ترجمة: مدني قصري
عند تقاطع طرق الأنثروبولوجيا السياسية، وعلم اجتماع الأديان، تُركز أبحاث أمينة محمد عريف (Aminah Mohammad-Arif) (1)، على العلاقة بين الإسلام وأوضاع الأقليات والشتات، في سياق جنوب آسيا، وهي تعمل على المحاور الثلاثة الآتية: الشباب العائدون إلى الإسلام في بنغالور، التعددية الدينية في جنوب آسيا، في إطار (ANR I-SHARE)؛ (المواقع المقدسة المشتركة لشبه القارة الهندية، التفاعلات الدينية والعلاقات مع الآخر)، المهندسون المسلمون في بنغالور في إطار (ANR Engind) (المهندسون والمجتمع في الهند المستعمرة وما بعد الاستعمار).
تتناول الباحثة، في مقالها، التفاعلات بين الإسلام والهندوسية، الديانة السائدة في شبه القارة، وتأثيرها التبادلي في جميع جوانب حياة المجتمعين المسلم والهندوسي، وتُبيّن أنّ الإسلام ظلّ محتفظاً بخصائصه، التي تجعل أتباعه في شبه القارة، أقرب إلى مشاركيهم في الدين، في أماكن أخرى من العالم.
تحتلّ الهند مكانة رئيسة في العالم الإسلامي، أكثر أهمية بكثير ممّا يتصوّره معظم الناس، فمن الناحية الديموغرافية؛ يشكّل الهنود المسلمون، رغم أنّهم أقليات، مجموع سكان يبلغ عددهم مائة وخمسين مليون نسمة، ممّا يضع الهند في المركز الثالث، خلف أندونيسيا وباكستان، وعلى المستوى التاريخي، يحتلّ الإسلام مكانة قديمة جداً؛ حيث يعود وجوده إلى القرن الأول من الهجرة النبوية، وهو أمرٌ مهمّ منذ أن أسّس المسلمون هيمنتهم من القرن الثالث عشر إلى القرن الثامن عشر، وقد قاموا بتوحيد جُزئَي شبه القارة، التي استعادها واستكملها البريطانيون.
وكانت التفاعلات بين الإسلام والهندوسية، الديانة السائدة في شبه القارة، ذات تأثير تبادلي على جميع جوانب حياة المجتمَعين، في شمال الهند على وجه الخصوص، وتُمكن قراءة تأثير الإسلام في العديد من التعبيرات الفنية، الهندسة المعمارية والموسيقى والطهي، وكذلك في التصوف والاقتراض اللغوي، أما بالنسبة إلى الإسلام الهندي؛ فهو متأثر بشدة بتقاليد المناطق التي أنشئ فيها: اعتماد نظام الطبقات، واحتفالات طقوس المرور، والزواج على وجه الخصوص، والتدين الشعبي، وعبادة القديسين، لكن، كما تُبيّن لنا أمينة محمد عريف هنا، فقد احتفظ الإسلام بخصائصه التي تجعل مسلمي شبه القارة أقرب إلى مشاركيهم في الدين، في أماكن أخرى من العالم.
التطور التاريخي
يعود وجود المسلمين في شبه القارة الهندية إلى القرن الأول للإسلام، وقد حدث في موجتين متتاليتين؛ الأولى شملت، من جهة، الغزاة العرب الذين غزوا السند من عام 711، ومن جهة أخرى؛ البحارة والتجار العرب، الذين وصلوا إلى المحيط الهندي.
الموجة الثانية؛ التي يأتي منها غالبية المسلمين الهنود، تضمّ غزاة من آسيا الوسطى وإيران وأفغانستان، بدأت في القرن الحادي عشر من قبل الغزنويين، وقد اتخذت التوغلات الإسلامية منحى منتظماً منذ القرن الثالث عشر، الأتراك والأفغان، ثم المغول، الذين هم مغول أتراك، والذين أنشؤوا هيمنة دائمة على شبه القارة، وقد ساد القادمون المسلمون هناك حتى القرن الثامن عشر، عندما حلّ محلّهم البريطانيون.
