أحمد حافظ
تزداد حوادث الانتحار بين الطلاب المصريين كل عام خلال أوقات الامتحانات الدراسية أو بعد إعلان نتيجة نهاية العام، لشعور بعضهم بأنهم لم يتمكنوا من حجز مقعد مناسب لهم وسط المجتمع. ويرجع المتخصصون في العلاقات الأسرية ذلك إلى أن التربية القائمة على الترهيب أو التحفيز المبالغ فيه، قد تجعل بعض الأبناء يفكرون في الموت كحل لمواجهة الفشل.
وأحدثت واقعة انتحار طالب مصري بعد معاقبته من والديه كونه أخفق في أحد امتحانات البكالوريا أو الثانوية العامة كما يطلق عليها في مصر، غضبا أسريا واسعا بسبب تكرار ضغوط بعض الآباء على الأبناء للمزيد من التفوق الدراسي، وعدم القيام بالاحتواء اللازم وقت مواجهتهم الصعوبات، بما يدفعهم للخلاص من أنفسهم، هربا من التعنيف اللفظي والجسدي أحيانا، بلا اكتراث لتداعياته النفسية على الأولاد.
وأقر والدا الطالب المنتحر في تصريحات إعلامية أخيرا بأن ابنهما اعترف لهما بعد امتحان مادة الفيزياء بإخفاقه في الإجابة على عدد من الأسئلة المهمة، ما اضطرهما إلى معاقبته بحبسه في غرفته، وحرمانه من الخروج، مع أن أغلب طلاب المرحلة الثانوية ممن أدوا الامتحان نفسه خرجوا يشكون ويبكون من صعوبة الامتحان، واعترف معلمون للمادة بأن بعض الأسئلة جاءت تعجيزية.
ولم يُصدّق الأب والأم مبررات الابن حول صعوبة الأسئلة، ووجها غضبهما تجاهه من خلال معاقبته وإشعاره وحده بالذنب، لأنهما كانا يخططان له بأن يلتحق بكلية تؤهله لوظيفة مضمونة وجيدة في المستقبل، ويتمكن من تحسين ظروف الأسرة المعيشية، وصُدما من إقدامه على الانتحار، فلم يتحمل الابن ما تعرض له من ضغوط نفسية ونظرة سلبية من أسرته تجاهه.
ومع أن وزارة التربية والتعليم في مصر أنصفت الطلاب وأقرت بوجود أسئلة خاطئة في الامتحان، وأحالت اللجنة المسؤولة عن وضعها للتحقيق، إلا أن أسرة الطالب لم تصدق ما رواه الابن حول المبررات التي ستحرمه من الحصول على درجات مرتفعة في تلك المادة، بحجة أنه يكذب أو يحاول التغطية على فشله باتهام الامتحان بأنه تعجيزي ويصعب حله كاملا.
وتزداد حوادث الانتحار بين الطلاب المصريين كل عام خلال أوقات الامتحانات الدراسية أو بعد إعلان نتيجة نهاية العام، لشعور بعضهم في هذه السن، أنهم لم يتمكنوا من حجز مقعد مناسب لهم وسط المجتمع، لفشلهم في تحصيل المواد الدراسية أو عدم حصولهم على درجات ترضي الأسرة، لاسيما أن بعضهم يخشى ردة فعل الآباء تجاههم عند معرفة النتيجة أكثر من الأمهات.
ولا تكترث بعض الأسر في مصر بخطورة التعنيف الموجه للأبناء خلال مرحلة الإخفاقات الدراسية، على الرغم من وجود وقائع عديدة كانت نتيجتها عكسية، حيث يعتقد البعض أن أولادهم يصعب قيامهم بالخلاص من أنفسهم، أو التفكير في هذا المسار أصلا للهروب من عُنف الآباء، ثم يُصدمون بوقوع الكارثة.
ويرى متخصصون في العلاقات الأسرية بالقاهرة أن التربية القائمة على الترهيب أو التحفيز المبالغ فيه، قد تجعل بعض الأبناء يفكرون في الموت أفضل من مواجهة الآباء عندما يتعرضون لإخفاق يصيب أسرهم بصدمة، وهناك مراهقون راودهم الإحساس بالتوتر طوال الوقت خوفا على مستقبلهم الذي رسمته لهم الأسرة.
ومع الوقت تزداد الضغوط الأسرية ومقارنة مستوى الابن بأبناء الجيران والأصدقاء من المتفوقين ونعته بعبارات قاسية لأنه خسر وجاهة اجتماعية، ما يؤدي للشعور بالفشل. والمعضلة عندما يتم تحميل الابن مسؤولية أو مهمة تحسين ظروف المحيطين به من خلال التفوق الدراسي، وهو لا يستطيع فعل ذلك.
