كريتر نت – العرب
تصاعدت وتيرة الإجراءات والقيود التي تتعلق بتنقل النساء في اليمن خصوصا في صنعاء منذ قرارات الحوثيين للفصل بين الجنسين في مرافق تعليمية عامة وخاصة، مما يضر بقدرة المرأة على الحصول على العمل والتعليم والرعاية الصحية وينعكس بشكل مباشر على المجتمع.
وتتحدث ناشطة سياسية تعيش في تعز عن التحديات التي تواجهها شقيقتها التي تعيش في صنعاء عند السفر من مدينة لأخرى قائلة، “امرأة في الخمسينيات من عمرها أُجبرت على الحصول على موافقة ابنها، الذي كان عمره 14 عاما، لكي تسافر. يا للعار! يعني هذا أن الحوثيين لا يعترفون بالمرأة مواطنة كاملة الحقوق”.
غير أن القيود على حرية المرأة اليمنية في التنقل والتي أثرت على حياتهن وأسرهن ومستقبلهن تشمل جميع الأطراف في البلاد، واتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش أطراف النزاع في اليمن بانتهاك حق المرأة في حرية التنقل بشكل ممنهج، مما يضر بقدرتها على الحصول على العمل والتعليم والرعاية الصحية.
وأفادت الأمم المتحدة أن هذه القيود على التنقل أجبرت العديد من النساء اليمنيات على ترك وظائفهن في المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية ووكالات الأمم المتحدة لعدم وجود قريب لهن قادر على مرافقتهن في السفرات المتصلة بعملهن، مما أفقدهن الدخل الذي تشتد حاجة أسرهنّ إليه، وقطع المساعدات الإنسانية عن النساء والفتيات اليمنيات.
وأثّرت القيود أيضا على حصول المرأة على التعليم العالي. وفي بعض الحالات، رفض السائقون اصطحاب النساء إلى الحرم الجامعي لأنهم يعرفون ما سيواجهونه عند نقاط التفتيش في مناطق تشمل الجنوب.
التجاوزات على حركة النساء في مناطق سيطرة الحوثي امتدت إلى عملية الفصل بين النساء والرجال في الأماكن العامة ثم الجامعات
وأوضحت هيومن رايتس ووتش في تقرير لها أن سلطات الحوثيين وسعت بشدة نطاق القيود في أراضيها على تنقل المرأة منذ سيطرتها على العاصمة صنعاء وجزء كبير من شمال اليمن في السنوات التسع الماضية، بينما قيّدت قوات الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي تنقّل المرأة في الجنوب.
وأشارت المنظمة إلى أنها تحدثت مع 21 امرأة معظمهن ناشطات، أو عاملات مع منظمات غير حكومية.
ونقلت عن العديد ممن تمت مقابلتهن أن بعض العناصر على نقاط التفتيش استهدفوا تحديدا النساء العاملات مع المنظمات غير الحكومية، وفي المجال الإنساني.
وقالت امرأتان إنهما قررتا مغادرة صنعاء، الواقعة تحت سيطرة الحوثيين والانتقال إلى عدن، الواقعة تحت سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي في عام 2023، بسبب تزايد قيود الحوثيين على النساء والمنظمات غير الحكومية في السنوات القليلة الماضية. وقالت إحداهما “أنا شخصيا لا أستطيع حتى استئجار سيارة لأنه ليس لدي زوج أو أخ أو أب”.
وفي الجنوب، ورغم عدم وجود أي توجيهات رسمية من الحكومة اليمنية أو المجلس الانتقالي الجنوبي تلزم المرأة بالسفر مع محرم، وقالت جميع النساء الـ21 اللواتي تمت مقابلتهن، باستثناء واحدة، إنهن أُجبرن على العودة أو أوقفن عند نقاط التفتيش، لعدة ساعات أحيانا، عند محاولتهن الانتقال من محافظة إلى أخرى، من دون محرَم.
وقالت امرأة من تعز “كنت أحلم بالدراسة للحصول على الماجستير في العلوم السياسية، ولكن يبدو هذا الحلم البسيط الآن مستحيلا بسبب شرط المحرم”.
وكشفت ناشطة في حقوق المرأة لـ هيومن رايتس ووتش “تحطمنا نفسيا. الحديث عن تمكين المرأة يبدو سخيفا عندما لا يكون بإمكاننا حتى التنقّل”.