شهد الفتح الإسلامي إنشاء إمبراطورية أولى، هي سلطنة دلهي، والتي كانت أصل الثقافة الدينية والسياسة والأدبية، والتي سُمّيت الثقافة الهندية الفارسية، وهي مستوحاة من نماذج القرنين العاشر والثاني عشر، القادمة من إيران وأفغانستان.
انهيار سلطنة دلهي أفاد أحفاد تيمورلنك، من النساء، وجنكيز خان، وهُم المغول، بابور (1526-1530)، مؤسس السلالة، الذي خلق دولة أصبحت في عهد السلطان أكبر (1556-1605) واحدة من أقوى السلالات في العالم.
شهدت الهند المغولية ازدهاراً رائعاً، ظلّ يستقطب التجار الأوروبيين؛ فقد شهدت تطوير حضارة رائعة، ليس فقط في مجالات الهندسة المعمارية، بما في ذلك تاج محل المشهور؛ الذي بناه الإمبراطور شاه جهان (1628-1658) في ذكرى زوجته المفضلة، ممتاز محل، لكن أيضاً في مجال الأدب والموسيقى والرسم. وفي القرن الثامن عشر؛ أحدثت النزاعات حول الخلافة هشاشة إمبراطورية المغول، وظهرت دول جديدة في أجزاء كثيرة من الهند، الأوروبيون، بانتهازهم لهذا الانحطاط، دخلوا الصراع من أجل الهيمنة السياسية والتجارية على شبه القارة الهندية، وفاز البريطانيون، وشيدوا في بضعة عقود إمبراطورية واسعة شهدت أوجها في ظلّ الملكة فيكتوريا، في ذلك العصر؛ كانت نسبة المسلمين من مجموع السكان 20٪، وارتفعت إلى 24٪ عام 1941.
الانفصاليون وشعار “الإسلام في خطر”
بعد الحرب العالمية الأولى؛ تسارعت حركة استقلال الهند، ورافق هذه الحركة استغلال ناجح من قبل الرابطة الإسلامية، بقيادة محمد علي جناح (1876-1948)، لخوفِ النخب الإسلامية في المناطق الحضرية من أن تجد نفسها معرّضة للهيمنة الهندوسية في الهند المستقلة؛ بسبب الحساب الانتخابي البسيط، وبغرض حشد الجماهير الإسلامية، رفع الزعماء الانفصاليون شعار “الإسلام في خطر”، وجعلوا من الدين الإسلامي المحرك الرئيس للهُوية الإثنية، ونجحوا في ذلك؛ حيث رأت دولة باكستان النور، في 14 آب (أغسطس) 1947، ومع ذلك، مكث ثلثُ المسلمين في الهند.
ناقلات الأسلمة
عندما وصل المسلمون إلى شبه القارة الهندية، كانت هذه الأرض آهلة بالهندوس بشكل رئيس، يضاف إليهم البوذيون والجاينية (Jainism) (2)، والمجموعتان منبثقتان عن الهندوسية، والفرس والزرادشتيون، الذين فرّوا من بلاد فارس بعد أسلمته، والمسيحيون (كان المسيحيون هندوساً في السابق)، وبعض اليهود. وعلى عكس أجزاء أخرى من آسيا، خاصّة جنوب شرق آسيا، لعبت التجارة دوراً مهماً في أسلمة سكان شبه القارة، رغم أنّ هؤلاء التجار العرب كانوا من بين المسلمين الأوائل الذين دخلوا الهند، وأساساً في السواحل.
