كريتر نت – متابعات
بدأت الفوارق المتعاظمة بين أوضاع محافظة مأرب شرقي العاصمة اليمنية صنعاء وباقي المناطق الخاضعة للسلطة الشرعية اليمنية، تُجلي ملامح “كيان” فريد في اليمن يرى متابعون للشأن اليمني أنّه يحمل جميع مواصفات “دويلة” خاصة بجماعة الإخوان المسلمين ممثلة بذراعها المحلّية حزب التجمّع اليمني للإصلاح المسيطر بشكل رئيسي على زمام الحكم في المحافظة.
وكثيرا ما تمّ النظر إلى مأرب بما تعيشه من حالة استقرار وازدهار فريدين باعتبارهما نقطة قوّة للشرعية اليمنية ومرتكزا أساسيا لها خصوصا وأنّ المحافظة من مناطق الشمال القليلة التي لم تخضع لسلطة الحوثيين، لكنّ سياسيين يمنيين يحذّرون من أنّ مأرب قد تتحوّل إلى مأزق للشرعية ذاتها إذا تمسّك الإخوان بسلطتهم هناك ورفضوا التنازل عنها لأيّ طرف في نطاق ما قد يتمّ التوصّل إليه من حلّ سياسي للصراع اليمني.
وبدأت أوساط سياسية يمنية لا تتردّد في استخدام عبارة “إمارة مأرب” للتعبير على الكيان الإخواني الجاري تأسيسه هناك.
وعلّق الباحث السياسي سعيد بكران على تفرّد الإخوان بحكم مأرب وإدارتهم المؤسسات هناك بشكل مستقل، بالقول عبر منصّة إكس إنّ حزب الإصلاح يقيم في المحافظة “إمارة انفصالية”.
ويستبعد مراقبون أن يقبل الحزب بأن يدخل مجدّدا تحت أيّ سلطة قد يكون للحوثيين دور كبير فيها وهم الذين سبق لهم أن اقتلعوا الحزب من معاقله في شمال البلاد، بعد أن كسروا آلته العسكرية في محافظة عمران وغيرها وقتلوا وأسروا كوادر سياسية وعسكرية تابعة له.
وتمتلك مأرب الغنية بمخزونات النفط والغاز الكثير من مقوّمات الحكم الذاتي التي تدعّمت خلال السنوات الأخيرة مستفيدة من تهريب جزء هام من مقدّرات الدولة العسكرية والمدنية إليها بعد أن سقطت باقي مناطق شمال اليمن بما في ذلك العاصمة صنعاء بأيدي الحوثيين.
وتدفق على المحافظة عدد كبير من الكوادر والكفاءات في مختلف المجالات والتي سبق لها أن عملت في مؤسسات الدولة في مرحلة ما قبل غزو الحوثيين لصنعاء في خريف سنة 2014. وتواصل ذلك التدفّق بعد ذلك عندما تحوّلت مأرب إلى نقطة جذب، ليس فقط للسكان النازحين فرارا من الحرب، ولكن أيضا لرؤوس الأموال وأصحاب المشاريع وخصوصا من المنتمين لجماعة الإخوان والمعروفين بنشاطهم الكبير في مجال الأعمال والاستثمار.
وأضفى ذلك حركية خاصة على الحياة الاقتصادية في المحافظة ساعدت على إرسائها حالة الاستقرار التي أشرفت على تأمينها الكوادر الأمنية والعسكرية التابعة لحزب الإصلاح، ورفدتها السلطة الشرعية بجزء هام من المقدّرات الموضوعة بين يديها خصوصا من قبل المملكة العربية السعودية، التي احتاجت سنة 2020 لتوظيف قدرات عسكرية هامة في المحافظة لجعلها جدار صدّ بوجه الحوثيين الذين كانوا قد شنوا حينها حملة عسكرية واسعة النطاق في محاولتهم السيطرة على مأرب والاستيلاء على مقدّراتها شديدة الأهمية لاقتصاد المناطق التي يحتلونها.
وتستفيد مأرب اليوم وأكثر من أيّ وقت مضى من مساعدات خارجية وتدفقات مالية يصل بعضها عبر قنوات الشرعية ويصل البعض الآخر بعيدا عن إشرافها وتأتي من دول معنية بإنجاح تجربة حكم الإخوان في المحافظة مثل قطر وتركيا، وكذلك من فروع التنظيم الدولي للإخوان وخصوصا في الدول الغنية مثل الكويت.
وبينما تواجه غالبية مناطق الشرعية اليمنية سلسلة من الأزمات طالت الدورة الاقتصادية والحياة الاجتماعية ومست بقوة قطاع الخدمات، تبدو مأرب التي يديرها حزب الإصلاح ممثلا بالمحافظ سلطان العرادة القيادي في الحزب والعضو في مجلس القيادة الرئاسي، بمنأى عن تلك الأزمات متمتّعة بنشاط اقتصادي هام وبحركة إعمار لم تتوقّف.
وفي وقت تواجه فيه محافظة عدن التي تعدّ مركزا مؤقتا بديلا للشرعية وحكومتها المعترف بها دوليا في ظل وقوع العاصمة صنعاء تحت سيطرة الحوثيين، أزمات معيشية وخدمية حادّة لخّصتها مؤخّرا أزمة الكهرباء التي حرّكت احتجاجات في الشارع، يجري في مأرب تدشين مشاريع وتحسين مرافق تعدّ “ترفا” قياسا بالأزمة المالية والاقتصادية الحادّة التي تواجهها حكومة رئيس الوزراء أحمد عوض بن مبارك.
وقبل يومين قام محافظ مأرب سلطان العرادة بتدشين وحدة الصيانة المركزية بصندوق النظافة والتحسين وإعادة تأهيل وتأثيث المعهد الفني والمهني بكلفة إجمالية للمشروعين بلغت سبعمئة ألف دولار أميركي.
وتأتى هذا المبلغ الذي يعتبر ضخما قياسا بالشح الشديد في الموارد المالية للسلطة الشرعية اليمنية، وفي ضوء تهاوي قيمة العملة المحلية وتجاوزها سقف 1750 ريالا يمنيا مقابل الدولار الواحد، من الاتحاد الأوروبي والبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة و”ائتلاف الخير للإغاثة الإنسانية”.
وجاء تدشين المشرعين بالتوازي مع الإعلان في اليوم نفسه عن وضع حجر الأساس لمشروع مدينة سكنية للأرامل والأيتام بمخيم الجفينة للنازحين جنوبي مركز محافظة مأرب بتمويل من “جمعية إنسان” الكويتية وتنفيذ مؤسسة “كافل” الخيرية.
المصدر : “العرب” اللندنية