وكان فريق الخبراء المعني باليمن التابع للأمم المتحدة، ذكر في تقريره لعام 2023 أنه تلقى تقارير عن منع الحوثيين سفر النساء بالمناطق الخاضعة لسيطرتهم.
واستخلصت أبحاث هيومن رايتس ووتش أن القيود على التنقل أثّرت على النساء في جميع قطاعات المجتمع اليمني. وقالت ناشطة تعيش في عدن إنه، منذ بدء النزاع في العام 2014، “تراجعت حركة النساء بشدة… رغم أن ما كنّ يحصلن عليه لم يكن ممتازا قبل الحرب”.
وفي الشمال، بدأت سلطات الحوثيين بعد السيطرة على صنعاء بشكل متزايد، إلزام النساء بالسفر مع محرم أو تقديم دليل على موافقة خطية من ولي أمرهن، وهي سياسة لم تكن موجودة قبل الحرب.
العاملات في المجال الإغاثي في مقدمة المتأثرات بقيود التنقل إلى جانب الاستمرار في المطالبة بـ”محرم” لمرافقة اليمنية العاملة
وأفادت الناشطة الحقوقية داليا محمد، إن الانتهاكات المتعلقة بالمرأة في اليمن، خصوصا منذ اندلاع الحرب متعددة، حتى أنها لا تذكر جميعها ضمن التقارير الحقوقية والإخبارية.
وأضافت ما هو شائع الآن وما وصل إلى الإعلام يتعلق بمنع وتقييد حرية التنقل، وما يتعلق بالفصل في الجامعات خصوصا في مناطق سيطرة ميليشيا الحوثي، وكذلك في بعض المحلات التجارية والمطاعم وأماكن العمل.
وأشارت إلى أن هناك انتهاكات عديدة تحصل للمرأة العادية غير ناشطة، وصوتها غير ظاهر، فالبعض يؤخذ منهن أولادهن، أو أنه يتم تهديدهن، مضيفة “قمت برصد حالات بشكل سري، في مناطق سيطرة ميليشيا الحوثي، يتم أخذ النساء بالقوة كمجهود حربي من خلال الزواج، كما أنهن يتعرضن للقتل إذا ما عارضن ذلك”.
وزادت “منذ منتصف العام 2023 إلى نهايته رصدت 15 حالة، لامرأة تم قتلها في مناطق سيطرة ميليشيا الحوثي، بسبب أنهن رفضن مطالب معينة من ميليشيا الحوثي، والأمر الشائع أنه تتم تغطية هذه الجرائم، من خلال ربطها بالعار”.
من جهتها، قالت منسقة شبكة التضامن النسوي ليزا البدوي، إن اليمن يشهد منذ بدء الصراع المسلح الذي ابتدأ في سبتمبر 2014، حتى الآن ترد شديد على مستوى الأوضاع الإنسانية والحقوقية، وهي أكثر سوءا بالنسبة للنساء والأطفال، باعتبارها الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع.
وأضافت أن طبيعة الصراعات تلقي بضلالها الأكثر سوءا دائما على النساء والأطفال، وهم الأكثر ضررا، فعندما نتحدث عن النازحين سنجد أن النساء والأطفال هم الأكثر بؤسا وضررا وتعرضا للانتهاكات، والأقل حظا في الرعاية الصحية والتعليم.
وتابعت، الممارسات التي تستهدف النساء بشكل خاص، فيما يتعلق بالحرمان من حقوقهن وحريتهن، كالحق في العمل والحق في المشاركة الاجتماعية في المجتمع، رغم أن القانون اليمني والدستور اليمني، قد كفلا جميع الحقوق للنساء اليمنيات أسوة بالرجال، وهي حقوق المواطنة المتساوية، والتي تعتبر من الثوابت والمبادئ العالمية، لكن في المناطق التي تخضع لسيطرة ميليشيا الحوثي بالذات، هناك انتهاكات كبيرة تستهدف النساء لاسيما الناشطات أو العاملات في المجتمع المدني.
وابتدأت هذه الانتهاكات بوتيرة متزايدة ومتسارعة عندما فرضت قواعد على أساس أنها تنظم، وهي في الحقيقة تقيد حركة النساء العاملات في المجتمع المدني وفي جانب الإغاثة، من خلال اشتراط وجود محرم عند التنقل، أو باشتراط وجود تصريح من عاقل الحارة.