وتغيب عن شريحة من الآباء ثقافة تشجيع الأبناء لعبور التراجع في التحصيل الدراسي، مع أن ذلك يجنبهم التفكير في الانتقام من أنفسهم، وهناك من يقتنع بأن التهديد والوعيد والعقاب على الفشل يجلب نتائج إيجابية للأسرة، مع أن المساندة في هذه الحالة هي الدافع لإعادة بناء الثقة للأبناء لرد الجميل لأسرهم التي دعمتهم وقت الإخفاق.
وأكد جمال فرويز استشاري الصحة النفسية بالقاهرة أن تكرار وقائع الأذى النفسي من جانب الأبناء خلال فترة الصعوبات الحياتية، سببه الأسرة في المقام الأول، وهي مشكلة يعاني منها الكثير من الآباء، رغم ثبوت نتائجها العكسية والخطيرة، حيث لا يرغب الابن في أن يسقط بنظر والديه، ولذلك قد يلجأ للانتقام من نفسه.
وأضاف لـ”العرب” أن التحفيز الزائد عن الحد خطأ كبير، ويُحمّل الأبناء أعباء مضاعفة، وهنا يلجأ البعض للأذى الشخصي للهروب من المسؤولية الواقعة عليه، لكن المشكلة في عدم وجود ثقافة أبوية حكيمة تعرّف أرباب الأسر كيفية التعامل مع أولادهم وقت المحن، وأغلبية تتعامل بالفطرة وأحيانا بقسوة، رغم اختلاف الأجيال.
ولفت إلى أن الانتحار بسبب ضغوط الأسرة وقت السقطات جرس إنذار قوي لكل أب وأم، ومن الضروري عدم الاكتراث بأن الابن تمت تربيته بشكل صحيح، ولا يمكن أن يؤذي نفسه، فالانتحار يأتي غالبا من الابن الذي تربّى بشكل جيد، ويرى نفسه في نظر والديه قيمة كبيرة، وإذا حدث العكس يفكر في الانتقام من ذاته.
ومن الخطأ تعامل الأبوين مع الابن باعتباره المسؤول الأول عن تحقيق طموحات وأحلام الأسرة، لأن ذلك يترك انطباعات سلبية ويجعل البعض من الأبناء يفكرون في الفشل قبل النجاح، ويقتنعون أنهم مهما فعلوا لن ينالوا رضا الأسرة، أو مواجهتهم بحقيقة ضعفهم لظروف شخصية أو أسباب خارجة عن إرادتهم.
ويعاني بعض الآباء من مشكلة معقدة ترتبط بعدم الاقتناع بوجود فوارق وتفاوت في المستويات التعليمية والشخصية بين الأبناء مقارنة بزملائهم وأقاربهم، ولكل منهم قدراته التي مهما حاول تطويرها لن يصل إلى المكانة التي ترضي طموحات العائلة.
تكرار وقائع الأذى النفسي من جانب الأبناء خلال فترة الصعوبات الحياتية سببه عدم تفهم الأسرة لهم في المقام الأول
وأمام ضعف المستوى والخوف من المستقبل يتم اللجوء إلى الترهيب، ومضاعفة التحفيز في أوقات أخرى للحصول على التفوق، وفي الحالتين، يشعر كل ابن بأنه يعيش ضغوطات نفسية رغبة منه في تحقيق طموحات والديه وعدم التعرض لأيّ عتاب ولو كان هادئا.
وقد يبدأ الابن التفكير في الخلاص من هذا العبء، بأذى نفسه، لأنه عاجز عن الوفاء بما عليه من التزامات ومسؤوليات تجاه ذاته وأسرته، وغالبا ما تسبق ذلك حالة من الاكتئاب والميل نحو الانطوائية والتزام الصمت لصعوبة التعبير عن ضعف قدراته، بحسب فرويز.
وقال الاستشاري النفسي جمال فرويز لـ”العرب” إن الأسرة مطالبة بالتعامل مع أولادها وقت المحن، كما يتعاطى الصديق مع نظيره، لأنه إذا لم يجد عاطفة الاحتواء والعاطفة من أهله وقت الأزمة الطارئة أو الإخفاق غير المخطط له قد يتعرض لانتكاسة نفسية تدفعه لليأس من الحياة عموما.
وهناك مشكلة عند بعض الآباء الذين إذا أخفقوا في تحقيق طموحاتهم الشخصية، بأنهم يمارسون الضغط على الأبناء لتعويض فشلهم، وإن كان ذلك خارج قدراتهم الأبناء. فإذا نجح الشاب في بدايات المهمة تزداد مطامع الآباء في ما يجعل الأبناء عاجزين عن الوفاء بهذا الالتزام.
وصحيح أن التعنيف لغرض النجاح يأتي بدافع أبوي لتأمين مستقبل الأبناء، لكن ذلك يتطلب أن يكون التعامل معهم بحسابات دقيقة تراعي الأثر النفسي على المراهقين والشباب قبل أن يتحول الخوف الزائد عن الحد إلى أداة ضغط تقود إلى اليأس والاقتناع بالفشل والتفكير في الموت كراحة أبدية.
المصدر : العرب اللندنية