كريتر نت – متابعات
يشعر أبناء الجالية المسلمة، المولودون في فرنسا، كأنهم أجانب فيضطر الكثير منهم إلى الهجرة ليس فقط بحثا عن العمل وإنما أيضا هربا من التمييز والعنصرية اللذين زادا خلال السنوات الأخيرة في ظل صعود اليمين وتغير مزاج الفرنسيين بعد الهجمات الإرهابية في 2015 وكذلك تأثيرات الحرب في غزة.
بعد فشله في 50 مقابلة عمل لوظيفة استشاري، رغم مؤهلاته وشهاداته، حزم آدم حقائبه على غرار الكثير من الفرنسيين المسلمين الراغبين في بدء حياة جديدة في الخارج بسبب شعورهم بالتمييز ضدهم.
ومن دبي يقول الشاب الثلاثيني المنحدر من أصل مغاربي “أشعر بتحسن كبير هنا مقارنة بما كنت عليه في فرنسا”. ويضيف “هنا نحن جميعا متساوون، يمكن أن يكون المدير هنديا، أو عربيا، أو فرنسيا”.
الكثير من الدراسات وثقت التمييز ضد الفرنسيين من أصول مهاجرة في مجالات التوظيف والسكن وعمليات التثبت الأمنية
وتشير دراسة نشرت الشهر الماضي إلى أن فرنسيين مسلمين يحملون مؤهلات عالية، وينحدرون غالبا من عائلات مهاجرة، يتركون البلاد بحثا عن بدايات جديدة في مدن مثل لندن ونيويورك ومونتريال ودبي.
ومن بين أكثر من ألف شخص أجابوا عن الأسئلة، أشار 71 في المئة منهم إلى العنصرية أو التمييز لتفسير هذا الاختيار، وفق نتائج الاستطلاع الذي يحمل عنوان “فرنسا، تحبها ولكنك تغادرها”.
ويقول آدم إن في فرنسا “عليك أن تبذل جهدا مضاعفا عندما تكون من أقليات معينة”.
ويؤكد آدم أنه يفتقد أصدقاءه وعائلته والثقافة الفرنسية، لكنه يقول إنه هرب من “الإسلاموفوبيا” (رهاب الإسلام) و”العنصرية الممنهجة” التي انعكست عمليات تدقيق أمني متكررة معه.
وأبناء المهاجرين الذين جاءوا بحثا عن حياة أفضل هم فرنسيون، لكن الكثير منهم يشعرون كأنهم أجانب في بلدهم و”مواطنون من الدرجة الثانية”، وقد بدأ ذلك خاصة عقب الهجمات الجهادية في فرنسا عام 2015.
ويقول مصرفي فرنسي – جزائري، يبلغ من العمر ثلاثين عاما ويستعد للمغادرة في يونيو القادم، “لقد ساءت الأجواء في فرنسا إلى حد كبير. نتعرض للاستهداف لأننا مسلمون”.
ويشير خصوصا إلى بعض وسائل الإعلام التي تعتبر أن جميع المسلمين متطرفون دينيا أو مثيرون للمشاكل.
ويعتقد الشاب الحائز على درجتي ماجستير، وهو ابن عاملة نظافة جزائرية، أنه اصطدم بـ”سقف زجاجي” عطّل مسيرته المهنية في فرنسا.
وتحظر فرنسا إجراء الإحصاءات العرقية والدينية. لكنْ على مدى سنوات وثقت الكثير من الدراسات الاستقصائية التمييز ضد المواطنين الذين ينحدرون من أصول مهاجرة في مجالات التوظيف والسكن وعمليات التثبت الأمنية، وغيرها.
ويتمتع المرشح الذي يحمل اسما فرنسيا تقليديا بفرصة أكبر بنسبة 50 في المئة تقريبا للحصول على وظيفة مقارنة بمن يحمل اسما عربيا، حسب ما ذكره “مرصد عدم المساواة” في تقريره لعام 2023.
كما أن علاقة فرنسا الخاصة بالعلمانية والخلافات المتكررة حول الحجاب الإسلامي تسببتا أيضا في عدم شعور البعض بالارتياح.
وقال أوليفييه إستيفيس، المساهم في الدراسة، لصحيفة لوموند “هناك خصوصية فرنسية حقيقية في هذه القضية؛ في بلدنا يتم إبعاد المرأة التي ترتدي الحجاب إلى هامش المجتمع، ويصعب عليها بشكل خاص العثور على عمل. وبالتالي، فإن النساء المحجبات اللاتي يرغبن في العمل يتم دفعهن إلى مغادرة فرنسا”.
تراجع نسبة من يعتقدون أن هناك “أعراقا متفوقة على الأخرى” ثلاث مرات من 14 في المئة إلى 5 في المئة
ويقول فرنسي من أصل مغربي يبلغ من العمر 33 عاما “نحن نختنق في فرنسا”، موضحا أنه يستعد للهجرة إلى جنوب شرق آسيا مع زوجته الحامل “لنعيش في مجتمع أكثر سلاما وحيث تعرف مختلف الفئات كيف تعيش معا”.
ويريد هذا الموظف في قطاع التكنولوجيا الهروب من “القتامة المحيطة” و”الإذلال” في الحياة اليومية المرتبط باسم عائلته وأصوله.
ويوضح “ما زلت أُسأل اليوم عما أفعله في الحي حيث أقيم منذ سنوات، وينطبق الأمر نفسه على والدتي عندما تزورني. لكن زوجتي، وهي بيضاء البشرة، لم يسبق أن طُرح عليها هذا السؤال”.
ويحتج قائلا “هذا الإذلال المستمر هو أكثر إحباطا لأني أقدم إلى هذا المجتمع إضافة باعتبار أني من أصحاب الدخل المرتفع”.
ومن المفارقات أن المجتمع الفرنسي رغم ذلك “أكثر انفتاحا مما كان عليه قبل عشرين عاما” و”العنصرية في تراجع”، حسب ما أكده التقرير السنوي الأخير الصادر عن “مرصد عدم المساواة” الذي يشير إلى أن 60 في المئة من الفرنسيين يرون أنهم “ليسوا عنصريين بتاتا”، وهي ضعف النسبة المسجلة قبل 20 عاما.
كما تراجعت نسبة من يعتقدون أن هناك “أعراقا متفوقة على الأخرى” ثلاث مرات من 14 في المئة إلى 5 في المئة.