كريتر نت – متابعات
تبقى حياة المجتمع التارقي مثيرة للاهتمام لما لها من سحر الاختلاف، ما يحفز على البحث والاطلاع على أسرار هذا المجتمع وفك ألغازه، فهناك في عمق الساحل الصحراوي، وبين الرمال والصخور، تتربع المرأة على عرش الأسرة والقبيلة، في مجتمعات نشأت وبقيت إلى اليوم مجتمعات أمومية.
ويعود الاهتمام بكشف أسرار وألغاز المجتمع التارقي إلى قرون سابقة، حيث تتابعت البعثات الغربية للمنطقة خاصة خلال الاستعمار الفرنسي لشمال أفريقيا، ولكن تلك التوجهات خفتت من بعد، بينما لا نجد الكثير من الاهتمام العربي لدراسة هذا المجتمع المسلم والذي يختلف كليا عن المجتمعات المسلمة الأخرى في العادات والأعراف، وخاصة ما يتعلق بالمرأة ومكانتها.
في هذا الإطار جاء كتاب “الإسلام الأمومي قراءة سوسيولوجية وأنثربولوجية للإسلام التارقي” لكاتبه يوسف بن موسى، وهو يكشف عن أحكام وأسس فهم قبائل التوارق لمكانة المرأة في المجتمع المحلي، مصنفا التوارق المنتشرة قبائلهم في الحوض المحيط لدول المغرب العربي، جنوب ليبيا والجزائر وشمالي موريتانيا وبالنيجر ومالي، كمجتمع أمومي تحظى فيه المرأة بالوجاهة والسلطة والجاه، وفق ما بينه مؤلف هذا الإصدار.
وصدر هذا الكتاب عن دار المقدمة للنشر، ويتطرق إلى المجتمع الصحراوي التارقي في الفترة المتراوحة من القرنين الخامس والعاشر للهجرة، يأتي في إطار البحث عن خصوصيات مجتمع هامش، مجتمع يعيش على هامش الدول المغاربية، بهذه الكلمات قدم الكاتب يوسف بن موسى كتابه، وذلك خلال حفل تقديم انتظم مساء الجمعة بمقر النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين.
وجاء في الكتاب أن المرأة تحتل الزعامة في ترتيب هذا المجتمع خلافا لما يراه الكاتب من تموضع أقل ترتيبا لها بباقي المجتمعات الإسلامية ذلك أن الرجال هم الموكولة إليهم القوامة، ولا يكفي أن النساء التارقيات هن الحاكمات بأمرهن في شؤون الحل والعقد بل إن النسب يمنح للمولودين في صفة اللقب إلى الأمهات، لذا فإن الحضانة تسند آليا إليهن في حالات نادرة جدا عند الطلاق، والرجال المتزوجون يحرصون على إرضاء زوجاتهم و يخشون الطلاق لأنهم يخسرون كل شيء بمجرد تطبيقه.
وفي نظام أحكام المواريث، يرث الأبناء عن خالهم ولا يمكن للأب إلا أن يورث أبناء أخته دون سواهم من الورثة، فبفضل النسب إلى الأم توزع الثروة، فيما يفرض على الزوج السكن لمدة لا تقل عن سنة بمنزل زوجته في جوار أسرتها حتى يقع تقييم أهليته على أن يظهر في تلك السنة قدرته على عيالة أسرته، ومتى ظهر عنه عكس ذلك يقع إبعاده عن أسرته بحكم من الزوجة وأسرتها.
وتمنح الأم في المجتمع التارقي نسبها لابنها وتورثه مكانتها الاجتماعية، فيرث الابن من أبيه صفة الإغارة والنهب فقط، أما صفتا الوضاعة والشرف فيرثهما عن أمه، فيكون شريفا بشرفها ووضيعا بوضاعتها.
وللمرأة في المجتمع التارقي أساطير وروايات خارقة، حيث يسود الاعتقاد بأن امرأة شاعرة من هذا المجتمع هي التي اخترعت لغة “التيفيناغ” في الزمن القديم، وهي اللغة الأصلية للبربر، والتي يدعو البعض إلى كتابة اللغة الأمازيغية بأبجديتها، وهي عبارة عن حروف تكتب من اليمين إلى اليسار كالعربية، ومن اليسار إلى اليمين أو بهما معا، وأيضا من فوق إلى تحت وبالعكس ومنهما معا.
وفي خصوص اللباس، يقترن الانتماء إلى مجتمع التوارق وهم فرع من الأمازيغ بارتداء الرجال للثام ولكل طبقة منهم لون يميزه، وتشمل هذه الطبقات ألوانا تميز النبلاء باللثام الأزرق عن رجال الدين الذين يرتدون لثاما ابيضا في حين يرتدي العبيد اللثام الأسود.
والنساء التارقيات هن في مقام أول “سافرات” ولا يحق لهن تغطية وجوههن خلافا لبقية النساء المنتميات للمجتمع الإسلامي اللائي في أغلبهن يستندن إلى أحكام تعلل وجوب ارتداء الحجاب في الفترة التاريخية التي تعرض إليها الكتاب بالدرس.
وقال الكاتب في تصريح له على هامش حفل التوقيع، إنه يهدف إلى أن يفتح مؤلفه الإطار البحثي لدراسة مجتمعات الهامش، مستندا، إلى أنه ينتمي إلى أصول أمازيغية هي بحد ذاتها تعد محور بحث تغافلت عن دراسته الأجهزة الثقافية المركزية في بلدان المغرب الإسلامي، وفق قوله.
وقد تولت يسرى بلالي تقديم هذا الكتاب، وسيقوم كاتبه بجولة خلال الأيام القادمة لتقديمه والتعريف بإصداره في تونس، وقد أكد أنه يعتزم إرسال مؤلفه إلى مجتمع التوارق حيث يمكن أن يجوب رحلة العلم والمعرفة.