سارة شريف
تحاول إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، منذ أشهر دفع السعودية وإسرائيل لتطبيع العلاقات عبر التوقيع على اتفاق سلام، وقيل إن الصفقة كانت قريبة في الصيف الماضي، لكنها انهارت وتوقفت في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، عندما اجتاحت “حماس” المدعومة من إيران المناطق الحدودية الإسرائيلية، مما أسفر عن مقتل عدة مئات من المدنيين، وبدأت إسرائيل هجومها على غزة، الذي أسفر عن مقتل أكثر من 30 ألف شخص.
حاولت إيران أن تعطّل التطبيع بين إسرائيل والسعودية وكانت حرب غزة هي الأداة، ولكن بعد الهجوم الإيراني غير المسبوق ضد إسرائيل في الشهر الماضي، فقد بدا واضحاً إلى الدول العربية مخاطر الهجمات الإيرانية، وربما بشكل ما دفع السعودية إلى توحيد جهودها مع الولايات المتحدة لدرء أي هجوم إيران جديد في المنطقة، وعاد ملف التطبيع بين السعودية وإسرائيل إلى جدول الأعمال مرة أخرى.
اتفاق قريب وقلق إيراني
قام وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مؤخراً، برحلة إلى الشرق الأوسط، شملت الرياض والأردن وإسرائيل، قال بلينكن إن الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية قامتا “بعمل مكثّف معاً، خلال الأشهر القليلة الماضية نحو اتفاق التطبيع بين المملكة وإسرائيل”.
وبالمثل، أشار إلى أن المكونات الأميركية والسعودية في الاتفاقية من المحتمل أن تكون قريبة جدًا من الاكتمال، وأضاف: “للمضي قدمًا في التطبيع، سيكون هناك حاجة إلى شيئين: الهدوء في غزة ومسار موثوق به إلى دولة فلسطينية”، بحسب موقع “تايمز أوف إسرائيل”.
فيما حذّر المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، من “التطبيع مع إسرائيل”، وقال في خطاب ألقاه في أول أيار/مايو الجاري: “هؤلاء الناس يتصورون أن الأمر [فلسطين] سيتم تسويته إذا أقنعوا دول المنطقة بتطبيع العلاقات مع النظام الصهيوني. إنهم مخطئون. ولن تحل المشكلة إلا بعد عودة فلسطين إلى الشعب الفلسطيني”.
ولم يذكر خامنئي المملكة في خطابه، ولكن لم يكن من الصعب تخمين من كان يقصد، ومعروف أن النظام في إيران لن يرحب بأي ترتيب من هذا القبيل.
حرب غزة وتعطيل الاتفاق
خلال العام الماضي، كانت هناك شائعات بأن الولايات المتحدة كانت تتوسط لدى السعودية ذات الثقل الرمزي الأكبر، بالتفاوض سرّاً على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وتبين أن هذه الشائعات صحيحة بعد أن كشف نتنياهو عن قرب التوصل إلى اتفاق محتمل في خطابه الذي ألقاه في أيلول/سبتمبر 2023 أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي قال خلاله إنه سيغير الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط بالكامل.
قبل أسابيع من هجوم “حماس”، كان “الاتفاق قريباً جداً بين السعودية وإسرائيل”، حيث اتفق المفاوضون الأميركيون والسعوديون والإسرائيليون على العديد من الأمور الجوهرية. وباستثناء بعض التفاصيل الفنية، كان هناك اتفاق تاريخي جاهز للتنفيذ.
إيران عرفت ذلك؛ وكان يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر جزءاً من استراتيجية أوسع لعرقلة قطار السلام بأي وسيلة ضرورية، وبالطبع أدى الرد الإسرائيلي وحربها في غزة إلى تبريد حاد في العلاقات مع المملكة العربية السعودية، ووضعها في مأزق بأنها لن تتمكن من إعلان تطبيعها مع إسرائيل بينما الحرب مشتعلة في القطاع.
في الأسابيع الأولى من الحرب، أعرب المسؤولون الإيرانيون عن ثقتهم في أن الصراع قد أدى بالفعل إلى عكس أي تقدم سابق في التطبيع السعودي الإسرائيلي، وأنه لن يعود إلى الطاولة أبدًا، وكان واضحاً أنهم كانوا سعداء بذلك.
