ناصر الحزيمي
قبل فترة أثناء صعود جماعات الإسلام السياسي وتشكل (الصحوة) تلبست (الصحوة) حالة من الريبة والتحفز لرفض كل ما يأتي من الغرب، وأصبح الرفض هو الأصل والقبول استثناء نادرا وقد يكون مؤسلما؛ لهذا رفضت الحداثة وصنفت كشر مطلق ولا يستغرب ذلك خصوصا إذا اطلعنا على الأدبيات الرافضة للغرب عندهم.
يقول سيد قطب في معالم في الطريق (إن قيادة الرجل الغربي للبشرية قد أوشكت على الزوال.. لا لأن الحضارة الغربية قد أفلست ماديًا أو ضعفت من ناحية القوة الاقتصادية والعسكرية.. ولكن لأن النظام الغربي قد انتهى دوره لأنه لم يعد يملك رصيداً من “القيم” يسمح له بالقيادة.
لابد من قيادة تملك إبقاء وتنمية الحضارة المادية التي وصلت إليها البشرية، عن طريق العبقرية الأوروبية في الإبداع المادي، وتزود البشرية بقيم جديدة جدَّة كاملة – بالقياس إلى ما عرفته البشرية – وبمنهج أصيل وإيجابي وواقعي في الوقت ذاته.
والإسلام – وحده – هو الذي يملك تلك القيم، وهذا المنهج…).
هذا الكلام الذي قاله سيد قطب مأخوذ من أبي الأعلى المودودي وهو ما دندن به في كثير من مؤلفاته والسبب يعود إلى انعدام الثقافة العامة وانعدام الأصالة في البحث والاستقصاء وكمثال على ذلك ما قيل من بدعية الاهتمام بالحيوانات وأن هذا الاهتمام بدعة غربية وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وجميع هذا الكلام غير صحيح بل ورد في تراثنا خلاف ذلك.
يقول المقريزي في خططه ((مسجد أبي صادق مرشد المدينيّ المالكيّ المحدّث، وكان قارئ المصحف بالجامع، ومصليا به، ومصدّرا فيه لإقراء السبع، وكان فيه حنة على الحيوانات لا سيما على القطط والكلاب، وكان مشارف الجامع وجعل عليه جاريا من الغدد كلّ يوم لأجل القطط، وكان عند داره بزقاق الأقفال من مصر كلاب يطعمها ويسقيها، وربما تبع دابته منها شيء يمشي معه في الأسواق، قال الشريف محمد بن أسعد الجوّانيّ النسابة في كتاب النقط على الخطط: حدّثني الشيخ منجب غلام أبي صادق قال: كان لمولاي الشيخ أبي صادق كلب لا يفارقه أبدا، إذا كان راكبا يمشي خلفه، فإذا وقفت بغلته قام تحت يديها، فإذا رآه الناس قالوا هذا أبو صادق وكلبه.
وحدّثني قال: ولدت كلبة في مستوقد حمّام، وكان المؤذن يأتي خلف مولاي سحرا كل يوم لقراءة المصحف، وكان مولاي يأخذ في كمه كلّ يوم رغيفا، فإذا حاذى موضع الكلبة قلع طيلسانه وقطع الخبز للكلبة ويرمي لها بنفسه إلى أن تأكل، ثم يستدعي الوقاد ويعطيه قيراطا ويقول له: اغسل قدحها واملأه ماء حلوا، ويستحلفه على ذلك. فلما كبر أولادها صار يأخذ بعد رغيفين إلى أن كبروا وتفرّقوا. وحدّثني قال: كان قد جعل كراء حانوت برسم القطاط بالجامع العتيق من الأحباس، وكان يؤتي بالغدد مقطعة، فيجلس ويقسم عليها، وإن قطة كانت تحمل شيئا من ذلك وتمضي به، وفعلت ذلك مرارا، فقال مولاي للشيخ أبي الحسن بن فرج امض خلف هذه القطة وانظر إلى أين تؤدّي ذلك، فمضى ابن فرج فإذا بها تؤدّيه إلى أولادها، فعاد إليه وأخبره، فكان بعد ذلك يقطع غددا صغارا على قدر مساغ القطط الصغار، وغددا كبار للكبار، ويرسل بجزء الصغار إليها إلى أن كبروا،)) هذه المعلومة وغيرها من مؤشرات الرفق بالحيوان ومبادرات الوقف على الحيوانات والطيور مشهورة ومتداولة، ففي تراثنا مادة ثرية وسابقة لعصرها حول ذلك ولو كانت في الغرب لعمل عنها الكتب والأفلام.
نقلاً عن “العربية.نت”