مزايا الإسلام وأثرها على السكان
حصّة الفتح تبدو في المقابل أكثر أهمية وحسماً، إذا كنا لا نستطيع التحدث حقاً عن اعتناق الإسلام قسراً؛ لأنّه كان نادراً جداً، فإنّ وجود فاتحين أتراك، وأفغان، وإيرانيين، قد لعب، بلا شكّ، دوراً مهمّاً؛ حيث إنّ الحكام المسلمين قد شجّعوا بالفعل هجرة مشاركيهم في الدين، لكنّ المجتمع المسلم في الهند مجتمع متكوّن من مُعتنقي الإسلام الجدد، وليس من أحفاد الفاتحين أو المهاجرين، والمزايا السياسية والاقتصادية التي يمكن أن يقدّمها الإسلام، كانت هي الأصل في تحوّل العديد إلى الإسلام، ولعلّ هذا السبب جعل هذه المزايا تؤثّر بشكل رئيس في الطبقات الوسطى من المجتمع، خاصة مجموعات المحاربين والتجار والفلاحين والحرفيين.
طبقات المجتمع العليا (البراهمان)، والطبقات الدنيا (المنبوذون)، كانت تتجنب الإسلام بشكل عام، وأخيراً، لعب الصوفيّون المسلمون، دوراً أيضاً في تحوّل السكان المحليّين إلى الإسلام.
على المستوى الإقليمي؛ شهدت مناطق قليلة فقط تحوّل سكانها بشكل كبير إلى الإسلام؛ شمال غرب شبه القارة الهندية (باكستان الحالية)، والبنغال الشرقية (بنجلاديش الحالية)، وكشمير، وبعض جيوب ولاية كيرالا، وفي أماكن أخرى، كان اعتناق الإسلام على نطاق أصغر بكثير.
الإسلام الذي جلبه فاتحو آسيا الوسطى هو الإسلام الحنفي السنّي، الذي ما يزال سائداً اليوم في شبه القارة، وهناك أيضاً بعض الشافعيين، وهو المذهب الذي يضمّ أساساً المسلمين الذين ينحدرون من التجار العرب، خاصّة السكان الذين أسلموا على أيديهم، كما أنّ الشيعة موجودون أيضاً في شبه القارة، ويشكّلون ما بين 15 إلى 20٪ من مجموع السكان المسلمين.
وضع الأقلية المسلمة: الوضع السياسي والاقتصادي
الهند، رسمياً، دولة علمانية، وليس بالمفهوم الفرنسي للكلمة، لكن من مبدأ أنّ جميع الأديان في البلاد ينبغي أن تعامَل على قدم المساواة، لكن مع فصلها عن شؤون الدولة؛ هذا هو مفهوم “العلمانية”، بالتالي؛ فإنّ أيّ تمييز ضدّ الأقليات الدينية محظور بشكل رسمي، ومع ذلك؛ فإنّ التعريف الهندي للعلمانية يجعل الهند تعترف بأن القادة الدينيين في المجتمعات المختلفة لهم مكانة متميزة في أيّة مفاوضات مع الدولة، في حالة نشوب نزاع بين الأديان. بعبارة أخرى؛ يتمتع الزعماء الدينيون بشرعية سياسية، وبالتالي؛ فإنّ المواقف التي يتبناها هؤلاء الزعماء غالباً ما تظهر في نظر الدولة كممثلة لمواقف المجتمع بأكمله، ومع ذلك؛ ففي حالة المسلمين، لا ينتمي القادة بالضرورة إلى الجزء الأكثر استنارة من المجتمع المسلم، الذي فقد خلال التقسيم جزءاً كبيراً من نُخبِه، ونتيجة لذلك؛ عندما يدافع القادة المسلمون عن مواقف محافظة، يتأثر بذلك المجتمع المسلم بأكمله.