ثمن جديد للتطبيع
منذ اندلاع الحرب في غزة، لم يتم تعطيل التطبيع وحسب، بدأ السعوديون يطالبون إسرائيل بتنازلات جديدة، فبينما كانت مطالب ولى العهد السعودي، محمد بن سلمان، أنه يأمل أن يساعد التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل في “تسهيل حياة الفلسطينيين”، إلا أنه بعد الحرب تم رفع السقف أعلى بكثير حيث اشترط السعوديون خطوات لا رجعة فيها نحو إقامة دولة فلسطينية.
فكما يبدو أن بن سلمان خاف من اتهامه بــ”خيانة القضية الفلسطينية” بل أراد ما هو أكثر من ذلك أن يكون هو الرجل الذي وقع على اتفاق يقضي بقيام دولة فلسطينية، والحقيقة أن ولي العهد السعودي قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر كان يولى اهتماماً لمتابعة المصالح الوطنية للسعودية مع إسرائيل والولايات المتحدة، قبل الاهتمام بالفلسطينيين، لكن الحرب غيرت كل شيء، وبدا أن مطالبه بشأن الدولة الفلسطينية إنه يعزز الفلسطينيين قبل سياسته الخارجية.
هناك تفسير آخر، بأن بن سلمان يريد أن يستغل الفرصة لأنه يدرك صعوبة الموقف، ويريد أن يحقق أكبر قدر ممكن من المكاسب لم يكن من الممكن أن يتخيلها أي حاكم سعودي سابق، وعلى رأسها ضمان مكتوب للمساعدة في الدفاع عن المملكة في حالة تعرضها لهجوم خارجي ــ وهي أول معاهدة دفاع ثنائية من نوعها تتفاوض عليها واشنطن منذ الاتفاقية الأميركية اليابانية في عام 1960.
ثانيا، التزام أميركي بالمساعدة في تطوير الصناعة النووية المدنية في المملكة العربية السعودية، بناء منشأة تملكها وتديرها الولايات المتحدة لتخصيب اليورانيوم على الأراضي السعوديةــ وهي خطوة ضرورية لإنتاج وقود المفاعلات، ولكنها أيضاً طريق محتمل لإنتاج الأسلحة النووية.
ثالثًا، الوصول بشكل أكبر وأسرع إلى الأسلحة الأميركية المتقدمة للغاية والتقنيات المتطورة، بما في ذلك قدرات الذكاء الاصطناعي، وطائرات “F 35”.
وكما يبدو أن ولي العهد السعودي قد استغل الهجوم الإيراني على إسرائيل ليبرر لواشنطن مدى أهمية الحصول على ضمان دفاعي من الولايات المتحدة.
من جانبه، علق علي نجات، الکاتب والباحث الإيراني متخصص في شؤون الشرق الأوسط لـ”الحل نت”، بأن التحركات الجديدة بوساطة الولايات المتحدة لتطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب على المدى القصير تبدو غير محتملة وستواجه العديد من التحديات والعقبات كما كان الحال في الماضي، بيد إصرار السعودية على شرط إقامة دولة فلسطينية.
حسابات إيران في المنطقة
عارضت إيران حملة التطبيع الأوسع التي قامت بها إسرائيل مع الدول العربية الأخرى في عام 2020، بما في ذلك مع الإمارات العربية المتحدة، حيث انتقد خامنئي الزعماء العرب بسبب “خيانتهم”، على حد وصفه.
كما ترددت أصداء مخاوف القيادة الإيرانية المتجددة بشأن ذوبان الجليد بين إسرائيل والسعودية على نطاق واسع في الصحافة الإيرانية. وحذرت صحيفة “خراسان” المحافظة، من أن الحملة الأميركية “هي فخ جديد للعالم العربي”. وشبهت صحيفة معتدلة أي تطبيع من هذا القبيل بـ “اتفاق سلام ملطخ بالدماء”، في إشارة إلى مقتل المدنيين في غزة، بحسب موقع “المونيتور”.
