الحبيب الأسود
هناك مثل شعبي متداول بكثرة: “قالوا للبغل من أبوك، قال الحصان خالي”، وقد كان من الأجدر أن يعترف بالحقيقة وأن يفخر بها، فإذا كانت أمه الفرس، فإن والده هو الحمار الذي لم يقصّر أبدا في خدمة البشرية منذ الأزل وفي تطوير أدائه ليكون دائما صاحب أثر مهم في الحياة.
قبل أيام، وتحديدا في الثامن من مايو، كان هناك من يحتفل باليوم العالمي للحمار، وهو مناسبة لإظهار الاحترام والتقدير لواحد من أكثر الحيوانات ذكاء وصبرا وقدرة على الاستمرار في تحمل مشاق العمل معنا نحن بني البشر منذ 4000 عام قبل الميلاد.
يوجد أكثر من 186 سلالة من الحمير موزعة على الكثير من الدول، بأعداد تفوق 44 مليون حمار، واليوم العالمي للحمار هو من بنات أفكار رازق آرك، عالم البيطرة المتخصص في الحيوانات الصحراوية، الذي لاحظ منذ سنوات أن لا أحد يحتفل بالحمار المتواضع لجهوده في مساعدة الناس في جميع أنحاء العالم على تحسين نوعية حياتهم، فقاد حملة وجدت صدى واسعا منذ عام 2018.
يعتبر الحمار رفيقا هادئا ونظيفا وقنوعا ومجتهدا وصبورا للإنسان، وفوق ذلك فهو يمتاز بالذكاء الذي يجعله يعمل في صمت، ودون شكوى، ولا يتظاهر بقدراته، ولا يدعي ما ليس فيه، وهو لا ينهق إلا إذا جاع الجوع الذي ما بعده جوع، ولديه قدرة فائقة على كبت غرائزه.
تسحب الحمير العربات، وتشغل المطاحن، وتحمل البضائع لأميال وأميال، وهي مكتشف رائع للألغام الأرضية، وتساعد على اقتحام المناطق الشائكة. ويمكنها أن تكون دائما حيوانات لطيفة في تعاملها مع الكبار والصغار.
يقول أنصار الحمير إن بدون مساعدة تلك الحيوانات من الصعب أن نتصور أن العالم الحديث كان يمكن أن يكون بالشكل الذي هو عليه.
فقبل وقت طويل من ظهور الطاقة البخارية أو الكهرباء زودت الحمير القوية الحضارة بالطاقة الدافعة اللازمة لتوليد الثروة، ولهذا السبب يعتبر الكثير من الناس أن الحمير لا تقل أهمية في مجتمعنا عن الكتابة والفخار والمعادن.
ولا تنسوا طبعا حليب الأتان (أنثى الحمار)، بما له من خصائص مضادة للميكروبات، إذ أنه يستخدم كعلاج طبي شعبي للعدوى، بما في ذلك السعال الديكي، وكذلك الفايروسات في أجزاء من أفريقيا والهند. كما أنه يتشابه إلى حد كبير مع حليب الأم الطبيعي، وتم استخدامه لأول مرة في القرن التاسع عشر لإطعام الأطفال الأيتام.
وأصبح من العادي في الكثير من الدول أن يتجه رجال أعمال للاستثمار في إنتاج حليب الحمير، الذي يباع طازجا ومعلّبا، وتستخرج منه الأجبان والزبادي، ويدمج في أنواع رفيعة من الشوكولاتة، كما تصنع منه أرفع أنواع الصابون والكريمات.
وللعلم، فإن يوم 6 أكتوبر من كل عام يعتبر يوم الحمار في التقويم الجمهوري الفرنسي، فيما تقيم المكسيك مهرجانا سنويا للاحتفال بالحمير، وهذا المهرجان معروف جدّا في أنحاء المكسيك حيث يتدفق كثيرون على البلدة الصغيرة لمتابعة احتفالات مثل بولو الحمير ومسابقة اختيار ملكة جمال الحمير وتنصيب ملكة جمال الحمير “مس دونكي”.
اليوم العالمي للحمار مناسبة مهمة لنقول شكرا للحمير. وليرفع البغل رأسه عاليا وهو يقول: الحمار أبي بدل أن يقول الحصان خالي.
نقلا عن صحيفة العرب اللندنية