقيق أهداف الدولة حتى لا تترك سيناء مجدداً بيئة جاذبة للمتطرفين والإرهابيين، فجاء تأسيس الاتحادين وفقاً لقانون الجمعيات الأهلية، خصوصاً أن التطورات على الحدود الشرقية لمصر طرحت مخاطر تتعلق بمخططات التهجير للفلسطينيين إلى سيناء وموقف صارم للسيسي والحكم في مصر برفض تصفية القضية الفلسطينية وتجهيز وطن بديل لفلسطيني قطاع غزة في سيناء.
والحقيقة أن الجدل الذي أثاره موضوع تأسيس “اتحاد القبائل العربية” في سيناء رسخ الاعتقاد بأن هناك مشكلة تتعلق بتسويق سياسات الحكم والترويج لخططه وشرحها للناس، وسماحه لشخصيات عامة أو إعلاميين، بالتعبير عن مواقفه وتفسير قراراته، وبعضهم يفتقد ثقة الناس، وآخرون منهم يفتقرون إلى الأسلوب الأمثل للحديث وحسن استخدام العبارات والمفردات فيوقعون الحكم مرة بعد أخرى في معضلات وأزمات، بينما كان الأجدر أن يخرج مسؤول ليرد على استفسارات الناس ويوضح، بكل شفافية، الهدف من تأسيس الاتحاد ويبدد مخاوفهم ليتفادى الجميع مؤامرات الإخوان واستغلالهم للتطور في مصر للإساءة إلى الحكم أو إطلاق الشائعات أو تضليل المواطنين.
نقلا عن “النهار” العربي