وتعتبر هذه القيود تجاوزات لأنها تتعدى الحقوق التي نص عليها الدستور اليمني، فحق حرية التنقل، سواء في القوانين الوطنية أو في الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق المرأة وإلغاء كل مظاهر التمييز بين النساء والرجال.
وقالت البدوي، أكثر التجاوزات التي تحدث بشأن القيود المفروضة على حركة النساء، في مناطق سيطرة الحوثي، وامتدت إلى عملية الفصل بين النساء والرجال سواء في المطاعم أو في الأماكن العامة، ثم في الجامعات.
وأضافت، “أنا إحدى خريجات جامعة صنعاء، ولم أكن اتصور أن يأتي يوم ويوضع سياج داخل القاعات وفي المحاضرات، للفصل بين الإناث والذكور، لأن هذا صرح علمي له احترامه وقدسيته، إلا أن هذه الممارسات تجعل المجتمع يفكر في إطار ضيق يخدم أفكار هذه الميليشيا التي تستمد تعاملاتها من أيدلوجياتها التي لا تتفق ولا تتسق مع الثقافة الراسخة للمجتمع اليمني”.
وفي 2019، أفادت وسائل إعلام محلية بأن سلطات الحوثيين وجّهت شركات الباصات المحلية باشتراط أن تكون النساء برفقة محرم عند السفر بين المدن في اليمن.
وفي ديسمبر 2022، أفاد خبراء حقوقيون تابعون للأمم المتحدة أن “الهيئة العامة لتنظيم شؤون النقل البري” (هيئة النقل البري) التابعة للحوثيين أصدرت توجيها شفهيا في أغسطس 2022 يشترط أن تكون النساء برفقة محرم عند السفر إلى أي مكان، داخل المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون أو خارج البلاد.
واندلع النزاع في اليمن في 2014 مع سيطرة الحوثيين على مناطق شاسعة في شمال البلاد بينها العاصمة صنعاء.
وقالت باحثة اليمن والبحرين في هيومن رايتس ووتش، نيكو جعفرنيا، إنه “بدل التركيز على ضمان تلقي الناس في اليمن المياه النظيفة والغذاء وما يكفي من المساعدات، تبذل الأطراف المتحاربة طاقتها في وضع العراقيل أمام حرية تنقل المرأة. هذه القيود لها تأثير هائل على حياة النساء وتعيق قدرتهن على تلقي الرعاية الصحية والتعليم والعمل، وحتى زيارة أسرهنّ”.
وحسب تقارير حقوقية، تصاعدت وتيرة الإجراءات والقيود المتصلة بتنقل النساء، في صنعاء على الأقل، بالتزامن مع قرارات وتعميمات للفصل بين الجنسين في مرافق تعليمية عامة وخاصة. وتصل القيود وفق مصادر حقوقية، إلى مطالبة المرأة الراغبة في السفر بموافقة خطية من “ولى أمرها” معمدة من عاقل الحارة ومن وزارة الداخلية. بيد أن المشكلة لا تنتهي بوجود “المحرم” أو الرجل المطلوب وصايته على المرأة، إذ يخضع العديد من الأشخاص إلى التدقيق في الهويات للتأكد من صلة القرابة، وهي عملية قد تستغرق ساعات في بعض حواجز التفتيش، يتعرض خلالها بعض من يتم إيقافهم لأسئلة وأحياناً لعبارات جارحة واتهامات.
وكانت العاملات في المجال الإغاثي، في مقدمة المتأثرين بالقيود الجديدة، ويقول أحدث تقرير لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن، إن قيود الحركة كانت النمط السائد من العراقيل المبلغ عنها، وهو ما عزاه مختصون إلى فرض الحوثيين قيوداً على سفر العاملات في المجال الإغاثي، في داخل وإلى خارج البلاد، إلى جانب الاستمرار بالمطالبة بـ”محرم” لمرافقة اليمنية العاملة في الإغاثة عند السفر في بعثات ميدانية داخل وبين المحافظات، وكذلك خارج اليمن عبر مطار صنعاء الدولي. على أن 6 في المئة من الحالات كانت في مناطق سيطرة الحكومة (المعترف بها دولياً).