كريتر نت / كتب – محمد علي محسن
في كل مرة اعتاد الرئيس السوداني المشير عمر البشير أن يرقص بعصاه أمام أنصاره ، فكلما زادت اصوات مناوئيه أخذ عصاه وبدأ برقصته التي برع بها زمناً .
الاسبوع الفائت كان الرجل ادى رقصته دونما يعلم أنها الأخيرة ، فها هو رهن الاعتقال ومن اقرب رجاله المخلصين الذي أتقن فن الخداع والتضليل معلناً للجماهير الثائرة الإطاحة برئيسه والتحفظ عليه في مكان آمن .
إنَّه ذات السيناريو الذي شاهدناه في كافة الحالات العربية السابقة ، بدءاً بإعلان رئيس الحكومة التونسية القصيرة الأجل والذي حاول جاهداً تقديم نفسه كوريث شرعي لحاكم قصر قرطاج الفار لتوه ، مروراً بالمجلس العسكري المصري المطيح برئيسه استجابة لضغط وتطور الشارع المصري ، لكنه ظل مراوغاً ومخاتلاً لتطلعات الثورة الشعبية العارمة ، فلم يكن في حقيقة الأمر جسراً يفضي لدولة مدنية ديمقراطية .
والحال ينطبق على ثورتي اليمن وليبيا ، فبرغم أن ثورة ١٧ فبراير في ليبيا حسمت المسألة عسكريا ، إذ قدر لها الوصول لرأس النظام واغتياله وبشكل دراماتيكي مهين ؛ لكنها اصطدمت بإرث مثقل بالتبعية والعصبية وبالتدخلات الإقليمية والخارجية ، فهذه مجتمعه أدخلت الثورة الليبية في صراعات داخلية وائدة لأحلام وتطلعات ونضالات الشعب الليبي .
ولا يخفى عليكم هنا في هذه البلاد ” اليمن ” فبرغم أن الثورة الشعبية خلقت ظروفا موضوعية وذاتية مختلفة كلياً عن أي مرحلة تاريخية ؛ كانت الكلمة الفصل في المنتهى للقوى العسكرية والقبلية المهيمنة على مجريات الأحداث .
ما يعني أن رجال نظام صالح ، وبما لديهم من إمكانيات وامكانيات وعلاقات ، نجحوا في تحويل مسار الثورة الشعبية ، فمن اسقاط النظام ورموزه الفاسدين إلى عزل رئيسه شكلياً والاحتفاظ بكل أدواته وقوته ، بل والاسوأ أنه حصل وأتباعه على حصانة من اي مساءلة أو محاسبة
في المحصلة النهائية كانت الحرب نتيجة طبيعية لهذا الانحراف الخطير في مسار الثورة اليمنية ، ولعل ما حدث خلال الأعوام الماضية لهو دليل قاطع على الخطأ الفادح الذي أفضى لتغيير شكلي في اسم الحاكم الانتقالي ، بينما بقي النظام السابق حاضرا وفاعلا ومؤثراً في الحالة اليمنية المتعثرة .
فمنذ الإعلان عن التسوية السياسية في الرياض ، وما تلاها من خطوات أجرائية ، فكل هذه الأشياء يحسب لها أعادت النظام ورموزه وبشكل فج وفاضح ، ولعل الحديث اليوم عن برلمان ورئيسه لخير شاهد ودليل على معضلة الحالة اليمنية ، وكيف أن التغيير الثوري تم الالتفاف عليه وافراغه من مضامينه الوطنية الجمعية .
الجزائر وثورتها في خضم نظري واحتجاجي رغم تنحي الرئيس عبد العزيز بوتفليقه وإعلان المجلس الدستوري بشغور منصب رئيس الجمهورية ، فما هو معروف للقاصي والداني أن الرئيس بات معاقاً بدنيا وربما ذهنيا ، ومع ذلك ابى الضباط الكبار المسيطرون على جمهورية الجزائر في الوقت الحاضر الَّا ان يستمروا في السلطة ولو بشخص مقعد ومعاق كلياً ، انها ذات اللعبة التي اتقنها جنرالات الجزائر ومنذ تحرير البلاد من الفرنسيين مطلع الستينات .
وعندما خاب رجائهم بولاية خامسة ، أراد هؤلاء الانتقال إلى صف مناوئي الحكم الذي كانوا هم رموزه ومازالوا يستحكمون به ، وهذه لعمري مفارقة عجيبة وغريبة ولا تقتصر على الجزائر لوحدها وانما رأيناه في مصر وليبيا وتونس واليمن وسوريا والسودان .
وما يحدث الان في الجزائر يكاد نسخة طبق الأصل من حالات عربية مماثلة ، فبرغم تسمية المجلس الدستوري للواء عبد القادر بن صالح رئيساً مؤقتاً للبلاد ولحين انتخاب رئيس جديد ؛ مازال الجزائريون في الساحات الاحتجاجية ، فهم لا يثقون بكافة رموز النظام ، خشية من سرقة ثورتهم مثلما حصل لثورات عربية مماثلة .
والأمر يتكرر في السودان ، فبعد قرابة أربعة أشهر على انتفاضتهم السلمية ، وبعد اسبوع فقط على اعتصامهم المفتوح ؛ تم الإعلان عصر أمس الخميس ١١ ابريل عن الإطاحة برئيس النظام المشير عمر البشير والتحفظ عليه في مكان آمن ، وحل البرلمان والحكومات المركزية والمحلية ، وكذا تعليق العمل بدستور ٢٠٠٥م وإطلاق كافة المعتقلين السياسيين ، وفرض حالة الطوارئ ، وبتشكيل مجلس عسكري يتولى السلطة لفترة عامين قادمين لحين إقرار دستور رئيس جديدين .
لكن المشكلة أن الحاكم العسكري الجديد هو وزير الدفاع الفريق عوض بن عوف ،نائب البشير المخلص وأحد أبرز رموزه المطلوبين لمحكمة الجنايات الدولية ، وهذا هو جوهر ازمة الثورة السودانية .
ما يعني أن الشعب السوداني خلص من البشير الذي حكمه دام ثلاثة عقود كاملة ليأتي بنائبه .
ومثلما يقال بلهجة اليمنيين : ديمة وقلبنا بابها ” وهذا بالضبط ما لا يرضاه الشعب السوداني الشقيق المطالب بدولة مدنية حديثة يسودها الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية .