أحمد حافظ
إنصاف المحكمة للفتاة انتصار لرغبة الأبناء جرمت دار الإفتاء في القاهرة إجبار الأهل للأبناء على الزواج من شركاء بعينهم أو إلزامهم بفسخ الخطبة، نافية أن يكون رفض الشاب أو الفتاة الانصياع لرغبة الأب من العقوق.
ويعد تدخل الآباء في تحديد هوية شريك الحياة للشاب أو الفتاة من الطقوس المجتمعية المتوارثة في مصر، رغم ما ينجرّ عن ذلك من انهيار للعلاقة الزوجية قبل أن تبدأ.
وشرّع القضاء في مصر قاعدة قانونية غير مسبوقة بتزويج الفتاة التي يرفض والدها أن تتزوج من شاب بعينه، ما أثار جدلا واسعا، خاصة أن الواقعة جاءت في بيئة سكانية تقدس العادات والتقاليد والأعراف في جنوب مصر، واستقر رأي محكمة الأسرة على أحقية القاضي في تزويج الفتاة من الشاب الذي ترغبه، ولو رفض والدها.
لجأت أم مطلقة إلى المحكمة للبحث عن حل في امتناع الأب عن تزويج ابنته من شاب تقدم إليها، من حيث مستوى علمي واجتماعي وعمري مناسب، ولم يكن ممكنا إبرام عقد الزواج دون حضور وليها (الأب)، وجاء حكم القضاء بزواج الفتاة من الشاب بأمر المحكمة، لأن الولي الشرعي لها رفض دون وجه حق، وقيل إنه يمارس الظلم ضدها، ما منح الحق للقاضي بالتدخل.
أثار الحكم نقاشا، لأن الواقعة تمثل حالة نادرة، وبرر القاضي الحكم بأن المحكمة يحق لها أن تقوم بدور الولي عن الفتاة إذا كان تدخل الأب في الزواج متجاوزا لشروط ومعايير الوصاية، ويتعامل بإجحاف، ولذلك أصبحت الولاية مسؤولية محكمة الأسرة التي عليها إنصاف الفتاة ومنحها الحق في الزواج من الشاب الذي ترغب فيه، لأن العلاقة بينهما ستكون مؤسسة على أطر شرعية.
ارتبط الجدل الأسري في مصر بأن تدخل الآباء في تحديد هوية شريك الحياة للشاب أو الفتاة من الطقوس المجتمعية المتوارثة، رغم ما يسببه ذلك من انهيار للعلاقة الزوجية قبل أن تبدأ، أمام تمسك الكثير من الأبناء بإرضاء آبائهم ولو على حساب سعادتهم، فيضطرون إلى القبول بشريك من اختيار الأسرة للابتعاد عن الصدام مع آبائهم.
عمقت الأزمة الاقتصادية الطاحنة وعجز الأبناء عن تجهيز أنفسهم للزواج دون مساعدة عائلاتهم من التدخلات الأسرية الفجة في اختياراتهم المرتبطة بشريك الحياة، وهي إشكالية يعاني منها الكثير من الشباب والفتيات، وصار الاعتماد على دعم الأبوين جزءا أساسيا من إتمام الزواج.
المعضلة تكمن في قيام بعض الآباء برفض زواج الابن أو الابنة من شريك بعينه، وقت الخلافات مع الأم كنوع من الابتزاز
وليس من الصعب على الفتاة أن تتمرد على رب الأسرة وتمضي في إتمام علاقة زوجية في غياب رضاء الأب، إذا كانت العائلة تعيش في بيئة اجتماعية تقدس العادات والتقاليد والأعراف، لكن الأم التي لجأت إلى القضاء كانت أكثر شجاعة، وفضّلت إنقاذ ابنتها من الوصاية الظالمة للأب.
وحذرت مؤسسات دينية في مصر من خطورة تدخل الآباء في زواج الأبناء واعتبرته نوعا من الاجحاف، ومنحت الأبناء الحق في رفض الضغوط الأبوية عند الإكراه على الزواج من أشخاص بعينهم، لأنها تؤدي إلى تأزم العلاقة بين الأبناء وأسرهم، ومع شركائهم في الحياة.
حرّمت دار الإفتاء في القاهرة إجبار الأهل للأبناء على الزواج من شركاء بعينهم أو إلزامهم بترك الخطبة، وانتهى رأيها إلى أن رفض الشاب أو الفتاة الانصياع لرغبة الأب لا يعد من العقوق، لكن المعضلة في خوف الأبناء من إسقاط السلطة الأبوية في اختيار شركاء الحياة، وباتت العبرة في مدى شجاعة الابن أو الأم ضد تدخلات الأب.