كانت طهران قد أبرمت اتفاق تقارب بوساطة صينية مع الرياض في آذار/مارس 2023، كان الهدف منه هو استعادة العلاقات المقطوعة منذ عام 2016، وبعد مرور أكثر من عام على هذا الاتفاق، يمكن الإقرار بأنه لم يسفر عن شيء، فقد واصل الجانبان إلى حدّ كبير السير على مساراتهما السابقة بشأن القضايا الشائكة.
وبينما كان ضمن شروط هذا الاتفاق أن تقيد إيران حركة وكلاءها في المنطقة، إلا أنه بعد حرب غزة، فإن أذرع إيران ازدادت عبثاً، وعلى الأخص في البحر الأحمر، من خلال شن هجمات تخريبية على الملاحة البحرية الدولية، كجزء مما تسميه الانتقام من الحرب الإسرائيلية على غزة.
حسابات إيران حول السعودية، أساسها هو منافسة قوية بين الاثنين على خلق مناطق نفوذ في مجالهما الحيوي المشترك من خلال الاستفادة من الأوضاع غير المستقرة، حيث تتنافس كل من إيران والمملكة العربية السعودية على الزعامة الإقليمية، والنفوذ، وحصص السلطة، فضلاً عن التسلسل الهرمي لعلاقات الجوار، بالإضافة إلى الخلاف الأيديولوجي بين السعودية السنية، وإيران الشيعية، وهي الرؤية التي طرحتها دراسة في جامعة “نافارا” الإسبانية.
دوافع ومكاسب للجميع
جميع الأطراف (السعودية وإسرائيل والولايات المتحدة) لديها ما تكسبه من الاتفاق المرتقب، وإيران وحدها لديها ما تخسره.
فإدارة بايدن، تريد إنجازات سياسياً قبل الانتخابات الأميركية، يحسّن احتمالات نجاحه في الانتخابات، والسعودية تريد المطالب السابق ذكرها، أما إسرائيل، فإن تطبيعها مع الدولة الإسلامية الأكبر في المنطقة، من شأنه أن يشكل خطوة مفصلية فعلاً، وسيخدم المصلحة الاستراتيجية الإسرائيلية، ويستكمل الاعتراف بها و بحاجاتها الأمنية في العالم العربي، وتفتح في وجهها أبواباً اقتصادية غير مسبوقة.
هذه الاتفاقية قد تفتح الباب أمام العديد من الدول الإسلامية، مثل إندونيسيا، التي أعلنت في السابق نيتها إرساء علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، إلى جانب ماليزيا وباكستان وهو ما يعني عملياً تعزيز “الجدار الحديدي” في وجه إيران.
لكن المكسب الأهم، هو إنشاء تحالف يجمع بين الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية ومن خلفها الدول السنية ضد إيران في المنطقة، وهو ما يعد منعطف استراتيجي جوهري ضد إيران بصورة خاصة.
فالسبب الرئيسي الذي يدفع السعودية إلى التطبيع مع إسرائيل هو أن لدى كل منهما تهديدات مشتركة من إيران التي اتسعت مساحة نفوذها خلال العقود القليلة الماضية، والتي تستفيد من الشرق الأوسط المنقسم، ولهذا السبب فإن الدفاع ضد هذا التهديد المشترك بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية له أهمية أكبر من القضايا الأخرى.
واتفق على نجات في تصريحاته لـ”الحل نت” مع هذا الطرح، حيث رأى أن المملكة العربية السعودية ليست لاعباً منعزلاً في الشرق الأوسط، بل لديها علاقات جيدة ووثيقة مع الدول العربية والإسلامية، مما يعني أن التطبیع سيدفع دول عربية أخرى في المنطقة تدريجياً نحو توقيع اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل.
وأضاف نجات، أنه على الجانب الآخر من تطبيع العلاقات ووجود إسرائيل بالقرب من حدود إيران وقيام تحالف دفاعي إقليمي تشارك فيه إسرائيل، بالإضافة إلى خلق تهديدات أمنية لطهران، سيؤدي إلى عزلة نسبية لطهران في المنطقة، ويضعف علاقاتها مع دول الجوار ويغير ميزان القوى في المنطقة، فتوسّع العلاقات العربية الإسرائيلية، سيخفض مستوى العلاقات العلاقات العربية الإيرانية.
المصدر : الحل نت