مدني قصري
كاتب ومترجم جزائري
منطقُ المتعصّبين قائمٌ أساساً على فكرة أنّ الله يستحق أن يضحِّي ابنُ آدم بحياتِه من أجله. ولكنّ الحقيقةَ عكس ذلك تماماً؛ لأنّ وراء التعصب الديني تكمنُ كراهيةٌ جوهرية حقيقيةٌ نحو العالم الخارجي.
هل الظنُّ (الاعتقاد) الديني يساعد أيضاً على حبّ الموت؟ جميع الأديانِ تُخفّف من روع الخوف من الموت من خلال تقديمِ عالمٍ آخر فيما وراء الحياة والموت، اسمُه الجنة.
ولذلك فإنّ المؤمن يشعر أنّه أفضلُ تأهّباً واستعداداً من المُلحِد لمواجهة المرحلة النهائية من الوجود. الأصوليون الإسلاميون تغشاهُم نشوةُ فكرةِ الموت في سبيل الله.
ويرافق هذه العقيدة تمجيدٌ للدمار، فيما يؤكد الإيمانُ الحقيقي، على العكس، أنّ المؤمن، بين الحياة والموت، يجب أن يختار الأولى؛ أي الحياة.
ولكنْ، هل الإيمان الأعمى عند المتعصّبين دينياً جديرٌ حقاً بأن يحمل اسمَ الإيمان؟ فإذا تبنّينا التمييز الذي وضَعه العالِمُ النفسي الفرنسي الشهير جاك لاكان – وقاموس “لو بُوتي روبرت” يُعطيه الحق – فإنّ الإيمان (الاعتقاد) بالمعنى الحرفي للكلمة، ينتمي إلى عالَمِ الاحتمالِ الظاهر الذي لا يمكن التحقّق منه دائماً.
أمّا التعصب فهو في جوهره، يقع في مجال اليقين: اليقين بامتلاك الحقيقة المطلقة.
المؤمن غايتُه حبّ الرب
بين الأمل والقلق النفسي يتساءل المؤمن الحقيقي حول الإرادة الإلهية ويرتضيها. أمّا المتعصب الديني فهو لا يُسائل نفسَه أيّ سؤال على الإطلاق: إنه “يعرِف” عن يقينٍ بأنه “مختار”.
ووفقاً للتحليل النفسي الفرويدي، يصبح الإنسانُ متعصّباً حتى يكافح في داخلِ نفسه شعوراً بانعدام الأمن والأمان، وحتى يحارب خوفاً من العالم الخارجي، وهو شعور بالعجزِ يرفض هذا المتعصبُ الاعترافَ به والاضطلاع به.
وبمنحِه مكاناً دون التباسٍ للحقّ والباطل، للخير والشر، وللصديق والعدو، يتوصّل المتعصبُ في خياله، إلى إدارة الكون، وإعادة خلق الواقع رأساً على عقب.
وأمام إنجازه الذهني هذا يتملّكه الشعورُ بالسلطة المطلقة، وبالتالي فهو يعتقد أنّه يُفلت من الوضع البشري القائم، مع ما يصاحب هذا الشعور من إحباطات وحدود.
روبوت بشري!
المتعصبُ عادةً ما يكون شخصيةً ذُهانية، تتحكم فيها ميولٌ قوية قوامُها جنونُ العظمة، والشعور بالاضطهاد.
ولكنّ الميول النفسية وحدها، في رأي التحليل النفسي، ليست كافية؛ إذ يرى الطبيب النفسي الفرنسي جون كوتروكس، أنّ ارتكاسات شرطية مماثلة لتلك التي تُمارَس في بعض الطوائف – القطيعةُ مع العالم الخارجي، وتمجيدُ المثاليات، وشيْطنةُ العدو بلا اتقطاع، وتمجيدُ التضحية من أجل قضية، والحرمانُ من النوم – ارتكاسات لا شك ضرورية لإخمادِ التفكير النقدي.
ففي النهاية سنحصل على رُوبوت بشري مستعدّ لأيّ شيء، بما في ذلك الموت انتحارًا لإنجاز مهمّته.
فهل هناك قاسمٌ مشترك بين المسيحيّين الأوائل، الذين بدلاً من إنكار عقيدتهم، يُفضّلون الموتَ كشهداء، وبين الإرهابيين الإسلاميين الذين يُعلِنون أيضاً “الموت من أجل الشهادة” في هجماتِهم الانتحارية؟
البحث عن اللذة في العذاب
في رأيِ التحليل النفسي، أنّ هؤلاء وأولئك تُحرّك أعماقَهم ماسوشيةٌ – أو مازوخية – دفينة (أي انحراف جنسي يلتمس فيه المتعصّب اللذة بالعذاب).
ومع ذلك، فباسم الإله يَنتحر الإسلاميون ويَغتالون من ليس منهم، فيما المسيحيون الأوائل كانوا يمتنِعون عن القتل ويُفضّلون الموت كشهداء.
هناك فرقٌ كبير إذاً، بين الفريقين، حسب المحلل النفسي دانيال سيبوني، حقد المتعصّبين الإرهابيين تجاه كل ما أو مَن ليس منهم، هو ما يدفعهم إلى “رفض كلّ الآخر؛ أي كل ما هو خارج ذواتهم مقابل أناهم المُتضخمة، وبالتالي إلى رفض أي حوار”.
نقلاً عن المجلة النفسية الفرنسية psychologies.com