تكمن المعضلة في قيام بعض الآباء برفض زواج الابن أو الابنة من شريك بعينه، وقت الخلافات مع الأم، كنوع من العناد أو الابتزاز، حيث يمارس رب الأسرة ضغوط مضاعفة على الزوجة، أو المطلقة، ويستخدم في تلك المعركة ابنه أو ابنته، لاسيما في ظرف دقيق كالذي يسبق موعد الزفاف.
يغيب عن أرباب الأسر أحيانا أن اختيار الابن لشريك الحياة بنفسه يكرس التوافق الفكري والوجداني بين الطرفين، ويحقق لهما درجة عالية من الرضا والقبول، عكس الإكراه على الزواج من شخص بعينه أو رفض الزواج لأسباب واهية، بما يقود إلى تدني مستويات السعادة والاستقرار النفسي والعاطفي.
يرى متخصصون في العلاقات الزوجية بالقاهرة أن تدخل القضاء الأسري في إنصاف الأبناء ضد تعنت الآباء وقت الزواج هو تصرف إيجابي، لأن الشاب (أو الفتاة) لا يجب أن يظل أسيرا لرؤية الأب، أو يتم استخدام ذلك وسيلة للابتزاز وقت الخلافات، لأن هذا الشعور يرتقي إلى القهر بالنسبة للفتاة التي لا يحق لها الزواج دون ولي شرعي.
تتحفظ المؤسسة الدينية في مصر على أن تكون الأم وليّة على ابنتها في المسائل المرتبطة بالزواج، ولو كانت الفتاة في حضانتها، ولزاما عليها عند الزواج أن يكون أبوها أو جدها وصيا عليها، بلا اكتراث إلى أن هناك شريحة من الآباء والأجداد أيضا يمارسون ضغوطا على الأم، وقت الخلافات بما يؤثر على مستقبل الفتاة عند الزواج.
بالطبع رأي الأهل مهم عند اختيار شريك الحياة للابن والابنة، لكن يفترض أن يكون القرار النهائي للأبناء، لأن الرأي دائما ما تكون له حسابات أخرى وقد تتم رؤية الأمور بطريقة لها علاقة بالعادات والتوافق المجتمعي بين الأسرتين لا الشريكين.
ترى أصوات معتدلة أن إرضاء الأبناء لرب الأسرة عند اختيار الشريك مطلوب، لكن الرضوخ لوجهة نظره الرافضة لشخص معين ظلم ووصاية مبالغ فيها وتتعارض مع وعي وثقافة الأجيال الجديدة التي لديها القدرة على اتخاذ القرارات المناسبة، وعلى الأهل الإيمان بترك الحرية للأبناء عند اتخاذ قرار الزواج بلا تدخل.
قالت الاستشارية الأسرية في القاهرة هالة حماد إن اللجوء إلى القضاء لتحجيم وصاية الأب عند زواج الابنة هو شجاعة في مجتمع يدين مثل هذه التصرفات، ورسالة حاسمة لكل أسرة بحتمية مراجعة تصرفاتها مع الأبناء عند اختيار الشريك، والاقتناع بأن التدخلات الفجة تجعل صلاحية العلاقة الزوجية محدودة ويصعب استمرارها.
وأضافت لـ”العرب” أن تحضّر الأبوين عند زواج الأبناء وقت الخلافات أو بعد الطلاق يكمن في تيسير الزواج وعدم استخدام أي منهما أولاده كأداة للابتزاز، وهذا يتطلب حملة توعوية واسعة تستهدف حسن إدارة العلاقة بين الشريكين، إذا كان الأبناء في سن الزواج، مع تقديم نماذج حية في الأعمال الفنية للتوعية بمخاطر التدخلات الفجة.
من المهم أن تقتنع كل أسرة بأن الضغط على الشاب أو الفتاة للزواج من شخص مناسب تعليميا واجتماعيا ووظيفيا من وجهة نظرها، يدفع الضحية إلى كراهية الشريك الجديد الذي تم الزواج منه بلا قناعة أو رغبة مهما بلغت مزاياه، وهذا يقود إلى الطلاق السريع لغياب التفاهم والتلاقي الفكري والنفسي، وهذا لا يدركه بعض الآباء.
وإذا استمر تعامل الأسر مع اختيار شركاء الأبناء كحق مكتسب للأبوين سوف تظل نفس القناعات موجودة ما لم تكن هناك مواجهة توعوية، إعلاميا وفنيا ودينيا، لتغيير قناعات الآباء بالتركيز على خطورة تصرفاتهم بأرقام وإحصائيات تتعلق بحالات طلاق وقعت وزيجات فشلت قبل أن تبدأ للإكراه على شريك معين، أو رفض آخر.
المصدر : صحيفة العرب