القوميون يدعون لهندوسية المجتمع
ترك الانقسام ندوباً أخرى؛ حيث إنّ المسلمين الهنود، يُشتبه بشكل خاص، بولائهم إلى الجارة الباكستانية، وبصورة أعمّ، وباعتبارهم مسؤولين عن تقسيم الأراضي الهندية؛ فهم يشكّلون أقلية “مكشوفة” للغاية، وتشهد على ذلك أعمالُ الشغب التي يتعرّضون لها بصفة دورية، لكنّ هذا العنف لا يستمدّ جذوره من التقسيم، لكنّه يندرج أيضاً في سياق المنافسة بين الطبقات المتوسطة الهندوسية والمسلمة، خاصّة في المناطق الحضرية، وقد تمّ استغلال هذه الوضعية بشكل كبير من الناحية السياسية، من قِبل القوميّين الهندوس؛ حيث يدعو الجناح الأكثر تشدّداً منهم إلى “إبادة عرقية ثقافية” للمسلمين، والأقليات الأخرى، بما في ذلك المسيحية، وبشكل أعمّ؛ يدعو إلى هندوسيّة المجتمع، لقد توصّل القوميون الهندوس إلى السلطة في أواخر التسعينيات، فهم من المؤكد أنهم لا يتمتعون بالأغلبية، لأنّهم يحكمون مع ائتلاف مع الأحزاب العلمانية، ولا يبدو، على الأقلّ في المدى القصير، أنّهم يفكّرون في تغيير أحكام العلمانية للدستور، لكنّهم تمكّنوا من ابتذال بعض أشكال الخطاب الدينيّ في المجال السياسي.
وزن قويّ وتمثيل ضعيف
من المؤكّد أنّ الوزن السياسي للمسلمين الهنود لا يستهان به، فمساهمتهم الانتخابية تحظى بشعبية كبيرة لدى معظم الأحزاب الهندية، لكنّهم لا يتمتعون إلا بتمثيل ضعيف في المؤسسات السياسية.
بالنسبة إلى القضايا الدولية، يمكنهم بالتأكيد، أن يشعروا بالتضامن مع أتباع دينهم في العالم؛ الفلسطينيين، والعراقيين، والشيشانيين، لكن هذا لا يتجاوز، في غالب الأحيان، مرحلة الهُوية العاطفية، فهؤلاء المسلمون الهنود يتجندون قبل كلّ شيء للقضايا الوطنية، وأولويتهم هي انشغالهم بتحسين أوضاعهم في الهند.
المسلمون يقاومون التعليم العلماني
على الصعيد الاقتصادي، ومن النتائج الأخرى للتقسيم؛ يحتلّ المسلمون أسفل السلم الاجتماعي، أمّا النخب فقد هاجروا بكثافة إلى باكستان، فالتخلف الاجتماعي-الاقتصادي لأغلبية المسلمين في الهند مردّه أيضاً لصعوبة في تحديث نظامهم التعليمي، ورفضهم قبول نظام التعليم العلماني بشكل كامل، ويفسَّر هذا الرفض أسباب مختلفة، بما في ذلك شعورهم بمعاناة التمييز، عن حقّ أو عن خطأ؛ فهم لا يرون فائدة في اتباع التعليم العلماني، لقناعتهم بأنّه لا يؤدي بالضرورة إلى وظيفة؛ لأنّ عدة قطاعات من القوى العاملة، بما في ذلك الإدارات والخدمات العامة بشكل عام، تتبنى في نظرهم سياسة تمييزية تجاه المسلمين؛ لذلك هم يفضلون التوجه إلى وظائف تمنحهم الاستقلالية، ويمكن أن يعتمدوا فيها على أنفسهم، مثل التجارة، بعد أن يكونوا قد تابعوا بضع أعوام من التعليم في مدرسة دينية (الكتاتيب)، ومع ذلك؛ فإن هذه المدارس الدينية، حتى وإن لم تكن بالضرورة بؤراً للأصولية، كما يروّج البعض، فإنها توفر لمعظم روّادها مستوى متوسطاً من التعليم.
الممارسات الدينية والثقافية
تتميز الممارسات الدينية للمسلمين في شبه القارة الهندية باختلافات كبيرة، من منطقة إلى أخرى؛ فالمسلمون، في معظمهم، مشبَعون بتقاليد المناطق التي يسكنونها، وتتأثر هذه التقاليد بدرجات متفاوتة، بحسب العادات الهندوسية، لا سيما في المناطق الريفية، لكن مع ذلك هناك بعض الثوابت؛ حيث يستند مسلمو شبه القارة إلى المبادئ الأساسية للقرآن الكريم والسنّة، وهو يشتركون في أوجه تشابههم في الحياة مع المسلمين المقيمين في أماكن أخرى من العالم.
تأثير البعد الصوفي وإقبال الطوائف عليه
وبخلاف الاختلافات الإقليمية؛ فإنّ أحد المتّجَهات الرئيسة للتعبير عن التدين الشعبي هو، بالتأكيد، الصوفية، الطريق الروحي للإسلام، وغالباً ما يستند الصوفيون في شبه القارة، إلى القديسين، الذين يُفترض أنهّم يملكون قوّة توسطية وتشفعية مع الله، وتدار المعابد والمزارات الروحية، وهي كثيرة في الهند، من قبل أحفاد السيد الروحي، وهي تأوي قبر القديسين، وتشكّل أماكن للحجّ، فيما وراء الانتماء الطائفي، وحتى الديني؛ لأنّ الهنود يتردّدون أيضاً، وبكثرة، على هذه المعابد والمزارات الروحية.
تعدّد لغات المسلمين
على المستوى الثقافي أيضاً؛ يتميّز المسلمون الهنود بتنوّعهم الداخلي، تختلف ممارساتهم اللغوية والطهوية، وطرق ملبسهم، بشكل كبير، من منطقة إلى أخرى، فعلى سبيل المثال؛ لغة ثقافة مسلمي الهند هي اللغة الأردية، لكن لغالبيتهم لغتهم الأم، وهي واحدة من اللغات المحلية، أو لهجات شبه القارة الهندية، مثل: المالايالام، أو البهوجبرية، أو البنغالية. وبالمثل؛ فإنّ الثوب التقليدي لشمال الهند هو الشيرواني، وهو مجموعة تتكون من سترة طويلة، وبنطلون ضيق للغاية، في حين أنّ مسلمي الجنوب يميلون أكثر إلى لباس الـ “لونجي”؛ وهو نوع من المئزر، لكن قد يكون لمسلم من كيرالا، من الألفة الثقافية مع هندوسيّ من المنطقة نفسها، أكثر مما له مع مسلم كشميري.
وضع المرأة
إنّ وضع المرأة المسلمة في الهند معقّد إلى حدّ ما؛ فهي، من ناحية، تتمتع بجوّ ملائم من الانفتاح، المؤيد للمرأة، ومن ناحية أخرى؛ هي تعاني من كون أنّ القانون الإسلامي الشخصي، الذي بلغ تقنينُه ذروتَه في ظلّ البريطانيين، لم يخضع لأيّ تغيير منذ نهاية الاستعمار؛ منذ استقلال الهند، لم تشهد النساء المسلمات سوى تحسّن طفيف في وضعهنّ، رغم مرور خمسة عقود من التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
الدستور يكفل حقوق المرأة بالتأكيد، لكن في الواقع، لا تتمتع النساء إلا بميزة جزئية من هذه الحقوق، وقد سمحت إصلاحات القوانين الهندوسية المتعلقة بحقوق الملكية والميراث والزواج، وكذلك بعض التقدم الاقتصادي والاجتماعي، للنساء الهندوسية بالمشاركة نسبياً في المجتمع الهندي، النساء المسلمات، وكذلك المسيحيات في المقابل، لم يتمتعن بالامتيازات نفسها، فما يزال من الصعب للغاية، بالنسبة إلى المرأة المسيحية، الحصول على الطلاق.
وعلى العكس من ذلك؛ فإنّ النساء المسلمات يُفصلن بسهولة من قبل أزواجهن، أو يُجبَرن على العيش في حالة تعدّد الزوجات، لكنّ هذه الممارسة الأخيرة نادرة جداً في الهند، ويمكن تفسير هذا التباين في وضع النساء من مختلف الطوائف الدينية، على وجه الخصوص، بالآثار الضارة للعلمانية في الهند؛ حيث الحرية الدينية تلعب دوراً ذا أولوية مقارنة بالاعتبارات الأخرى، وهكذا؛ فإنّ الأقليات، خاصّة المسلمين، غالباً ما يتمّ استثناؤُها من الإصلاحات الاجتماعية التي تقوم بها الحكومة الهندية، وذلك لأنّ هذه الحكومة، خاصة بعدما وصل حزب المؤتمر إلى السلطة، سعت إلى معاملة الأقليات بشكل مختلف؛ فقد ساهمت الدولة، من خلال خلق مساحة منفصلة للمسلمين، حتى ينظموا أنفسهم كمجموعة سياسية منفصلة، في استبعادهم الفعلي من عمليات التحوّل الاجتماعي، والتنمية الوطنية.
ناهيك عن أنّ الدولة تلجأ، في أيّ تفاوض، إلى قرارات القيادة المسلمة، والحال أنّ هذه القيادة، وهي عموماً، شخصيات محافظة، تعارض الإصلاحات، سيما تلك التي من المحتمل أن تؤثر على القانون الإسلامي الشخصي، لكن من الواضح أنّه إذا كان القانون الشخصي يميل إلى أن يكون أداة بين يدي القيادة الإسلامية للمساومة مع الدولة؛ فهو قانون يسعى إلى تكريس الرمز النهائي للمحافظة على الهُوية الإسلامية في الهند، لدرجة أنّ المسلمين التقدميين يرون أنّ أيّ إصلاح اجتماعي وقانوني يتعلق بالمسلمين، يجب أن تتمّ بلورته داخل المجتمع نفسه، وأن لا تفرضه الدولة، ونتيجة لذلك، وبسبب المشكلات الطائفية في الهند؛ تُعرَّف النساء المسلمات في المقام الأول على أنهنّ مسلمات، ولسن نساء، ممّا يعرقل حقوقهنّ إلى حدّ كبير.
بين الامتياز السياسي وعوائق القوى المحافظة
في المجموع الهندي؛ يتميّز المسلمون الهنود، الذين يمثلون أكبر أقلية من المسلمين في العالم، بتنوّعهم الداخلي؛ إنهم يتمتّعون بالامتياز السياسي في العيش في بلد ديمقراطي، لكنهم مع ذلك يتعرّضون لبعض المصاعب؛ إذ يرون انعدام الأمن يزداد منذ تولي القوميين الهنود السلطة في البلاد، وعلى المستوى الاجتماعي، وكما يتّضح ذلك من بعض المؤشرات، مثل وضع المرأة ونظام التعليم، فإنّ التراكمات التي نشأت منذ القرن التاسع عشر كثيراً ما تعيق نموّهما بشكل كبير، ومن المؤكد أنّ العناصر التقدمية للمجتمع تمارس الضغط المستمر على الدولة من أجل تطوير الإصلاحات، لكنّ الطريق إلى الأمام محفوف بالمخاطر؛ حيث ما تزال القوى المحافظة تحتلّ مركز الصدارة.
مدني قصري
كاتب ومترجم جزائري
المصدر: clio.fr
الهوامش:
(1) أمينة محمد عريف، باحثة في المعهد الوطني الفرنسي للبحث العلمي (CNRS)، ومتعاونة مع مركز دراسات الهند وجنوب آسيا (CNRS-EHESS).
(2) الجاينية (Jainism)، وتُعرف أيضاً باسم “جاين دارما”؛ وهي إحدى الديانات الدارمية ذات الطابع الفلسفي، نشأت في الهند القديمة، تبعاً لتعاليم ماهافيرا، حوالي القرن السادس قبل الميلاد، ويشكّل أتباع هذه الديانة حالياً أقلية في الهند، إضافة إلى تجمّعات مهاجرة متزايدة في كلّ من الولايات المتحدة، وبلدان غرب أوروبا، وإفريقيا، والشرق الأقصى، ومناطق أخرى حول العالم، تحافظ الجاينية على تقاليد الشرمان القديمة، أو ما يُدعَى بالزهد.